حازم سعيد :

ما زال الدور الخبيث الذى مارسه الإعلام منذ انتخابات مجلس الشعب الماضية مستمراً ، فبعد أن شوهوا صورة الإخوان والسلفيين وشوهوا صورة مجلس الشعب المنتخب ، يحاولون الآن تزييف إرادة الشعب المصرى وتغييب عقله وترسيخ قبوله بالتزوير وقبول فكرة أنه يمكن أن يأتي شفيق رئيساً للجمهورية .

وأحسب أن البعض يفعل ذلك مدفوعاً ، والبعض الآخر يمارسه متطوعاً للتمهيد والتمكين لمشروع التزويرالناعم ، فى النقاط التالية أستعرض بعض المفاهيم الملحة والأساسية حول هذا الموضوع :

 

الإرادة السياسية  شرط  للتزوير

لابد لهذا التزوير كى يتم من إرادة سياسية  تدعمه ، أحسب أنها أصبحت فى طور الموجودة ، بعد أن ثبت للعسكرى أنه لن يستطيع تمرير القرارات الفاشلة التى قام بها الأسبوع الماضى ، فاسقط فى يده وأصبح الحل الوحيد أمامه هو أن يزور ويخبط الشعب رأسه فى الحيطة .

يأتي على رأس القرارات الفاشلة قرار حل مجلس الشعب المنتخب ، وهو ما لا يملك الحق فى إصداره ، ويستحق من أجله أن يحاسب ويحاكم بسبب مسئوليته عن القانون الذى فى ضوئه تمت الانتخابات ، وبسبب الآثار السلبية المترتبة عليه وأهمها المليار ونصف من حر مال الشعب المصري التي أهدرت ، هذا بخلاف الافتئات على الجهة الحقيقية التى من حقها الفصل فى عضوية البرلمان وهي محمكة النقض .

من القرارات العاجزة الفاشلة أيضاً قرار إعطاء حق الضبطية للشرطة العسكرية فى قرار يعيدنا لمربع الصفر وما قبل الثورة ، وهو ما لم يدرك أفراد المجلس العسكرى أننا نحن المصريين قد تجاوزناه ولا يمكن بعجلة الزمن أن تعود للوراء أبداً .

ثالثة الأثافى الإعلان غير الدستورى المكمل الذى تجاوز به هذا المجلس كل الخطوط وتعدى كل الحدود وأعطى لنفسه ما لا يملك ، ووصل به الأمر لحد الفرعنة المؤسسية فى ابتكار رائع للمجلس ، وبعد أن كنا نعانى من الفرعون الشخص ، وبعد أن صنعنا ثورة لخلعه يريد العسكرى أن يأتينا بالفرعون المؤسسة ، وهو الأمر الذى لم يدرك العسكري أننا نحن المصريين نقبل بالموت والدم والشهادة ولا نقبل به أبداً مهما تخيلت عقولهم وتصورت ، ورغم حفاظنا على سلمية ثورتنا فإننا لن نغادر الميادين إلا ونحن شهداء ، ونقبل برك دمائنا التى ستسيل ، ولا نقبل العودة لزمان الهوان أبداً ، ذلك أننا قد ذقنا طعم الحرية ولا نقبل بديلاً عنها سوى الموت .

 

دور الإعلام الخبيث 

قامت حملة الدكتور محمد مرسى بخطوات استباقية جريئة وواضحة وحاسمة   واتخذت من التدابير لمنع التزوير رغم الانتهاكات الرهيبة وشراء الأصوات وحرب الشائعات التى مارسها فلول النظام السابق وساعدهم الإعلام والفضائيات الخاصة عليها .. أقول رغم كل هذا فقد قامت حملة الدكتور مرسى بخطوات استباقية رائعة كان أهمها الإعلان عن النتائج أولاً بأول والمؤتمر الصحفى الذى عقدته الحملة فى الرابعة من فجر الإثنين ، ثم نشر كتاب به محاضر فرز الأصوات بجميع اللجان العامة على مستوى الجمهورية مع تأكيد الحملة بامتلاكها محاضر الفرز على مستوى 13099 لجنة هي كل لجان مصر ، مع سرعة تقديم الطعون فى كم من اللجان يفوق لجان شفيق التى طعن عليها بالشكل الذى يفوت على أي جهة أن تقبل طعون المرشح المنافس وترفض طعوننا ...

