د/ ممدوح المنير *
الحرب لعبة مجنونة يحب العالم لعبها ، هذه الحكمة التى قالها جوناثان سويفت ، هى أصدق تعبير عن طبول الحرب التى تقرع حاليا بين إيران من جهة و الولايات المتحدة و أوربا من جهة أخرى .
و على ما يبدو فإن عمليات الإحماء – المناورات البحرية – تجرى على قدم وساق قبل النزول إلى أرض الملعب للإشتراك فى لعبة الموت هذه بين الطرفين ، خاصة بعد أعلنت إيران أنه فى حالة فرض عقوبات على صادراتها النفطية – تدرّ على إيران نحو مائة مليار دولار سنويا - أو على البنك المركزى الإيرانى فسوف تقوم بغلق مضيق هرمز ومنع أى ملاحة به نهائيا أو كما قال النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي "إذا فرض الغرب عقوبات على صادرات النفط الإيرانية، فلن تمر نقطة نفط واحدة من مضيق هرمز".
جدير بالذكر أن مضيق هرمز يعد الممر المائي الوحيد لثماني دول تطل علی الخليج ، حيث يصدر من خلاله نحو 90 في المئة من نفط الخليج و الذى يمثل 40 فى المئة من حاجة العالم إلى النفط و التى ينقل عبر 14 ناقلة نفط عملاقة يوميا.
لذلك تقرع طبول الحرب قوية هذه الأيام ، على أمل أن يتراجع أحد الطرفين أمام تهديدات الطرف الآخر ، خاصة أن كل طرف من الأطراف لديه وسائل للضغط و التصعيد تجعل من المستحيل أن يخرج أحد الأطراف منتصرا على حساب الطرف الآخر ، هى معركة بإختصار إن وقعت فسوف يخسر فيها الجميع بلا إستثناء .
و حتى تتضح الرؤيا بشكل أكبر علينا أن نتعرف على أبعاد الأزمة لتقريب الصورة :
دوليا :
الإدارة الأمريكية منشغلة حاليا بثلاث ملفات إثنين خارجيين هما الثورات العربية و تأثيرها الصادم على مصالحها الإستراتيجية و أمن إسرائيل .
الملف الثانى ملف إيران النووى و خاصة مع بدأ إيران تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها بنسبة عشرين فى المئة ، و هو ما تعتبره واشنطن تهديدا إستراتيجيا حيث صرّح وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا فى 9 / 1 / 2012 بإن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي معتبرا هذا خطا أحمر .
و هو الأمر الذى حاولت الولايات المتحدة و حلفاءها إثناء إيران عنه لكن جميع محاولتها باءت بالفشل مما نقل الأزمة إلى مرحلة تصعيدية يمكن وصفها بحالة ( حافة الحرب ) .
الملف الثالث و هو الإنتخابات الرئاسة الأمريكية التى يجرى الإستعداد لها حاليا فى الولايات المتحدة و ما تفرضه الحملة الإنتخابية من إسترضاء للوبى الصهيونى الأمريكى الذى يمسك بزمام الكثير من الأمور هناك ، مما يجعل مزايدة المرشحين ضد إيران مكسب إنتخابى يحرص الجميع على القيام به بدعوى الحفاظ على التفوق النوعى لإسرائيل .
هذه الملفات الثلاثة تتفاعل داخل الإدارة الأمريكية مما يجعل منحى الأزمة يزداد تصاعدا بين الطرفين .
إقليميا :
- بدأت تركيا فى نشر منظومة رادار للدفاع الصاروخى لحلف الناتو فى المنطقة الجنوبية الشرقية على مقربة من الحدود المتخامة مع إيران ، مما جعل النظام الإيرانى يعتبر هذه المنظومة بمثابة تهديد إستراتيجى لأمنه القومى ، و هو ما أدى إلى حدوث توتر فى العلاقات الإيرانية التركية
- كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاغون" إرسال حاملة طائرات ثانية قرب الخليج لتنضم إلى الاسطول الامريكي الخامس .
- هذا فى حين بدأت القوات البحرية الإيرانية فى القيام بمناورات بمضيق هرمز تحت إسم "الولاية 90" ، فى رسالة واضحة إلى الأمريكان و الأوربيون بل حتى دول الخليج ، بأننا جاهزون إذا ما دعت الحاجة إلى تنفيذ تهديدنا بغلق المضيق ، و هو ما دفع دول الخليج إلى البحث عن بدائل لنقل النفط غير مضيق هرمز ، لكنها بدائلة مكلفة و تحتاج إلى وقت غير متاح حاليا ، مع التصاعد السريع للأزمة .
يبقى التساؤل الأخير هنا إلى أى شىء يمكن أن تنتهى الأزمة الإيرانية الأمريكية ؟
فى الحقيقة تبدو الإجابة صعبة على هذا التساؤل ، نظرا لتسارع الأحداث و تلاحقها و تعقدها ، لكن يمكن التأكيد على عدة عوامل قد تكون من وجهة نظرى وراء بقاء الأزمة مشتعلة و قد تصل إلى حافة الحرب كما قلنا سابقا ، لكنها من الصعب أن تصل إلى مرحلة الحرب للأسباب التالية .
