د/ أشرف نجم
يشكل المصريون بالخارج نسبة صغيرة من الناخبين المصريين (حوالي 1.3%) ... ويتركز نصفهم في السعودية وربعهم في الكويت وثمنهم في باقي دول الخليج و الثمن الباقي في أكثر من مائة دولة حول العالم .. هذه معطيات أولية تقلل من قيمة نتائج تصويت المصريين بالخارج، غير أن الحقيقة خلاف ذلك .. حيث يكتسب تصويت المصريين بالخارج أهميته من أربعة أسباب:
الأول: أنه يجري قبل التصويت داخل الوطن .. وهذا يعطيه ميزة تمكن المتابعين والمحللين من التنبؤ بالمزاج العام للشعب، مما يعطي مؤشرات هامة لقدرة كل حزب أو مرشح على حشد التأييد الشعبي والانتصار في المعركة الانتخابية.
والثاني: أن الشريحة التي يمثلها المصريون في الخارج شريحة فريدة نوعاً ما ... فهي بعيدة عن الوطن تستقي معلوماتها بشكل أساسي من الإعلام .. وبهذا تمثل هذه الشريحة تحدياً كبيراً أمام الإخوان في ظل هجمة إعلامية منظمة عليهم طوال الأسابيع الماضية.
والثالث: أن نسبة المثقفين في شريحة العاملين بالخارج أعلى منها في الوطن، وهي بهذا تمثل انعكاساً للحراك الفكري في المجتمع، وقدرة كل فريق سياسي على الإقناع ومقارعة الحجة بالحجة.
والرابع: أن تنظيمات الإخوان المسلمين بالخارج أقل عدداً وأضعف أثراً إذا ما قورنت بتنظيم الإخوان المسلمين في الوطن ... .. وهذا يخرج بنا خارج شائعات توزيع الزيت والسكر والأرز التي دأب الإعلام على إلصاقها بالإسلاميين.
من هنا ... قررت أن أنقل لكم ما أراه هنا خارج الوطن في انتخابات الرئاسة لتعم الفائدة ... ولن أتحدث هنا عما نرصده من استطلاع آراء الناخبين أمام اللجان، أو النتائج الأولية التي تم الإعلان عنها من تقدم واضح للدكتور مرسي ومشروع النهضة .. فهذه – رغم صدقها – تبقى في خانة الاحتمالات .. ولكني سأتحدث عن تجربتي الشخصية في المجتمع المحيط بي مباشرة، وهي تجربة شاركني فيها المئات من أنصار مشروع النهضة كل حسب طاقته وقدراته.
وسـِّـعـوا دائــرة تأثــيــركــم
بعد الثورة مباشرة رفعت شعاراً يقول: "لا سلبية بعد الثورة" ... وكتنفيذ عملي لهذا الشعار ومنذ ما قبل الانتخابات البرلمانية قررت أن أتحرك في المحيطين بي من أقاربي وأصدقائي وجيراني، ومن معارفي وزملائي في العمل وغيرهم ... كلهم من غير الإخوان، وهم من مستويات اجتماعية وثقافية متنوعة، وانتماءات سياسية مختلفة.
حددت لنفسي 100 تواصلت معهم منذ زمن طويل .. وتناقشت معهم في هموم الوطن من قبل الثورة، والحمد لله حزت على ثقتهم وتقديرهم لرأي ورؤيتي، رغم اختلافها عن رؤية بعضهم .. ثم ساعدت معظمهم للتسجيل في كشوف الناخبين والتصويت في الانتخابات البرلمانية.
ومع الهجمة الإعلامية الأخيرة على الإخوان، قررت أن أوسع الدائرة لتشمل 150 على الأقل، والحمد لله – رغم ضيق الوقت – تخطيت هذا العدد لأصل إلى 166 .. أتواصل معهم دائماً محاولا إزالة الشبهات التي يحرص إعلام الفلول أن يلصقها في عقول المصريين عن الإخوان .. ثم أساعدهم في تكوين وجهة نظر صحيحة عن المرشحين لانتخابات الرئاسة .. والوصول لقرار لمصلحة الوطن.
