عصام علي :
هناك دعوات حالية من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر خصوصا في ظل سيطرة "الإسلاميين" علي حوالي 70% من مقاعد البرلمان ولهم الكلمة الفصل في اختيار الهيئة التأسيسية المخولة بوضع الدستور الجديد وهناك مخاوف للبعض من ذلك وفي نفس الوقت هناك عدم فهم لفكرة الشريعة الإسلامية وقابليتها للتطبيق وعدم فهم لشمول الشريعة ومرونة أحكامها كي تكون صالحة لكل زمان ومكان مع عدم تغير ثوابتها إذ هي تضع أُطر عامة حامية ولكنها تسمح في ذات الوقت بالتجاوب مع معطيات كل عصر حسب حجم تعقيدات العلاقات فيه وحسب الآليات التي تتغير بتوسع المكان وسرعة إيقاع الحركة طالما أن ذلك لا يخل بثوابت الدين.
يعتقد البعض أن الشريعة تعني الحدود كالرجم والجلد والقطع وما إلي ذلك ويخطيء هؤلاء عندما يقدمون الحدود علي ما سواها من شريعة الإسلام وهذا ينفر الناس من حكم شريعة لا تعرف إلا الجلد والقتل وتقطيع الأيدي والأرجل حاش لله أن تكون تلك شريعته التي جاءت رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
وهنا نقول أن الحدود جزء من الشريعة ولابد من تطبيقها لكنها ليست كل الشريعة وإنما هي حارسة لها فلا يمكن أن أستاجر حارسا لعقار قبل أن أقوم ببناء العقار علي الأرض. ولذلك لابد من فهم معني الشريعة بشكل مفصل علي أنها كل الأوامر والنواهي التي جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما أجمعت عليه الأمة من قديم مع ضرورة إدراك أن شريعة الله إنما جاءت للتيسير علي العباد وحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية "حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله" ولهذا لابد من إدراك جملة من الحقائق نذكر منها:
الشريعة تحارب الفقر الذي هو أصل الداء وتقر عبادة الزكاة من أجل ذلك. و يقرن الله تعالي في القرآن الكريم بين الصلاة والزكاة في 28 موضعا لأنها كفيلة بدحض الفقر وهزيمته هزيمة منكرة وتحقيق العدالة الاجتماعية التي كانت اول شعارات الثورة المصرية (عيش – حرية – عدالة اجتماعية) وكذلك السلام الاجتماعي المنشود. والزكاة في الإسلام ليست مجرد بضع جنيهات تعطي لمستحقيها ليعود بعد قليل يطلب المزيد لكنها تهدف إلي تحويل المستحق للزكاة إلي غني يدفع الزكاة. ونحن في الحرية والعدالة ندعو لجمع الزكاة في وعاء واحد مما يوفر حوالي 60 مليار جنيه سنويا كافية لحماية الفقراء وإيواء أطفال الشوارع الذين هم قنابل موقوتة تتفجر يوما بعد يوم في وجوهنا.
الشريعة الإسلامية تُعني بالعدل بين الناس ولذلك فاستقلال القضاء ضرورة شرعية كي يحصل كل مواطن علي حقه ولا يستشري الفساد. ولهذا فحزب الحرية والعدالة يسعي من أجب صدور قانون السلطة القضائية خلال هذه الدورة البرلمانية بتوازن دقيق بين حقوق القضاء وواجباتهم.
والشريعة تعطي حقوقا عظيما لمخالفي العقيدة فهي تقر في دستورها القرآني حقهم في اختيار دينهم "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" والرسول الكريم يقر لهم بحقهم في ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين. فرغم أن الإسلام دخل إلي مصر عام 20 ه فأن مصر لم تصبح غالبيتها من المسلمين سوي عام 250 ه. كما أن الشريعة الإسلامية تقر لغير المسلمين بحقهم في التحاكم إلي شريعتهم في أحوالهم الشخصية ما لم يطلبوا غير ذلك.
