علي الفقي :
بلا شك قد صاحب إعلان جماعة الإخوان المسلمين دفعهم بمرشح للإنتخابات الرئاسية ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية ، كما أربك ـ القرارـ حسابات المرشحين لهذا المنصب .
القراءة التحليلية لقرار بهذا الحجم لمؤسسة بهذا الثقل السياسي ، تحتاج بداية الوقوف على عدة أدبيات وحقائق وخصائص ارتبطت بعلاقة الجماعة مع العمل العام والسياسي منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.
أدبيـــات عامــة
1- علم السياسة من العلوم الإنسانية وليس من العلوم الطبيعية الجامدة، ولذا فالسياسة مبنية على الاحتمالية والنسبية أكثر من المسلمات والأمور المطلقة.
2- منافسة أي فصيل سياسي على كافة الإنتخابات التشريعية والتنفيذية والنقابية والطلابية لا يعارض مبدأ المشاركة وعدم المغالبة والإقصاء، لأن المنافسة الإنتخابية من أبسط قواعد اللعبة السياسية، ونجاح هذا الفصيل في هذه الإنتخابات بنزاهة، لا يعني سوى غياب الفصائل الأخرى عن التواصل مع الشرائح الإنتخابية المختلفة.
3- ترشح أي مواطن لأي منصب سياسي في أي دولة، حق أصيل له، مادام له الحق الدستوري والقانوني في ذلك.
4- تغيير المواقف السياسية المعلنة مسبقاً لأي فصيل لتغير الظروف السياسية، أمر قد يُهدد مصداقية هذا الفصيل ويسحب من أرصدته الإنتخابية، بصرف النظر عما إذا كان هذا التغير لاعتبارات وطنية أو حزبية.
هذه النقاط لا تعدو كونها أدبيات نظرية ولكن يرتقي أثرها التحليلي عند تحليل الفواعل السياسية الكبرى التي تؤثر في المشهد السياسي المحلي والدولي، أما عن الأمر الذي هز الأوساط السياسية وهو قرار الجماعة بترشيح الشاطر للرئاسة، فلم يكن لمجلس شورى الجماعة مناصاً غيره، وذلك لعدد من الاعتبارات
أسباب عدول الجماعة عن قرار عدم الترشح للرئاسة
أولاً: المستجدات الطارئة على الساحتين الداخلية والخارجية:
1- تغير حيثيات القرار ومعطياته على أرض الواقع تجعل من غير المعقول أو الصواب الاستمرار في القرار السابق، وخاصةً أن هذا القرار لم يكن وعداً بين طرفين ينبني عليه عقود أو نتائج أو التزامات، ولكنه كان قراراً مؤسسياً يخص مؤسسة بعينها، ولهذا كان من المنطقي لمؤسسات الجماعة أن تراجع قراراتها وفق المستجدات.
2- نتيجة الإنتخابات التشريعية والنقابية والطلابية والتي أكدت الرغبة الشعبية للشارع المصري في تجربة المشروع الإسلامي الذي تتبناه الحركة الإسلامية وتدعو له منذ عشرات السنين.
3- تواصل الإخوان خلال العام المنصرم مع المحيط العربي والإقليمي والدولى وتصحيح بعض الصور السلبية وإزالة الجليد المتراكم على منهجها الوسطي بسبب شائعات وأكاذيب النظام البائد.
ثانياً: تعاطي السلطة التنفيذية مع المؤسسة التشريعية:
1- إرباك المجلس العسكري لأعمال البرلمان ومحاولة نزع صلاحياته وعدم الاستجابة لمطلب سحب الثقة الذي نادى به نواب البرلمان المنتخب بإرادة شعبية في انتخابات غير مسبوقة، وخاصةً بعد رفض كافة اللجان النوعية لمجلس الشعب لبيان الحكومة، حتى يبدو للجماهير فشل وعجز البرلمان.
2- التلويح والتهديد بحل مجلسي الشعب والشورى المنتخبين لأول مرة بإرادة شعبية حرة، مما يعني هدم المؤسسة الوحيدة التي تم بناؤها بعد الثورة، واستعادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كافة السلطات التشريعية.