شرحت لهم مشروع النهضة .. وكيف أنه مشروع مدروس من أكثر من 1000 خبير على مدى 20 عاماً ويحوي حلولاً تفصيلية وعملية لكل مشكلات مصر المزمنة ... قدمت لهم أ.د. محمد مرسي كقائد سياسي محنك ذو تاريخ سياسي ممتد وطويل .. وعلاقات سياسية بكل القوى السياسية في الداخل والخارج .. وشخصية قيادية واثقة ومتواضعة ومؤمنة بـ "مؤسسة الرئاسة" وليس القائد الفرد.
شرحت لهم الفرق الشاسع بين أن نختار قائداً فرداً مهما كان عظيماً .. وبين أن نختار قائداً محنكاً تدعمه مؤسسة كبيرة (أكثر من مليون مصري منتشرة وممتلئة بعشرات الآلاف من الكفاءات) لها مشروع واضح مدروس تقدمه للوطن وتشارك كل المصريين في تنفيذه.
وبينت لهم ضرورة تناسق المواقف بين السلطة التنفيذية (الرئيس والحكومة) والتشريعية (البرلمان) للتقدم بالوطن للأمام .. وذلك يتحقق بانتخاب رئيس وأغلبية برلمانية متوافقون .. وليسوا شركاء متشاكسون.
ثم أخيراً حاولت إقناع أغلبية كاسحة منهم بالتصويت للدكتور محمد مرسي ومشروع النهضة .. لعلنا ننهي المرحلة الانتقالية من الجولة الأولى .. ونهزم حكم العسكر بالضربة القاضية ... أبداً لم أجبر أحداً على التصويت لأحد، بل احترمت إرادتهم واختياراتهم، وقدمت كل مساعدة ممكنة حتى لمن سينتخب أياً من مرشحي الثورة الوطنيين .. فكل صوت فخر لمصر.
لن أصدع رؤوسكم بأرقام كثيرة، بل سأكتفي بعرض الملامح العامة للشريحة التي عملت فيها .. ثم سنستخلص منها النصائح لاحقاً إن شاء الله:
o العدد الإجمالي للشريحة 166 .. وهو عدد قليل لكنه ممثل تمثيلاً حقيقياً للجالية.
o استطعت – والحمد لله – مساعدة 89% منهم للتسجيل في كشوف الناخبين.
o أدلى 86% منهم بصوته في الانتخابات الرئاسية .. بينما لم يصوت الباقون بسبب السفر أو عدم وجود بطاقة الرقم القومي معهم بالخارج.
o ولله الحمد والمنة صوت 72% منهم لمشروع النهضة، بينما صوت 17% منهم للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، 5% لحمدين صباحي، و4% لعمرو موسى، و2% لشفيق.
o 30% من الشريحة كانت بلا ميل لأحد قبل تواصلي معهم .. صوت 90% منهم لمشروع النهضة، و7% لأبو الفتوح، و3% لعمرو موسى.
o 44% من الشريحة كانت محتارة بين د. مرسي و د. أبو الفتوح قبل تواصلي معهم .. صوت 86% منهم لمشروع النهضة، والباقي لأبو الفتوح.
o 26% ممن حولي كانوا قد كونوا رأيا قبل أن أتواصل معهم .. وبقي معظمهم (96.2%) على آرائهم .. 35% منهم أعطوا لأبو الفتوح ومثلهم لصباحي، و23 % لمرسي و 7% لعمرو موسى.
خاطبوا الناس على قدر عقولهم
ليس من الحكمة توحيد الخطاب الذي نقدمه لكل الناس، بل يجب أن نستمع لنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم" ... وتعالوا نستعرض سوياً أهم ملامح الشرائح الثقافية في المحيطين بي ونقارنها بما هو في الوطن .. ثم نستخلص النصائح:
أولاً: البسطاء:
شكل البسطاء في عينتي 10.8% فقط ... بينما تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 60% من المصريين هم من البسطاء بالمعنى الثقافي .. والحق أن هذا واحد من أهم عوامل الصعوبة التي واجهتني – وواجهت كل العاملين سياسياً في الخارج – في الانتخابات الرئاسية ... فهذه الفئة البسيطة يقل تأثرها بالإعلام، ويسهل النقاش معها للوصول لاتفاق .. وهو ما عكسته النتائج في عينتي، فقد صوت 72% من هذه العينة، أعطى 90% منهم لمشروع النهضة و10% لأحمد شفيق .. وقبل تواصلي معهم كان 77% منهم بلا ميل واضح أعطوا جميعاً أصواتهم لمشروع النهضة.