والحرية فريضة إسلامية فطالما الإنسان حر في اختيار عقيدته فهو حر فيما دون ذلك لكن الحرية مقيدة بعدم التعدي علي حرية الآخرين. وحق الناس في اختيار الحاكم أو النائب عنهم حق أصيل في الشريعة الإسلامية وكذا حقها في تغيير الحاكم (الأجير) لديها وآليات اختيار الحاكم والنائب عن الأمة يسعنا فيها التطور الحاصل في تقنية لمعلومات والتقدم الهائل في وسائل الإتصال لكن تزوير إرادة الأمة والديكتاتورية باسم الدين إنما هو كهنوت لا تعرفه الشريعة ولا تقره ولهذا نحن في الحرية والعدالة نريدها دولة عصرية حديثة بمرجعية إسلامية فليس في الإسلام دولة دينية.
والمرأة في الإسلام لها دور هام فالنساء شقائق الرجال كما جاء في الحديث الشريف ودورها في المجتمع ثابت ولا يمكن المزايدة عليه باسم الشريعة فقد شاركت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها في الغزوات وعليه فمشاركتها فيماهو دون ذلك أمر بديهي وكان النساء يدخلن مسجد رسول الله من باب واحد مع الرجال حتي كثر عدد المصلين فطلب النبي من أصحابه ترك هذا الباب للنساء "هلا تركتم هذا الباب للنساء". فمشاركة المرأة في العمل العام ضرورة حتمية ونيابتها في البرلمان ليست من باب الولاية العظمي وترك الساحة لغير المنتمين للتيار الإسلامي أدي إلي توقيع الدولة علي عديد من الإتفاقيات الخاصة بالمرأة والتي تخالف شريعة الله تحت دعاوي تمكين المرأة وعدم التمييز ضد المرأة. ونحن في الحرية والعدالة نفهم ذلك ونقر مشاركة المرأة في العمل العام لكن دون إخلال بالشريعة ودون إهمال دورها كزوجة وأم "كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول".
والشوري عندنا ملزمة فيما لم يخول القانون فيه شخصا بعينه في إتخاذ قرار معين وسلطة المحاسبة بعد ذلك باقية. والشوري ليست مجرد شعار سياسي بل هي في الشرع منهاج حياة فالمولي أمر بها الرسول الكريم آثر هزيمة مُني بها المسلمون نزل فيها الرسول الكريم علي رأي الشباب الذي خالف رأيه عليه السلام. والشوري منهج حياة فالله أمر بالتشاور بين الزوجين في أمر فطام الطفل فما بالك فيما هو أهم من ذلك.
والشريعة تعني بإيجاد البديل للناس بدلا من مجرد التحريم فهي تحض علي الزواج وتيسر شروطه وترغب فيه لأنها تحرم الزنا. والشريعة تدعو الناس إلي التجارة الحلال لأنها تحرم الربا. وإيجاد البديل المناسب واجب علي ولاة الأمور لكي يصرفوا الناس عن الحرام والمخالف لذا قام النبي عليه السلام فور نزوله بالمدينة بتدشين سوق للمسلمين فلم يغلق سوق اليهود بل أوجد البديل ونحن نثق أن العملة الجيدة تطر العملة الرديئة. ولهذا فنحن في الحرية والعدالة نسعي للتوسع في الصيرفة الإسلامية كما نسعي لتشجيع الفن الراقي الذي لا يتصادم مع الشريعة والأخلاق والعرف السائد.
الشريعة الإسلامية تحرم الإحتكار "فالمحتكر ملعون" لذلك فأن هناك ضرورة شرعية لإصدار قانون منع الإحتكار الذي يعمل عليه حزب الحرية والعدالة حاليا داخل مجلس الشعب.
