حازم سعيد :

أطل علينا توفيق عكاشة بطلعته البهية ليلة أمس بعد انقطاع ظن معه الناس أنه نفذ تهديده فى حالة نجاح الدكتور محمد مرسى بالرحيل لألمانيا .
عاد مهدداً منذراً مزمجراً متوعداً شاتماً فى الإخوان وفى الرئيس الجديد وفى المجلس العسكري وداعياً لمليونية فى نهاية هذا الأسبوع اعتراضاً على ما أسماه تزوير الانتخابات ، كما دعا ضباط الجيش للانقلاب على الحكم واتهم العسكرى بالتزوير وحرض المسيحيين على أعمال تخريبية ... الخ 
تزامن هذا مع شائعات بانتشار لعناصر بالشارع ترتدى النقاب أو ملتحين يهددون الناس ويدعون أنهم يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرذلك .
 
لنا مع هذه الإطلالة وهذا الانتشار وقفة سريعة فى هذه المقالة :
 
أولاً : لا يعترض أحد أني أنحدر بمستوى الثقافة بسبب تعرضي لهذا الرويبضة الذى لا ينطق كلمتين متجاورتين صادقتين أبداً ، بل أزعم أن كل كلامه كذب وإن لم يكن فعلى الأقل 90 فى المائة منه ، بخلاف تناوله السطحى التافه للموضوعات .
فلقد أظهر انتشارنا أثناء فترة الدعاية للدكتور مرسى وكم التقارير المرفوعة من أفراد حملته من الإخوان أو الحرية والعدالة ، أو الحركات الثورية التى اصطفت مع الدكتور مرسى ، أظهر كل ذلك تأثر قطاع كبير – وكبير جداً – بهذا التافه وما يلقيه من أراجيف وسموم وشائعات وأكاذيب .
وقد كنت أظن أن المتأثرين به هم أصحاب الثقافة التعليمية البسيطة فى المناطق الشعبية أو فى القرى ، ولكن إذا بى أفاجأ بأن قطاعاً كبيراً – أزعم أنه يصل لملايين - ممن يطلق عليهم " المثقفون " نتيجة الشهادات التعليمية الحاصلين عليها ، ومنهم أطباء ومهندسون ومدرسون وموظفون بقطاعات مختلفة حيوية ونالوا حظهم وقسطهم التعليمي الوافر ، فوجئت بأنهم متأثرين بهذه اللغة التافهة والسطحية التي يتناول بها الموضوعات ، كما فوجئت بأنهم يرددون عن ظهر قلب – وأكرر أن ذلك نتيجة مشاهدات موثقة لمئات من أفراد الحملة بمختلف أنحاء الجمهورية – يرددون عن ظهر قلب ما يلقيه من أراجيف وشبهات ضد الإخوان .
ولعل نداءات الميادين بدءاً من التحرير وبالمحافظات فى احتفالية الشعب التلقائية بعد إعلان النتيجة الرسمي وصيحاتهم ضد عكاشة وتندرهم عليهم ونكاتهم التي ملأت الشوارع والميديا والنت ، لعل ذلك أكبر دليل على إحساس الثوريين وأفراد الحملة بأثره فى الشارع وفى المجتمع ، لذا وجبت المقالة .

ثانياً : أزعم أن جهة ما تدعم توفيق عكاشة وتوظفه توظيفاً فنياً فى منتهى الدقة ، وهو فى أدائه فنان وعبقرى وممثل من الطراز الأول ، يكاد يصل لمستوى الزعيم عادل إمام فى الحرفية الفنية ، طريقة تعبيراته وإلقائه وكلامه – ورسمة وشه وسحنته – وردود أفعاله ، وعوجة فمه باللسان العامي وبالطريقة التي ينطق بها ، وهذا الأداء التمثيلى الحرفى المتميز هو ما يعطى له أثراً وقبولاً عند الناس ، وعند طبقة ما يطلق عليهم " المثقفون " .
يؤكد هذا الكلام عن دعم جهة ما له ، سيل المكالمات المباشرة أثناء برنامجه ممن يسمون " فنانات " قبل الإعادة بيوم ويومين كلهن تثني عليه وكلهن تدعم شفيق ، وكلهن تسب وتشتم فى الإخوان .
إذا جمعت هذا السيل لأكثر من خمس أو ست " فنانات " وجمعت معه ملاحظات : الأولى أنهن كلهن قمن بنفس المكالمات بعينها - ولكنها كانت فى مدح حسنى مبارك على الإعلام المصرى والفضائيات الخاصة - فى أيام الثورة الأولى قبل تنحيه بنفس التناغم والتناسق والتواتر والترتيب .
الملاحظة الثانية : أن بعضهن كان قد سبق القبض عليهن فى قضايا ومخالفات بين قضايا مخلة وآداب وبين قضايا تهرب ضريبى وخلافه ، وتم الإفراج عنهن لاحقاً وأذيع أن ما حدث لهن كان خطئاً أوأنهن تصالحن مع الضرائب ... فيما يعيد لنا شبح ممارسات صفوت الشريف مع أسلافهن من الفنانات في عهده ...
الملاحظة الثالثة : ما تردد عن اعترافات شباب بدور تحريضى ونشر للشائعات على النت بصورة ممنهجة نتيجة رواتب معلومة ومحددة وذلك بهدف نشرالفرقة والفتنة بين الثوار مع شتيمة الإخوان ومجلس الشعب وإيجاد حالة من الكراهية لدى الناس ضد الإخوان .
هذه الملاحظات أهدف منهما للزعم أن تلك المكالمات كانت مكالمات ممنهجة أمر بها أصحابها – بضغط وإكراه أو برضا وقبول - من الجهة التى تخطط كل هذا الكلام والدس والتآمر والتوظيف والدعم لعكاشة وفرقته الفنية .