ثانياً: متوسطي الثقافة:
شكلت هذه الفئة في عينتي 30% ... وهي نسبة أكبر قليلاً مما تؤكده الإحصائيات .. وهذه الفئة تتأثر نسبياً بالإعلام وغالباً ما تكون رأياً مبكراً لكنها مستعدة بشكل جيد للاقتناع برأي آخر إذا ما بذل معها مجهود معقول .. وهذا أيضاً هو ما عكسته النتائج في عينتي .. فقد أدلى 76% منهم بأصواتهم في الانتخابات الرئيسية، أعطى منهم 65.5% أصواتهم لمشروع النهضة، و19% لأبو الفتوح، و7% لحمدين صباحي، و3.5% لعمرو موسى ... وقبل تواصلي معهم كان 24% منهم بلا ميل محدد صوت 86% منهم لمشروع النهضة و14% لعمرو موسى ... بينما كان 55% من متوسطي الثقافة مترددين بين د. مرسي و د. أبو الفتوح، والحمد لله صوت 70% منهم لمشروع النهضة والباقي لأبو الفتوح ... بينما كان 21% ذوي ميول واضحة متوزعة بين المرشحين ولم يغير أياً منهم رأيه عند التصويت.
ثالثاً: المثقفون:
شكل المثقفون في عينتي 59% ... بينما تشير الإحصائيات إلى أن نسبة المثقفين في المجتمع لا تتجاوز 15-20% فقط .. وهذه ظاهرة أخرى للصعوبة التي لاقيناها في هذه الانتخابات، فالمثقفون يتأثرون بشدة بالإعلام، ويكونون رأياً مبكراً يصعب إقناعهم بغيره .. وهو ما عكسته النتائج في عينتي، فقد صوت 88% من هذه العينة، أعطى 69.5% منهم لمشروع النهضة و19% لأبو الفتوح و7% لحمدين و3.5% لعمرو موسى .. وقبل تواصلي معهم كان فقط 22.5% منهم بلا ميل واضح أعطى 85% منهم أصواتهم لمشروع النهضة، والباقي لأبو الفتوح ... بينما كان 46.5% من المثقفين مترددين بين د. مرسي و د. أبو الفتوح، ولله الحمد والمنة استطعت إقناع 96% منهم بالتصويت لمشروع النهضة .. في حين كان 31% ذوي ميول واضحة متوزعة بين المرشحين (نصفهم لأبو الفتوح) ولم يغير أياً منهم رأيه.
دروس مستفادة من التصويت خارج الوطن
أختم مقالي هذا باستخلاص الدروس التي يمكن استفادتها من تصويت المصريين خارج الوطن، وهي دروس هامة للعاملين في داخل الوطن .. ودعوني ألخصها لكم:
þ توكلوا على مولاكم واسألوه العون ... قوموا الليل بالقرآن، وارفعوا أكفكم بالتبتل والدعاء، وتذللوا للرب سبحانه أن ينصر عبده ودعوته .. ولا تغرنكم كثرتكم وقوتكم .. فالأمر كله لله.
þ أبشروا بالحسم من الجولة الأولى إن شاء الله ... فنتائج المصريين بالخارج تضع مشروع النهضة في المقدمة وتدور حول 50% .. والنتائج داخل الوطن ستكون أكبر بإذن الله .. فنسبة البسطاء أكبر وتأثير الإعلام أقل وتنظيم الإخوان أكبر وأكثر انتشاراً وتواصلاً مع الجماهير.
þ احموا الصناديق بصدوركم ... فبعد هذه البوادر المبكرة سيزداد الراغبون في التزوير والعاملون عليه رغبة ونشاطاً .. والضمانة الوحيدة هي الشعب ثم جيش المراقبين من الإخوان داخل اللجان وحولها.