ثالثاُ: محاولة إجهاض اللجنة التأسيسية للدستور:
1- استغلال عدم نجاح الإخوان في إحداث توافق كبير حول تشكيل اللجنة التأسيسية، وذلك بالضغط الممنهج للمجلس العسكري على بعض أعضاء اللجنة من البرلمانيين ومن ممثلي الهيئات من أجل الانسحاب من اللجنة، وذلك رغم الاتفاق المسبق بين بعض الأعضاء المنسحبين وبين حزبي الأغلبية حول قائمة أعضاء اللجنة التأسيسية المُنتخبة.
2- إصرار المجلس العسكري علي تحجيم عدد أعضاء البرلمان من أجل تمرير بنود تسمح بوضعية مميزة في الدستور تمنع مساءلته ومحاسبته وتجعله دولة فوق الدولة، لعلمه برفض حزبي الأغلبية تمرير هذه البنود.
3- تسخير المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة ولرجال النظام السابق ولبعض أنصار الحركة العلمانية لتشويه صورة اللجنة التأسيسية للدستور.
رابعاً: سوء أداء السلطة التنفيذية:
1- الأداء المتردي لحكومة الجنزوري وفشلها في معالجة المشكلات الإقتصادية والأمنية، وافتعال وصناعة العديد من الأزمات، وعدم كبح جماحها؛ مثل أزمات العيش والأنابيب والسولار، والضغط على السلطة القضائية من أجل سفر الأجانب المُتهمين في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.
2- اتخاذ قرارات اقتصادية طويلة المدى غير منوط بأي حكومة انتقالية اتخاذها، لأنها تربك مهام عمل الحكومة القادمة في خططها والموازنات العامة للأعوام المالية القادمة، وسوء إدارة أموال الصناديق الخاصة، وتغليب الإنفاق الجاري على الإنفاق الرأسمالي، مما يحرم الأجيال والحكومات القادمة من هذه الأموال.
3- رفض تكليف حزب الأغلبية بتشكيل حكومة ائتلافية من معظم القوى البرلمانية المعبرة عن إرادة الشعب، وذلك لتجريد البرلمان من أي سلطات تنفيذية تدعم مهام عمله وخِطط لجانه الفنية، وبالتالي يعجز حزب الأغلبية عن تنفيذ وعوده للجماهير فتنهار شعبيته.
4- احتمالية حل البرلمان سيُقصى الإخوان عن السلطة التنفيذية نتيجة لعدم تمثيلهم في الحكومة، وبالتالي ستكون مؤسسة الرئاسة هي المنفذ الطبيعي لامتلاك سلطة تنفيذية تنفذ البرامج التي وعدت بها الجماعة جماهيرها.
خامساً: المستجدات الطارئة على مشهد الإنتخابات الرئاسية:
1- ظهور أكثر من مرشح رئاسي على الساحة من الموالين للنظام السابق، مما ينذر بكارثة إعادة إنتاج النظام الذي ثارت عليه الجماهير، مع إمكانية تسخير المجلس العسكري لمؤسسات الدولة لدعم أحدهم بكافة الوسائل المشروعة والغير مشروعة، ليحقق آماله في الخروج الآمن وعدم المساءلة والملاحقة القانونية بخصوص أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد.
2- الإجهاض السياسي والإعلامي لمبادرة المرشح التوافقي التي طرحها الإخوان على القوى السياسية.
3- اعتذار العديد من الشخصيات العامة المقبولة في الشارع والأوساط السياسية دفع الإخوان بهم في معترك الإنتخابات الرئاسية، ومنهم المستشار طارق البشري، والمستشار حسام الغرياني، والمستشار محمود مكي.
4- المرشحون الأكثر شعبية من التابعين للتيار الإسلامي (الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والدكتور محمد سليم العوا) محسوبون لدى الداخل والخارج في تاريخهم ومنهجهم وفكرهم على مدرسة الإخوان المسلمين، وبالتالي فقرار دعم أحدهم سيُحمل الإخوان مسئولية وتبعات سياساته وأدائه وقراراته محلياً ودولياً، فكان المخرج الطبيعي للجماعة أن تدفع بمرشح من داخلها، حتى تتحمل مسئولية منصب تمتلك صلاحياته.