ثالثاً : يبدو لنا بناءاً على  عودة المدعو عكاشة للظهور بهذه السرعة أن الجهة التي تدعمه لم تضع أسلحتها بعد ، وأنها لم تيأس ، بل تستعد لمرحلة قادمة .
يؤكد هذا سيل برامج التوك شو التي بدأت فى التشكيك فى الدكتور مرسي وإمكانياته على إحداث تغيير فى البلاد ، وروح التربض التي تبدو على الضيوف مع حسابهم للمدى الزمني الذى سيمكنهم بعده أن يقولوا أنه فشل فى مهمته ، تخيلوا ؟ ! .....
مع الشائعات التي أوردتها فى بداية المقال عن ملتحين ومنتقبات يسبون الناس بالشوارع ويأمرونهم بالمعروف بفظاظة وغلظة ، وينهونهم عن المنكر بطريقة فجة حتى ينفروا الناس من المظهر الإسلامي .
عكاشة لم يحتجب سوى يومين ، ظهر بعدهما كعنتر زمانه ، يهدد العسكري ويتوعده ، ويخوض فيه – براحته – فى شكل لم نعتده ولا من الثوريين الخلص الكمل ، وفى مشهد يتناقض مع هذا الذى كان منذ ثلاثة أيام فقط على منصة مدينة نصر يكيل المدح والثناء لهذا العسكري نفسه ، أقصد بهذا أن أشير إلى أن التوظيف اختلف .
وقديماً أيام السادات ومبارك – وكلكم يعرف بذلك – كان المتلازمان المتصادقان الشهيران الكاتب الساخر ورسام الكاريكتير بالجريدة القومية ينتقدون النظام نقداً ممنهجاً مقصوداً مرضياً عنه بمعرفة النظام لعمل رأي شعبى ما وممارسة دور بعينه لتخدير الشعب أحياناً وتيئيسه أحياناً أخرى .
نفس الأداء قام به من انخدعنا بهم لمراحل وظنناهم ثوريين وناصرناهم حين أحالهم النظام الفائت إلى المحاكمات بدعوى شتيمة الرئيس أوالتعرض لحالته الصحية ، أو أخرون ناصرناهم ورفضنا أن تنزع عنهم الحصانة ، لنكتشف بعد مرورالأيام أنهم غارقون لآذانهم فى مستنقع العمالة للمجلس العسكري ويمارسون أدواراً خطط لها بعناية ودقة فائقتين .
نفس الكلام أريد أن أسقطه على المدعو عكاشة الذى يمارس الآن دوره ويؤدي توظيفه الجديد ، ولا أتصور أن العسكري سيقترب منه أو يصنع معه شيئاً ، لأنه يمارس دوراً رسم له بإتقان بمعرفة أجهزة سيادية يرضى عنها العسكري .
 