þ فعلوا آلتكم الإعلامية .. فرغم قوة تأثير إعلام الفلول فإن الآلة الإعلامية الفردية الضخمة للإخوان قادرة – بإذن الله – على عدل المعادلة لصالح مشروع النهضة.
þ وسعوا دائرة تأثيركم .. فمع تنامي الهجمة الإعلامية يجب على كل أنصار مشروع النهضة أن يعملوا على توسيع دائرة التأثير .. وهي دائرة قابلة للتمدد كما أثبتت التجربة العملية.
þ كل صوت مهم ... فلا تتهاون في محاولة اكتساب كل من حولك .. دون أن ترغم أحداً على رأي .. بل سلاحك هو التوكل والنقاش والإقناع.
þ سوِّقوا مشروع النهضة وتفاصيله ... فرغم الحملة الدعائية الكبيرة للإخوان إلا أن معظم الناس لا يعلم الكثير حول المشروع .. اشرحوه وأظهروا مميزاته.
þ أبرزوا قائدكم وقدراته وخبراته ... فدخوله لحلبة المنافسة متأخراً جعل الكثيرين لا يعرفون عنه إلا القليل .. قدموه لجمهوره كقائد سياسي محنك.
þ قدموا المساعدة للجميع .. حتى أولئك الذين لا يقتنعون بالتصويت لمرشحكم ويصرون على التصويت لأي من مرشحي الثورة ... فنبتة الخير تثمر ولو بعد حين.
þ ركزوا جهودكم في من لم يكوِّن رأياً ... وقد ثبت أن هؤلاء يمثلون 30-40% من الناخبين .. وهي طائفة قابلة – في معظمها – للاقتناع بمشروع النهضة وستصوت له إن شاء الله.
þ استهدفوا الحائرين بين المرشحين ... خاصة أولئك الحائرون بين د. مرسي ود. أبو الفتوح، وهم يمثلون نسبة كبيرة ممن صوتوا للإخوان في الانتخابات الماضية .. ومعظم هؤلاء ذوي ثقافة متوسطة أو عالية، غير أن جهداً معقولاً معهم سيستميلهم نحو مشروع النهضة فيصوتوا له.
þ لا تهدروا الجهد في الجدال ... فمعظم من كون رأياً مبكراً – خاصة من المثقفين – لن يتنازل عنه وسيصوت لمرشحه في النهاية.
þ خاطبوا الناس على قدر عقولهم ... فيجب أن نغير خطابنا إلى البساطة مع البسطاء، ونتدرج به نحو النقاش المنطقي كلما ارتفعت درجة ثقافة من يناقشنا.
þ اهتموا بشريحة البسطاء ... فهي تمثل أكثر من نصف الناخبين، ومعظمهم لم يكوِّن رأياً بعد، وتأثرهم بالإعلام أقل كثيراً، والنقاش معهم سهل نسبياً ويمكن إقناع معظمهم بمزايا مشروع النهضة والحصول على صوتهم لمرسي ... وهذه أيضاً تقنية هامة لمواجهة مرشحي الفلول حيث تمثل هذه الشريحة جمهور تصويتهم المفضل.
þ لا تيأسوا من شريحة المثقفين ... فرغم الصعوبة الواضحة إلا أنه يمكن إقناع الكثيرين منهم بالتصويت لمشروع النهضة، خاصة أولئك المثقفين الذين لم يكونوا رأياً أو كانوا محتارين بين د. مرسي ود. أبو الفتوح.
þ الحسم سيكون قبل يوم التصويت .. فعلى الرغم من أهمية العمل في يوم التصويت، إلا أن العمل الحقيقي الذي سيحسم المعركة هو ما سنقوم به في الأيام الثلاثة السابقة للتصويت .. فمن يكون رأياً في هذه الفترة غالباً لن يغيره.
وأخيراً .. فهذا جهد المقل، ومن الله الثواب .. وللعاملين المحسنين أجران، مثوبة الآخرة وعاجل ثواب الدنيا .. نصر من الله وفتح قريب .. فاعملوا وأبشروا فربكم قد قال: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