وهو الأمر الذى يخرج بنا عن إطار هذا التزوير ، وأصبح من المعلوم بالضرورة عند رجل الشارع العادى أن الدكتور مرسى هو الفائز .

فما الذى يصنعه الإعلام ؟

الإعلام الخبيث صاحب الأجندة لن يقف عند هذا القدر ، بل إنه يحاول أن يروج أن هناك إمكانية لفوز شفيق رغم المليون صوت تقريباً الفارق بين المرشحين ، ويحاول أن يضع حلولاً أمام اللجنة العليا للإنتخابات – بوازع أو تطوعاً – حتى إذا وافقت إرادتها إرادة الإعلام فى التزوير كان ذلك سهلاً ويسيراً .

ويحاول الإعلام القيام بذلك على محاور ، منها التشكيك فى محاضر اللجان التى يمتلكها الحرية والعدالة بسبل شتى ، رغم أنها هي هي الممهورة من القضاة والمسلمة للمناديب داخل اللجان ، كما يحاول أن يضخم من حجم الطعون التي تقدم بها المنافس رغم علم الجميع أنها لا يمكن أبداً أن تؤثرعلى حجم الفارق بين المرشحين ورغم العوار القانوني ، بل العورات الموجودة بها ، ويحاول أن يخفى أى أثر لطعون الدكتور مرسى مع أنها تتجاوز أضعاف طعون شفيق بمرات متعددة ورغم قوة حجيتها وسندها القانونى  الواضح المرتكزة إليه .

نفس الإعلام يشكك فيما تم إعلانه من الحرية والعدالة ، حتى من حركة قضاة مصر والتي يزعم – أمثال عمرو الشوبكى – أنه لا يعرفها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يعنى وكأن عمروالشوكى يقول أنه لا يعرف المستشار زكريا عبد العزيز ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

هذا الدورالخبيث للإعلام الفضائى وضيوفه الغرض منه ترسيخ التزوير فى اللاوعي الجمعي للعقل المصرى المتلقى فإذا ما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات – وهي لن تجرؤ أن تفعلها – أن شفيق هو الفائز ، وجدت اللجنة لها مرتكزات يحاول الإعلام أن يبديها منطقية , وهيهات هيهات ، فما فعله الحرية والعدالة وحملة الدكتور مرسى يفوق خيالهم وتصوراتهم ، بدءاً من قانون إلزامهم بتسليم محاضر اللجان للمندوب وانتهاءاً بكتاب المحاضر الذى تم نشره بكافة أرجاء المعمورة .

 

حرب الشائعات .. والتسريبات

بالتوازى مع الإعلام ، تتأجج حرب الشائعات والتسريبات ، لدرجة أني تلقيت فى يوم واحد أكثر من أربعين مكالمة مضمونها يتلخص فى شائعات التزوير ، وشائعات القبض على رموز إخوانية ، وشائعات حواجز ومتاريس وكمائن على الطرق ، واعتداء على الحدود ، وأنواع من التزوير ، ووصل الموضوع لحد أرقام بعينها  سوف تعلن كنصيب لكل مرشح وينتهى الأمر بفوز شفيق ....الخ

وخطورة هذه التسريبات والشائعات أنها تحاول أن تصنع رأي عام مضاد يقبل التزوير ويوافق على النتيجة ، وهذا الكلام أخطأ فيه من ظن أنه سيؤثر ، وسبب خطأه أنه لم يدرك متغيرين هائلين على الساحة ، وربما أدركه الجهاز  السيادى الذى حذر من هذا السيناريو أخيراً .

المتغير الأول هو أن الثورة أحدثت فى نفوس المصريين حراكاً ، فلم يعد مقبولاً أو جائزاً لديهم أن تزيف إرادتهم ، وأن هذا الكلام يسهل ترجمته لشهادة ودم بقبول وود وحب وترحاب ، والأعجب أن كثيراً ممن لم يختاروا مرسى لن يقبلوا هذا التزوير والتزييف .