رابعاً : يلقى هذا الكلام بعبء وتبعة على أنصار رسالة الحق والنور والعدل والحرية وجنود الثورة المصرية المباركة ، وهم فريقان :
الأول عموم المناصرين والمؤيدين بشتى بقاع الجمهورية ، وهؤلاء مطلوب منهم الانتشار بين الناس والتواجد فى الأعمال المجتمعية بصورة غير نمطية والتطوير  فيها والابتكار ، والظهور بالخلق الحسن والقدوة الحسنة بين الناس .
وإظهار النماذج الحسنة المقبولة لدينا .. إن علينا حقيقة ألا ننام .. فنحن وهبنا أنفسنا لهذه الدعوة المباركة ، وقد أتاح الله سبحانه لنا بثورتنا المباركة مناخات وأجواء من الحرية ، ونحن مقبلون على شهر كريم هو شهر الجود والكرم والسماحة ، فوجب وحق علينا أن نري الناس من أنفسنا خيراً ، وأن نطمئنهم وأن نزيل عن أعينهم شبهات ودسائس المجرمين ، وأن يرى الناس منا الخلق الحسن والصفات الطيبة ، ونحن إن حققنا ذلك فإننا بمشيئة الله سنكون أقوى من أي جهاز إعلامي على الإطلاق .
والفريق الثاني هم قادة هذه الجماعة المباركة ، ومسئولو حملة الدكتور مرسى ، والمسئولون عن صناعة مؤسسة الرئاسة ، حيث علينا أن نرتقى بفكرنا لمستوى الأحداث .
وألا نتعامل معها بعقلية ما قبل الثورة ، ولا ما قبل مؤسسة الرئاسة ، إن ما تورطنا فيه أمر جد ، وتغيير طفرى لم تشهده بلادنا من قبل على مر تاريخها ، ولابد أن ننتقل بفكرنا وتخطيطنا وتعاملاتنا طفرياً لنكون بحجم هذا الحدث .
وإن من النقلات الطفرية النوعية المطلوبة عنصر الزمن والسرعة والمبادرة ، فلا يصح أبداً أن تذاع مثل الحلقة التي أذيعت بالأمس دون أن يكون لنا أولاً رصد واضح وسريع ودقيق لها ، ثم ثانياً تصرف نوعي وإجراء قانوني رادع بنفس السرعة بحيث لا يمكن أن يذيع حلقة أخرى مثلها .
وهذا مجرد مثال ، فالمطلوب هو تطور نوعى طفرى فى نوعية المبادأة والمبادرة والسبق بفعل لا أن ننتظر رد الفعل ، وتطور نوعي طفرى من حيث السرعة الزمنية ، وتطور نوعى طفرى من حيث التوافق والإتقان فى العمل والرؤى مع القوى الوطنية والمتعاونين مع مؤسسة الرئاسة  ، وتطور نوعي طفري من حيث انتقاء المشاكل التى تحتاج لحلول سريعة فورية غير مكلفة تنقل للناس بالشارع أثر الرئيس ، وتطور نوعي طفري من حيث لغة الخطاب وطمأنة كافة المصريين على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم .. إلى آخره .
 
وفى الختام .. أسأل الله للدكتور مرسى أن يوفقه وأن يعينه على ما ابتلي به من الأمر ، ونحن نعلم جميعاً أنه لم يسأله وأحسبه والله حسيبه ممن سوف يعينهم الله على أمانتهم .. وفقه الله وسدده .. وأعاننا وأعان كل المصريين معه لنكون له بطانة صالحه تأمره بالخير وتنهاه عن الشر .. آمين .
 
كبسولة : 
لأول مرة أكتب معترضاً على قرار تتخذه الجماعة ، وفى موقع تمتلكه الجماعة ، ولكن أحسب أن هذا من الواجبات ، وهو اعتراض رغم أنه فلسفى أكثر منه عملي اختلف معي حوله كثير من الأصدقاء والأحباب إلا أني أحب أن أثبته كموقف وكمبدأ ، وهو الاعتراض على مبادرة الجماعة بإعلانها سقوط عضوية الدكتور مرسى ، أنا أفهم أن الجماعة تريد أن توصل رسالة طمأنة للمجتمع أنها لم يعد لها علاقة بقرارات الدكتور مرسى وأنه مستقل عنها .
كان يمكن أن تكتفى الجماعة بإعلان ترك الدكتور مرسى منصبه كرئيس للحزب وكعضو مجلس شورى عام بالجماعة ، ولكن أن تنتزع منه العضوية فهذا ما أرفضه بحيثيات ، على رأسها أنك وضعته للترشح برئاسة الجمهورية بتكليف منك كجماعة وليس طوعاً منه بل كرهاً ، وبكى لك لاستشعاره حجم الأمانة والتبعة ، ثم إذا ما وسد الأمر تنزع منه العضوية ؟ وهوالذى ذهب إلى ما ذهب إليه تكليفاً لا اختياراً . فتأتى فى نصف الطريق لتنفي عنه العضوية ؟ لا أقول أن العضوية تساوى الجنة ، وإلا فكم من الأفاضل الذين اختلفوا مع الجماعة وخرجوا منها بقوا على فضلهم رغم ما اختلفنا وقد نختلف حوله كالأفاضل الشرفاء " أبو الفتوح وأبو خليل والزعفراني " وغيرهم ، ولم يقل أحد أنهم خرجوا من الجنة . إلا أنه لم يفعل إلا ما كلفته به ، وليس خلع العضوية عنه ضمانة لاستقلال قراره ، ولا هي حتى التى ستضمن للناس استقلال القرار ولسوف يظل شئت أم أبيت محسوباً عليك ويقال عليه دوماً الرئيس " بتاع الإخوان " ، مهما صنع ومهما كان أداؤه توافقياً .
وجه الاعتراض قد نقلته ، ووجه أنه فلسفى أنى أعلم أن الإخوان يقفون وراء رئيسهم وسيدعمونه ويفتدونه بأرواحهم ودمائهم وأموالهم إن شاء الله ، وأنهم أرادوا من ذلك طمأنة الناس ، ولكن رأيى أنه كان يمكن طمأنة الناس بالإجراءات الأخرى مع إعفائه من واجبات العضوية كاستثناء نظراً لحساسية المنصب ، لا إزالة العضوية بالكلية ... والله أعلى وأعلم ... والله حسيبه ومؤيده ومعينه ...