د/ عادل فهمي
سألت أحد الفنانين الكبار بعد الثورة..لماذا توقف الفن ؟ قال لأن الشعب لم يعد يصدقنا ..الشعب يحتاج من يصدقه".
هذا الكلام حقيقي وينطبق على السياسيين والإعلاميين وغيرهم بعد الثورة..!! فالناس سئمت الكذب والنفاق والمراوغة...
وأنا أتابع أداء مرشحي الرئاسة المصريين.. بينما كان ليبرالي عتيد يمارس الدهاء ضد أحد المرشحيين الإسلاميين ويتهجم عليه .!! كان مرشح الإخوان على قناة أخرى يمارس الصدق بعفوية المصري الواثق...!!
وبينما كان مرشح الفلول المهزوم يتوعد الشعب بالعذاب والثبور..كان مرشح الإخوان يفتح قلبه لشعبه ويعده بعدالة اجتماعية .. وإنصاف للمؤيد والمخالف..!!
وبينما كان مرشحي اليسار يتشدقون بالانحياز للعمال والفلاحين..كان مرشح الإخوان يطرح مشروعه لكل المصريين ويخاطبهم بالعقل وليس بالإيحاء العاطفي الفارغ..!!
وهكذا أمكن لي أن أقسم المرشحين الآن إلى فئتين:
- فئة من مخلفات الماضي وتجاربه الفاشلة المهزومة..!! (ليبراليين /فلول/ يساريين).
- فئة ظلمت وأنصفها الله، ومنحت فرصة لتقديم عطائها.(الإسلاميون وقوى الثورة)
ومن يتعمق في المشهد..يجد الدهاء والانتهازية سمة الفئة الأولى.
و الصدق والثقة والطموح والانبساطية سمة الفئة الثانية.
ودعونا ندلل على هذا التوصيف:
أولا: يحاول بقايا النظام المهزوم الظهور بمظهر الدهاة القادرون المتمكنون الحازمون،والسؤال أين كان تمكنكم وثقتكم وحزمكم حين سقط نظامكم وانهارت دولة الظلم ؟؟
ويظهر اليساريون متحفزون متشبعون بالغرور والعظمة، مستندين إلى تاريخ مضى وتجربة فيها من الإخفاق أكثر مما فيها من النجاحات..!!
بينما يظهر الإسلاميون واثقون بالله واثقون وبذواتهم ، صادقون في القول، عازمون على الفعل.. محتمين بالشعب..متفائلون بالمستقبل..!!
ثانيا: دوافع هجوم الليبراليين واليساريين الضاري على الإسلاميين في مصر معروفة بسبب موقف تاريخي من الدين وعلاقته بالحكم والسياسة.. !!
و دوافع خصوم الإسلاميين من بقايا النظام المهزوم ..تتمثل في الثأر ممن كانوا سببا في نجاح الثورة.. وكم أبدى النظام المهزوم خوفه وقلقه من الإخوان على مدى عقود مضت..!! وكان محقا ..فلو تخلى الإخوان عن الثورة ربما تحولت إلى وقفة احتجاجية..!!
أما الإسلاميون فيظهرون متسامحين..لا يحقدون على أحد..بل يميلون إلى لغة التغافر..والمضي بعيدا عن عذابات الماضي وآلام السجون..ولا تجد في لغتهم شوقا للتشفي..ولا رغبة في الصراع..!!
ثالثا: في الوقت الذي يتوقع الجميع فيه من الليبراليين واليساريين الدفاع عن قيم الحرية واحترام الآخر.. والاحتكام لآليات المشروع الليبرالي ذاته من المشاركة والتعددية ..نجدهم يجنحون إلى طبائع الاستبداد، ويتهجمون على الإسلاميين، وينزلون بلغة الحوار إلى التجريح الشخصي..ولا يتكلمون عن برامجهم بقدر ما يقضون وقتهم في الهجوم على الإسلاميين..لإفلاسهم الواضح..!!
بينما الإسلاميون ماضون إلى غايتهم، غير ملتفتين لعبث خصومهم..يلتقون بالجماهير الحاشدة في الأسواق والميادين والجامعات ومواقع الإنتاج وتجمعات النوادي وغيرها..لهم رسالة سامية واضحة: "رعاية مصالح الشعب المصري".
رابعا: يمارس الليبراليون حربهم ضد الإسلاميين وهم مدججين بسلاح الدهاء الذي تعلموه من كبيرهم الذي علمهم الكذب..!! ودربهم على المداهنة والمراوغة..! ويحاول اليساريون الغمز واللمز والسخرية من الإٍسلاميين..!!
في الوقت الذي يحاول الإسلاميون إقناع الناس بضرورة تجاوز ما خلفته الأفكار الليبرالية والاشتراكية من تجارب فاشلة في التنمية، ويطرح المرشحون الإسلاميون قبولهم لكل ما هو إيجابي لدى الآخر، ولا تجد عندهم نظرة عدائية للآخر، ويقطعون العهود بممارسة التعددية والاحتكام لآلية الاقتراع الحر المباشر، وتقديم الضمانات لعدم احتكار السلطة، وتمكين المرأة والأقباط من المشاركة في العمل الوطني.