والمتغير الثاني يتمثل فى الإجراء الاستباقى الرهيب الذى قامت به حملة الدكتورمرسى والذى أوصل للمصريين وللاوعيهم الجمعي أن مرسى خلاص قد فاز – وهوحق وليس تحايلاً – حتى عندما أفاق أنصار شفيق من الصدمة وحاولوا أن يعيدوا إنتاج المشهد وأن يتدخلوا فيها ، كان قد فاتهم القطار ، لدرجة أنك وأنت تشاهد المؤتمر الخاص بهم تجد الافتعال والتمثيل والتكلف واضحاً بادياً للعيان وهو ما أدركته جموع الشعب المصرى وحاول الإعلام التغطية عليه بلا فائدة .

 

خطأ المجلس العسكري .. قديماً وحديثاً

المجلس العسكرى وبعد التعديلات الدستورية أخطأ خطأً واضحاً يبدو أنه عاد لتكراره هذا الأسبوع ، ولم يتعظ من خطئه الماضى .

الخطأ هو أنه سلم أذنه لمجموعة من العلمانيين الأقحاح * - من أعداء المشروع الإسلامي  - أوعزوا إليه أنه إذا أجريت الانتخابات فى موعدها المحدد فسوف يكتسح الإسلاميون ، فاستجاب لهم ، وكان نتيجة الأمر ما كان من قلاقل واضطرابات ، ولم يتعظ العسكرى وسلم نفسه لهم مرة أخرى أيام وثيقة السلمى ليتورط فى أحداث وقلاقل ، وها هو ذا يعود ويتورط فى افتئات واضح على الشرعية والقانون كادا أن يجراه إلى فضيحة التزوير لولا تحذيرات الجهات السيادية .

والدافع الخفي لديهم والذى ورطوا العسكري فيما ورطوه فيه من أجله هذه المرة هو أنهم يريدون إثبات فشل المشروع الإسلامي فيأتون برئيس ناقص الصلاحيات حتى إذا مضى شهر وشهران من حكمه يقولون للناس : أهه جالكم الرئيس بتاع الإخوان عمل لكم إيه ؟

وسواء أدرك العسكرى دوافع هؤلاء أم لم يدرك ، فلقد كرر نفس الخطأ القديم الذى أوقعوه فيه عندما أخر الانتخابات وعندما أراد تمرير التعديلات فوق الدستورية ، وافتأت الآن على القانون ، وما زال لديه الوقت ليتراجع ويثبت وقوفه بجوار الثورة وأصحابها الحقيقيين ، وألا ينصت لهؤلاء المورطين الذين تمادوا معه لدرجة  أنهم كادوا أن يورطوه فى التزوير ، ويالها من ورطة !

فيا أيها العسكرى : متى ستتعظون ؟ ومتى ستسلمون بمنطق الأشياء وتسلموا الثورة لأهلها ، وتتركوا التفكير فى الافتئات عليها ، وتتركوا التغول والفرعنة إلى الدستور والقانون وحماية المؤسسات التى أنفقت المليار حتى تتأسس ؟ ومتى لن تتركوا آذانكم إلى من لا يحركه إلا أجندته الكارهة للإسلاميين ؟

أوليس أكرم لكم أن تعودوا لثكناتكم ويقال عليكم أنكم حميتم الثورة وحافظتم عليها وسلمتموها للشعب خالصة ، بدلاً من أن تشتموا فى الميادين وتسبوا ؟ وتقوم ضدكم ثورة لا قبل لكم بها ، تحملون فيها أوزار دماء وشهداء ، ولعنات تاريخ بدلاً من التكريم ، أتمنى أن تسمعوا لهذه النصيحة المخلصة وتتركوا تسليم آذانكم للمشرقين والمغربين وتستمعوا لصوت العقل والمنطق ... وإن غداً لناظره قريب .

 

==========

[email protected]

* كلمة الأقحاح تعنى العرب الخلص ، وتعنى أنهم عرب لم يدخل عليهم جنسيات أخرى ، ويستعيرها الكتاب للتأكيد على اكتمال تحقق الصفة لصحابها فيقال كريم قح ، وشجاح قح .. وهكذا ، وهنا نقصد بها أنهم يتبنون الأجندة العلمانية ويخلصون لها لدرجة أنهم علمانيون أقحاح .