5- عدم توافق معظم المرشحين مع المعايير التي وضعتها الجماعة (من وجهة نظرها) لهذا المنصب الحساس الذي سيحدد مصير الوطن في السنوات القادمة، وكان أبرزها احترام الديمقراطية كآلية لاتخاذ القرار، والاتزان والتعقل في اتخاذ القرار لعدم توريط البلاد في أزمات بسبب قرارات انفعالية، وألا يكون شخصية مُقلقة لأيٍ من شرائح المجتمع.
التحديـــات والعقــــبات
وبرغم قوة وصلابة المبررات التي ساقتها الجماعة لجماهيرها للعدول عن قرارها، إلا أن قرار الدفع بمرشح من داخل الجماعة سينقل الجماعة نقلة نوعية وفجائية تجعل مشروع الجماعة أمام العديد من العقبات، لأن العدول عن قرار الدفع بمرشح إخواني للرئاسة لا يعدو مجرد كونه تغيراً في القرار فقط، ولا تغيراً تكتيكياً في المواقف فحسب، ولكنه تغيراً استراتيجياً ومرحلياً سيدفع الجماعة للمزيد من التحديات الخطرة في الفترة القادمة ومنها ما يلي :
1- انتقال أصحاب مشروع الإسلام الوسطي من مرحلة الإقصاء السياسي إلى مرحلة امتلاك مقاليد السلطتين التشريعية والتنفيذية كاملةً، رغم أن أدبيات الجماعة تحمل في طياتها ومضامينها فقه وسياسة التدرج.
2- تعجل وصول الإخوان إلى سدة حكم مصر بلا قواعد جماهيرية تؤيد مشروعهم وتدافع عنه كما تدافع عن قوتِ يومها، قد يُقلل فرص نجاح هذا المشروع على المدى البعيد، وخاصةً في ظل تهديد هذا المشروع لمصالح الغرب وإسرائيل ولعروش حكام دول الخليج.
3- الفقدان في الرصيد الدعوي والقيمي والإنتخابي لأعضاء الجماعة على المدى القصير بين بعض مريديهم وأنصارهم وجماهيرهم نتيجة للحملات الضروس للآلات الإعلامية سواء المناوئة للجماعة أو الغير مقتنعة بمبررات تغيير موقفها، وخاصةً في ظل عدم وعي الشارع بالتأصيلات الشرعية والمبررات الوطنية لتعديل القرار.
أما عن شخص خيرت الشاطر وسبب التصويت بالأغلبية لشخصية خيرت الشاطر بعينه من بين مرشحي الإخوان لهذا المنصب، فكانت صفاته ومقومات شخصيته هي الفيصل في ذلك .
مقــومـــــات الشــــــــاطر
1- يمتلك كاريزما قوية ومقومات للقيادة وحضور سياسي وإعلامي تُمكنه من التفاف الجماهير حوله.
2- الدبلوماسية ومهارات التفاوض والقدرة على الإقناع.
3- امتلاك شبكة من العلاقات المحلية والإقليمية والدولية.
4- رئيس مشروع نهضة مصر والذي شارك في إعداده المئات من العماء والباحثين والمتخصصين.
5- لديه تاريخ من التضحيات والنضال السياسي والكفاح الوطني ضد النظام السابق.
6- اللا عداءات مع أيٍ من التيارات السياسية والمجتمعية والدينية، والتوافق والإنفتاح على الجميع.
7- شخص متزن ويُغلب القرار المؤسسي على القرار الشخصي.
8- عقلية اقتصادية فذة، ونموذج إداري ناجح.
الخـــلاصــــــة
كل ما سبق دفع مجلس شورى الجماعة للتصويت بالأغلبية النسبية نحو الدفع بمرشح رئاسي من داخل الجماعة تقدم له كل الدعم البشري والمالي واللوجستي، ولتلافي حدوث حالة من الإنسداد السياسي للبلاد، ولإحداث نوع من التناسق والتناغم بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية كما هو معمول به في النموذج التركي على سبيل المثال لا الحصر.
ربما لم يكن هذا القرار لدى البعض مثالياً ، وبالمثل يمكن القول انه لم يكن أمام الجماعة خياراً أفضل منه، وبالتالي كان قراراً اضطراراً مصيرياً لإنقاذ الأوضاع الراهنة في ظل ضعف البدائل المتاحة.
-----
باحث سياسي

