شعبان عبدالرحمن (*) 

أيا كانت المواقف من ترشيح جماعة الإخوان المسلمين للمهندس خيرت الشاطر رئيسًا للجمهورية فإنها تظل في خانة الأخذ والرد، لكن بعض المواقف التي صدرت من شخصيات لها وزنها تضع المرء في موقف لا يحسد عليه. لقد قالت الجماعة أسبابها التي دعتها إلى التراجع عن موقفها من الترشح لرئاسة الجمهورية في العاشر من فبراير 2011م وللناس الحق في  قبولها أو رفضها.. وتظل قابلة للنقاش بعيدًا عن التهوين منها أو اتهام الإخوان بكل التهم والنقائص لدرجة إصدار فتاوى تصفهم بالغدر.

 لن أتوقف كثيرًا أمام الآراء المخالفة والردود عليها فقد امتلأت بها أعمدة الصحف والبث الفضائي لكنى أتوقف أمام آراء تطوع بالإدلاء بها كل من الدكتور محمد حبيب، النائب السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين، والأستاذ كمال الهلباوي وهما صاحبا تاريخ وجهاد لا ينكره أحد في صفوف الإخوان وقد ظل ذلك السجل يحفظ للرجلين مكانة الاحترام والحب والتقدير رغم تركهما للجماعة. وما أصابني بالدهشة أن تصريحات الرجلين الكبيرين جاءت ضمن حملة إعلامية مليئة بالظلم والتضليل وإن كان فيها ما يستحق الاحترام والنقاش.

 وقد أدلى الرجلان في مواطن مختلفة عبر إعلام الفلول بانتقادات شديدة للإخوان كان يمكن أن تظل في خانة الخلاف في الرأي وهو حق مكفول. لكن انطلاقها وسط حملة مكثفة على الإخوان تلقى عليها بظلال من الشك كما أصابني بالدهشة تلك العبارات غير المقبولة التي صدرت عن كل منهما في  إطار تلك الحملة وعبر قنوات مشكوك في حيادها وتستهدف الإخوان منذ زوال حكم مبارك!

 فالأستاذ كمال الهلباوي أعلن استقالته من جماعة الإخوان في اليوم التالي لقرار الجماعة التقدم بمرشح للرئاسة وجاءت الاستقالة عبر برنامج العاشرة مساء وقد تهلل وجه منى الشاذلي مقدمة البرنامج وهى تعيد وتزيد في  ترديدها لخبر الاستقالة مثلما تهلل وجهها وهى تعلن الاستقالات من الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، ثم تتأسف لأن الوقت المخصص لتلك الفقرة من البرنامج قصيرة وإلا لأعطته مزيدًا من الوقت، لكن صديقتها مقدمة برنامج "صباح دريم" استكملت الحديث مع الأستاذ الهلباوي الذى قال فيه كل ما استطاع ضد قيادة الإخوان محاولاً التفريق بين دعوة الإخوان الصالحة العظيمة وقيادتها "الفاسدة" - في رأيه - وهذا هو لب ما يسعى للترويج إليه إعلام الفلول، فما يهمه ليس صلاح الجماعة وإنما إقناع الرأي العام بفساد قيادتها وصولاً إلى التأكيد على عدم صلاحيتها اليوم وغدًا وهو الهراء بعينه الذى ظل نظام الحكم السابق يروج له!

 كما أدلى الدكتور حبيب بأكثر من تصريح لعدد من القنوات وكان من أبرز كلامه أن مصر "أكبر من أن يحكمها تاجر"، وذلك كلام مجحف ويبعث على الحزن لأنه صادر من رجل كان الأقرب يومًا لخيرت الشاطر وهو من أكثر الناس معرفة به وبقدراته ومؤهلاته وملكاته ومسالكه لكن الدكتور حبيب تجاهل كل ذلك ولم يستطع إلا الحط من قدر الرجل وفي  ذلك إيحاء للرأي العام بأن من يتحدث عنه الدكتور حبيب تاجر من عامة التجار (ولهم كل الاحترام بالطبع) لكن في  ذلك غمض لحق رجل فذ في خبراته وقدراته ومؤهلاته العلمية فهو ليس أبدًا مجرد تاجر ولكنه من أفضل العقول الاقتصادية والإدارية والفكرية وهو - يا دكتور حبيب - ليس تاجرًا حاصلاً على الإعدادية يحمل ختم توقيعه في  جيب جلبابه الأيسر مثل الحج عبد الغفور البرعي ولكنه رجل متفوق طوال حياته طالبًا ودارسًا وأستاذًا ومفكرًا فهو حاصل على سبع شهادات علمية في  مختلف التخصصات وصاحب خبرة اقتصادية على أعلى مستوى محليًا ودوليًا، وهو صاحب خبرة عميقة في  عرف المجتمع المصري عبر جماعته الموجودة في كل قرية وشارع ونجع، وهو صاحب تجربة عميقة في  الحياة صقلتها سجون الظلم والطغيان التي دمرت شركاته وممتلكاته الناجحة أكثر من مرة وحاولت تغييبه عن العالم سنوات طويلة، وهو ليس من أرباب السوابق كما نعق بذلك مايكل منير صاحب التصريحات الساقطة والخلق الذميم مثل صاحبه نجيب ساويرس.

 ترى هل تسابق الإعلام إليكما إشهارا لآرائكما وإعمالا بحق المواطن في بيان رأيه أم لأن تلك الآراء تمثل صيدا ثمينا ضمن حملته الفارغة الهستيرية ضد الإخوان؟! هل يرضى رجل بهذا الثقل والفكر أن يسقط صيدا للفضائيات والصحافة ويشارك في حملة غير محايدة ضد جماعته التي شارك فيها فردا وقائدا سنوات طويلة.

 نعم.. لقد تركتما الجماعة وتركتما فيها هرما كبيرا من الحب والاحترام لكما وفاء بحق الأخوة الإسلامية ومثلكما في  ذلك مثل كثيرين ولكنكما بمشاركتكم في  تلك الحملة الظالمة ورضاكما أن تكونا مادة ثرية لإعلام الفلول تهدمان ذلك الهرم رويدا رويدا، فكلامكم يصب في  خانة التشهير وليس النقد وفي خانة الانتقاص وليس النصيحة ضمن حملة غير مسبوقة لاغتيال الجماعة معنويا وسياسيا وتاريخيا ولا يستطيع أحد أن يتقبل منكما أي مبررات خاصة أنكما محمد حبيب وكمال الهلباوي صاحبا التاريخ والجهاد.
__________
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
[email protected]