الشريعة الإسلامية تهدف إلي سعادة الناس في الدنيا والآخرة لذلك قال ربعي بن عامر متحدثا عن أمة محمد صلي الله عليه وسلم " إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة." فهدف الشريعة هو تحقيق السعادة لذلك قال المصطفي عليه السلام أن المنزل الواسع والمركب الهنيء والزوجة الصالحة من السعادة في الدنيا. والتمتع بنعم الله تعالي أمر شرعي "إن الله يحب أن يري آثر نعمته علي عبده" والقرآن يدعونا للتمتع بجمال الأنعام "ولكم فيها جمال حين تريون وحين تسرحون" فالشريعة تهدف إلي أن يكون المواطن في سعة من العيش ولكي يتحقق ذلك فلابد من زيادة دخل الفرد وتحسين الصحة وتوسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل كل المواطنين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والشريعة تحمل عن الناس الأعباء التي لا يطيقون فتقر في أسهم الزكاة سهما للغارمين أي من استدان بقصد الرد فلم يستطع والرسول الكريم يتكفل بسداد الدين عمن مات وعليه دين أما من مات وله مال فلورثته كما جاء في الحديث الشريف. والشريعة تقر للعمال بحقوقهم وتحض علي إعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه وإن كان ذلك في حق الأفراد فما بالك بمسئولية الدولة.
والشريعة تحارب الجهل فيبدأ المولي عز وجل الوحي علي محمد عليه السلام بطلب من هذه الأمة بضرورة القراءة لأن الأمة المكلفة بتحرير عقول الناس لا يمكن أن تكون جاهلة فطلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة. والشريعة تطالب الناس كل الناس بضرورة إعمال العقل للوصول إلي حقيقة الحقائق وهي الإيمان الثابت الذي لا يتزعزع من خلال إطلاق طاقات العقل في التفكير والإبداع بشرط واحد هو ألا يصادم نصا صحيحا صريحا (قطعي الثبوت وقطعي الدلالة). فشريعة الله تعالي تطالبنا أن نُخرج الناس من الظلمات إلي النور ولا يكون هذا بالتصلب والتكلس وراء اجتهادات رجال قاموا بها في زمان مختلف تماما ولهم كل التقدير والتكريم لكن الأمة لم تُجمع عليها فهذا لا يمنع من بعدهم أن يراجعوا فتاويهم خصوصا في حالة عدم وجود نص قطعي وكما قال أمير البيان "شكيب إرسلان" "إنما يضيع الدين بين جامد وجاحد فهذا ينفر الناس بجموده وهذا يضلهم بجحوده.". وتطوير التعليم والبحث العلمي ضرورة شرعية لنهضة الأمة وريادتها لتحقق أول آيات القرآن الكريم.
والسعي في حوائج الناس عبادة مفضلة علي الإعتكاف في مسجد رسول الله كما جاء في الحديث. ولهذا كان من الواجب إصلاح قانون المحليات وهو ما يتقدم به حزب الحرية والعدالة من أجل أن يجعل للشعبيين القدرة علي محاسبة التنفيذيين من أجل قضاء حوائج الناس الملحة.
هذا نذر يسير من الشريعة الغراء وأحكامها ومقاصدها والمجال لا يتسع لتفصيل لكن الشريعة بمفهومها الشامل هي وحدها القادرة علي قيادة سفينة الوطن إلي بر الآمان لكننا في حزب الحرية والعدالة نفهم الشريعة من خلال دراستنا للسيرة النبوية لأن ذلك يمكننا من إنزال النصوص علي أرض الواقع ونفهم معني التدرج في التطبيق وإيجاد البديل في مجالات الفن والاقتصاد والأدب والسياحة بحيث لا يتعارض مع الشريعة. وحسن تقديم الشريعة للناس دون إجتزاء يزيل مخاوف الناس ويعمق حبهم للدين وفهمهم له ودفاعهم عنه ودعوتهم لتطبيق الشريعة التي تكفل لهم كل سبل الحياة الكريمة وتضمن لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
ــــــــــ
عضو المؤتمر العام لحزب الحرية والعدالة ، عضو أمانة التثقيف بمحافظة البحيرة