1 ) أن هذه ليست المرة الأولى التى تهدد فيه إيران بغلق مضيق هرمز ، ففي أواخر الثمانينات كانت إيران في حرب مع العراق، وامتد الصراع إلى منطقة الخليج، حيث كانت إيران تهاجم السفن القادمة من دول تظن أنها تدعم العراق ، و بدأت إيران فى زرع مياه الخليج بألغام بحرية مما أدى إلى تدمير سفينة حربية أمريكية ، و قامت وقتها القوات الأمريكية المتمركزة هناك بضرب القوات الإيرانية المطلة على الساحل فدمرت منصتا نفط بحريتان تستخدمان في تنسيق العمليات الإيرانية، فيما أغرقت اثنتان من السفن الحربية وتحطم جزء كبير من سفينة أخرى .
إلى أن إيران طورت من قدرتها العسكرية بشكل كبير طيلة الفترة الماضية ، خاصة أنها تعتمد على إستراتيجية عسكرية تؤمن لها نوع من التوازن مع القوى العسكرية الأمريكية الهائلة ، و هى إستراتيجية القوى الغير متناظرة و التى تقوم على نهج قد يتبعه خصم ضعيف عند مواجهة قوة عسكرية أكبر بالاعتماد على تكتيكات وأسلحة تمنح الضعيف بديلا عن المواجهة المباشرة كما يقول مايكل كونيل، المحلل الإيراني بمركز التحليلات البحرية.
و هو الأمر الذى سعت إيران من أجله ـ ولاسيما عناصر البحرية في قوات الحرس الثوري ـ إلى بناء قوة بحرية جديدة تعتمد بدرجة كبيرة على عدد كبير من السفن الصغيرة والسريعة تدعمها قطع بحرية قادرة على زرع الألغام، ويدعم ذلك مدفعية وصواريخ مضادة للسفن موجودة على الشاطئ .
هذه المنظومة لا تعنى بالضرورة الإنتصار على القوات الأمريكية و البريطانية فى المنطقة ، لكنها بطبيعة الحال سوف تصبح مقدمة لحرب إستنذاف كبيرة قد لا تتحملها الولايات المتحدة و حلفاءها .
2 ) لن تخاطر الإدارة الأمريكية بخوض حرب و هى على أعتاب إنتخابات رئاسية ، تعلم جيدا أن أى خسائر فى الجنود الأمريكيين ، سوف توازيه خسائر كبيرة فى صناديق الإقتراع ، خاصة و أن القواعد العسكرية الأمريكية منتشرة فى الخليج و فى مرمى النيران الإيرانية .
3) الزيارة التى قام بها الرئيس الإيرانى إلى مجموعة من دول أمريكا اللاتينية مؤخرا ( الإكوادور وفنزويلا ونيكاراغوا
وكوبا ) فى محاولة للبحث عن أسواق بديلة للنفط الإيرانى لا تلتزم بمنظومة العقوبات الأمريكية ، تمثّل هذه الزيارة مؤشرا إلى أن إيران تسعى للتعاطى مع الأزمة أكثر من العمل على تصعيدها .
4) الخلافات داخل أوبك بين المنتجين و المستهلكين تعتبر ورقة فى صالح إيران أكبر منها ضدها ، فزيادة سقف الإنتاج فى حالة فرض عقوبات نفطية على إيران لا يعنى بالضرورة أن يتم رفع سقف الإنتاج لتعويض الفقد فى السوق العالمى ، فالمصالح السياسية و الإقتصادية لدول الأوبك لا تتوافق بالضرورة مع زيادة سقف الإنتاج ، بل على العكس قد يؤدى زيادة الإنتاج إلى خسائر إقتصادية لبعض الدول .
من ناحية أخرى يتوقع ألا تستجيب جميع الدول المستوردة للنفط الإيرانى للعقوبات الأمريكية على إيران فكوريا الجنوبية و تركيا مثلا التى تستورد 30% منها ، أعلنت أنها لن تخفض من سقف إستيرادها من النفط الإيرانى الذى يعتبر الأرخص ثمنا ، كما أنه عالى الجودة .
5) أزمة الديون الأوربية أو الأزمة الإقتصادية الأوربية الحالية قد لا تتحمل أى إرتفاع حاد فى أسعار النفط ، مع توقف إمدادات النفط الإيرانى أو إشتعال الموقف فى مضيق هرمز ، فإقتصاديات العديد من الدولة الأوربية فى وضع حرج خاصة التى تعتمد على النفط الإيرانى فى تأمين إحتياجاتها النفطية مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
6 ) الأزمات السياسية و الإقتصادية التى تعانى منها بعض دول الخليج ، قد تجعل حسابات مجلس التعاون الخليجى أكثر حساسية تجاه إشتعال الموقف مع إيران خاصة و أن التهديدات الإيرانية كانت واضحة و صريحة أن فرض العقوبات النفطية على إيران سوف يكون لها تأثيرها المباشر على دول المنطقة بكاملها .
هذه هى الأجواء التى تقرع فيها طبول الحرب الحالية ، و هى تعتمد على الأقل حاليا على الحرب النفسية لإخضاع إيران أكثر من إعتمادها على التدخل العسكرى الفعلى ، و إيران تدرك هذا جيدا و هى تجيد التعامل مع هذه الحرب بحرفية عالية ، لكن الوقت ليس فى صالحها ، فلا أحد يعلم ما الذى ستؤول إليه الأمور بعض أن تضع إنتخابات الرئاسة الأمريكية أوزارها ، و بعد أن تفشل كل السبل فى حل الملف النووى الإيرانى ، عندها قد نجد أنفسنا أمام فصل جديد من لعبة الموت أو الحرب .
ــــــــــ
رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية

