د/ عادل فهمي

تعد محاربة الفساد في عصرنا الحاضر أحد أهم معايير سلامة المشروعات التنموية، وأهم قيم الحكم الرشيد، و على الصعيد الواقعي لا يوجد مجتمع بدون فساد أو خال منه باستثناء المجتمعات الفاضلة كما في النظري في كتب الفلسفة الاجتماعية فقط.

والفساد ظاهرة اجتماعية عرفتها كافة المجتمعات البشرية عبر العصور، ولا يوجد مجتمع يخلو من بعض صور الفساد، وتتفاوت معدلات انتشاره بين المجتمعات وفق الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها(طه نجم،)، كما تتفاوت ظاهرة الفساد من حيث الحجم والدرجة بين مجتمع وآخر، وبالرغم من أن الأسباب الرئيسية لظهور الفساد وانتشاره متشابهة في معظم المجتمعات إلا أنه يمكن ملاحظة خصوصية في تفسير ظاهرة الفساد بين شعب وآخر تبعاً لاختلاف الثقافات والقيم السائدة(أحمد أبودية).

وقد شهدت مصر فيما قبل ثورة يناير الماضية تفشي ظاهرة الفساد على المستويات الإدارية والسياسية والأخلاقية. وقد شهدت مصر منذ منتصف السبعينات تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية في ظل التحول لسياسة الباب المفتوح، وتراجع دور الدولة وتشجيع القطاع الخاص ليتخذ دوراً أكثر أهمية في النشاط الاقتصادي، وقد واكب هذه التحولات تغيرات اجتماعية واسعة وسريعة تجلت إحدى صورها في ظهور شرائح اجتماعية جديدة تملك الثروة المولدة من استثمارات غير إنتاجية بعضها مشروع والبعض الآخر غير مشروع، ومع تزايد مساحة حرية التعبير للمصاحبة لهذه التحولات، وظهور عدة أحزاب سياسية معارضة، ثارت تساؤلات حول دور الفساد في تشكيل الواقع المصري(إكرام إلياس)، على الرغم من اتخاذ إجراءات لمواجهة الفساد عبر جهات ومؤسسات رقابية لم تستطع أن تضع حداً لهذه الظاهرة.

لكن السؤال : هل يمكن لمشروع الرئيس الجديد إنقاذ مصر من شبكة الفساد التي اختطت لرجالها وسياساتها قنوات خفية ومسارب مخيفة قد لا نستطيع اكتشافها لعدة سنوات قادمة ؟

بعد الاستماع والمشاهدة للرئيس المنتخب ، ولو وجد مخلصين معه ، وأيا كان الفساد في مستواه الخاص أو العام، فالإصرار  في برامج الإخوان ومرشحي للرئاسة التابعين لهم هو ضرورة محاربة الفساد.

والذي يجعلنا نطمئن لإمكانية نجاح الدكتور مرسي في محاربة الفساد والحد من آثاره ما يلي:

أولا: أن مشروعه يرتكز على الأطراف الفاعلة فى المجتمع المصري متمثلة فى كل من الدولة المصرية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، ومع توغل سطوة وسلطة الدولة المصرية فى كلا القطاعين المدني والخاص، كما وضع المشروع آليات إصلاحية على المستويين الاستراتيجي والتنفيذي؛ كي تحقق التوازن المنشود بين الأطراف الثلاثة ومؤسساتهم.

ويلاحظ أن رؤية المشروع  النهضوى تنقسم إلى ثلاثة مستويات طبقًا للقيم والمستهدفات الخاصة بكل من الإنسان المصري والأسرة المصرية والمجتمع المصري والدولة المصرية.
ويتفرد مشروع نهضة مصر الذي يقدمه الإخوان بما يلي:

أ) المستوى القيمى والفكرى اعتنى بوضع توصيف ما يتمناه المصريون فى حياتهم من قيم وحقوق وصفات وواجبات وما ينتظرونه من مؤسسات المجتمع المصرى بأطرافه الفاعلة، معتمدًا على تجمع هائل من الخبرات والدراسات المجتمعية والمتخصصة فى وضع رؤية متكاملة تعمل باقى المستويات على الوصول إليها بهدف الارتقاء بشعبنا حضاريًا ومعالجة ما طرأ عليه من إفساد متعمد خلال الحقب الزمنية السابقة.

ب) ويحتوى المستوى الإستراتيجي على المسارات السبع التي تحقق ذلك التغيير المنشود من خلال خطط تنموية مركبة تتوزع أدوارها بين كل من الأطراف الفاعلة فى الأمة المصرية، ثم يتم ترجمة تلك الخطط فى المستوى التنفيذي إلى مجموعات محددة من المشاريع والإصلاحات والسياسات التشغيلية مقسمة على ثلاث فترات زمنية كخطوة أولى على طريق النهضة المصرية.
المستوى الإستراتيجي : بالتعاون مع العديد من المؤسسات البحثية والخبراء وأساتذة الجامعات المصرية وغير المصرية، تم وضع خطط تنموية لكل مسار من المسارات الإستراتيجية ويندرج تحت كل مستهدف عدد من المشاريع والبرامج التنفيذية، بعضها بدء بالفعل فى التنفيذ والبعض الآخر فى مراحل مختلفة بين الإعداد ودراسة الجدوى وتجميع المقومات اللازمة للتنفيذ.


ثانيا:  تقوم  رؤية الدكتور مرسي لمحاربة الفساد على  النظر للفساد على أنه ظاهرة متعددة الأوجه، ولذا فلابد من وسائل متعددة الأوجه لمحاربته بفاعلية، وعلى كافة المستويات السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية، وخاصة أن ديننا وتراثنا قد حذرنا من مغبة الفساد ووعدنا بحسن العاقبة إن نحن تجنباه وفقاً لقوله تعالى: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين"( سورة القصص، الآية (83)).

وعندما يتمكن الفساد من صلب ثقافة  المجتمع يصعب علاجه، فالفساد لا ينتج إصلاحاً بل ينتج مزيداً من الفساد، والفاسد لا يرى في فساده عيباً، بل ويرى في الإصلاح انتحاراً، ومن هنا يمكن القول أن الفساد يشكل طوقاً يحتاج إلى من يكسره بقوى خارقة.

ينطلق مشروع الدكتور مرسي في محاربة الفساد من استراتيجة الارتداع الذاتي للفرد والمجتمع ، فالمرجعية الدينية لمصر  تنهي عن الفساد والإفساد، وتحذر منه.

ولذلك أنا مطمئن إلى أن هذا عهد جديد ونهج جديد وإرادة شعبية قوية تحتاج إلى إخلاص المعاونين وتخصصهم ودأبهم لاقتلاع الفساد من جذوره ، وهذا هو أول مطلب من الرئيس الجديد..!!

مبروك لمصر..!