خامسا: في الوقت الذي تنضج فيه خبرة الإسلاميين في الخطاب السياسي بعد حرمانهم لعقود طويلة من المشاركة، ينتكس الخطاب الليبرالي واليساري إلى فرض الوصاية على حرية الشعوب ..ويفضلون الاستبداد على الحرية ..نكاية في الإسلاميين ..بحجج ولافتات وأعذار واهية..!!
ومع أن كل مخاوف الإسلاميين من الليبراليين والماركسيين مشروعة؛ بسبب موقفهم من الدين وسعيهم إلى التحرر علي النموذج الفج من كل التزام.. ونبذ التراث ومؤثراته ، لا تجد عند الإسلاميين حتى خوف من دعاوى هؤلاء ..ذلك أن هوية مصر الدينية إسلامية ومسيحية..أعمق من أن تهزها دعوى مستوردة أوفكرة غير واقعية..!
وهكذا يتبين أن كل ما يثيره الليبراليون واليساريون ضد الإسلاميين شائعات غير مقنعة، وتدخل في باب المكايدة السياسية، إما خوفا من الانكشاف الكبير في شعبيتهم، أو أملا في أن يقدم لهم الإسلاميون تنازلا يسمح بوجودهم ضمن اللعبة الديمقراطية الجديدة في مصر !!
سادسا: في الوقت الذي أدرك فيه الإسلاميون الموقف الغربي بدقة، وخاطبوه مع الأيام الأولى للثورة واستلم الغرب رسالتهم وتعامل معهم على أساسها، فإنه يبدو أن الليبراليين والماركسيين لم يدركوا أن بوصلة المصلحة الغربية بعد الثورات الشعبية قد تحولت صوب الشعوب الحرة والتفاهم معها، ومغازلة القوى الفاعلة والحية والتي تمتلك الشعبية، وقد تتخلى فيما بعد عن النخب الخطابية التي لم تفلح في إنجاز وظيفتها.تجد بعض مرشحيهم يهدد ويتوعد بقطع العلاقات مع الغرب وإسرائيل لابتزاز عواطف البعض..وهم في ذلك كذابون..!!
لكن عقلانية الإسلاميين تتفوق..فلا هم يتوعدون أحد ولا يخضعون لتهديد أحد..يركزون فقط على ما يحقق مصالح مصر وشعب مصر.فأيهم المحترف وأيهم الهاوي ؟!
سابعا: الانكشاف الكبير: لم يعد مفيدا لليبراليين واليساريين السعي إلى الانتقام من التيارات الإسلامية بتخويف الغرب من الإسلاميين ..!! ، لأنهم صاروا شريكا في العملية الديمقراطية، فلا داعي لأن يكرروا أخطاء نظام مبارك المهزوم الذي لعب على الفزاعة الإسلامية طويلا فلم تجده نفعا..!! لقد انكشف للغرب أن معظم الحركات الإسلامية المعاصرة استُخدمت من قبل الديكتاتوريين كفزاعة ولم تكن مصدرا للإرهاب والكراهية، وأن القوى الغربية الآن تجد في ثورات الشعوب تحضرا وإلهاما أخلاقيا مفتقدا في الغرب...!!
وفي الوقت الذي يبزغ فيه نجم الإسلاميين من جديد ..في مسرح السياسة الدولية على الليبراليين واليساريين أن يدركوا أنهم أخذوا فرصتهم وفشلوا وتحقق الغرب من فشلهم رغم ما أنفق عليهم.. فإما أن يستقيموا للوطن ومصالحه ، أو يدخلوا عهد الكمون القسري أمام حركة الشعوب التي لم تجن منهم شيئا يذكر، بعد أن تقدمت عليهم شعوبهم وبدأت تنسى خزاياهم وتفتح صفحات جديدة من التسامح..!!
ثامنا: إن الشعب المصري يطالب الجميع ليبراليين ويساريين، وبقايا النظام المهزوم..بعدم توهم الكمال وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وألا يعتبر الليبراليون الانبطاح للغرب حتمية تاريخية لا مفر منها، ولا أن يتصور اليساريون أن التاريخ يمكن أن يرجع للخلف ..!! وأن يتخيل الفلول إمكانية العودة..!! بل عليهم بالنظرة الوسط كما يراها الإسلاميون الانفتاح فقط على مصلحة الوطن ..!!
وأخيرا... إن بدا لليبراليين واليساريين وبقايا نظام مهزوم... أن يمارسوا الدهاء والانتهازية مع الإسلاميين.. فقد انتهى ذلك الزمان ..!! وإن أرادوا الكذب والتضليل فإن مصر قد استعادت هويتها الحقيقية ورشدها المعهود..!! ولن تسمح لأي نبتة الحنظل أن تُزرع في أ{ضها مرة أخرى...!!
ومن يواجه تيار الوسطية المصرية فسيعزل نفسه عن الإجماع الوطني في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر، تتشكل فيها هويتها من جديد، فعلى فلول النظام المهزوم احترام إرادة الشعوب وأن ينعموا بتسامح المصريين وغلا فقد يخسرون ما بقي لهم من موضع القدم الذي بدأت الأرض تهتز من تحته بفعل الوعي الشعبي المتنامي..!!
ـــــــــــــ
عضو هيئة تدريس بكلية الإعلام/ جامعة القاهرة

