حازم سعيد :
أشترط عليك عزيزي القارئ قبل قراءة هذا المقال – الذي هو أقرب للبحث – ثلاثة شروط كي تواصل القراءة :
أولاً : أن تتجرد من انتمائك الحزبي وتنخلع منه تماماً ، وتقرأ بمنظار المحايد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
ثانياً : أن تعلم أننا جميعاً – الإخوان والسلفيون – في خندق واحد ، وأن كاتب المقال يدرك ذلك جيداً .
ثالثاً : إذا أردت أن تعارض شيئاً في المقالة فعارض كاتبها كما شئت ، وخض فيه كما شئت ، ولكن إن كنت إخوانياً فلا تخض في السلفيين ، وإن كنت سلفياً فلا تخض في الإخوان ، فهي من العصبية الحزبية الضيقة التي ما كتبت هذه المقالة إلا من أجل دفعها .
تمهيد :
في فترة سابقة تأثرت كثيراً وعانيت من كتابات العلامة الشيخ محمد الغزالي النقدية التي تناول فيها السلفيين ككتابه " هموم داعية " وكنت ولا زلت أرفض هذا المنهج النقدي اللازع الذي تناول فيه الشيخ الغزالي – رحمه الله – شباباً سلفياً ، ولو أن العلامة الشيخ وقف في نقده عند نقد الفكرة أو الأفعال دون السخرية لكان شافياً ، ولكن الشيخ رحمه الله كان شديد العاطفة ، فتسببت هذه العاطفة الجياشة في بعض حدة عانيت منها كسلفي وعانى منها غيري كثير ، وفرقت أكثر مما جمعت ، وآليت علي نفسي منذ أن بدأت الكتابة ألا أنحو هذا المنحى أبداً ، رغم ما قد يجبرك عليه سياق الأحداث ، ورؤيتك لكم الأخطاء وطغيانها في الجانب الذي لا تنتمي له تنظيمياً ، إلا أن النقد من خارج التنظيم يكون شاقاً وعسيراً على النفس التي تقبل نصيحة الصديق بصعوبة ، فما بالك والأنظمة السابقة أكلت منا وحولتنا لفرقاء لا لأصدقاء ، واستمرينا على هذا النهج – بعد الثورة - دون تروٍ أو تدبرٍ أو وعي ...
غياب الأخوة ، ومظاهرها :
أما غياب الأخوة بين الاتجاهين فهو تعميم أقرب للصحيح ، حيث لم تخلو بلد - أو يكاد - من المنافسة بصورها غير المحمودة ووصل الأمر للتراشق على صفحات الفيس بوك – الذي هو من أبرز صور التفاعل - لدرجة تبادل السباب والتنابز بالألقاب بين محبي أو أعضاء كلا الجماعتين .. كل على صفحات الآخر .. ولم يخلو الأمر من الغمز واللمز ، والاتهام بحق أو بباطل ..
أما أبرز مظاهر غياب هذه الأخوة فهي كما يلي :
1. السباب والنقد اللاذع الفج على صفحات الفريقين ، والغمز واللمز والتصريح بالعيوب ، والاتهام بالحق أو بالباطل ، كل يخوض فى الآخر وكل يسب الآخر – إلا أقل القليل – ولو أنك تعاني من انخفاض الضغط ، فأنصحك أن تدلف إلى صفحة أي من الحزبين على الفيس بوك ( عامة كانت أو لمحافظة من المحافظات ) وتقرأ تعليقات المشاركين على أي تدوينه ، وهو علاج شافٍ كافٍ لرفع ضغط دمك .
2. استعلاء كل طرف على الآخر ، فالإخوان يرون أنهم الأكثر فهماً للواقع – مصداقاً لركن الفهم من أركان البيعة - وأنهم الأقدم وأصحاب السبق والتجربة والممارسة السياسية ، وأنهم أصحاب العمل المجتمعي والعام والمؤسسي ومنهم النواب السابقون والمديرون ووكلاء الوزارات و ... لذا فهم الأقدر على التواجد والخوض في غمار الميدان السياسي والمجتمعي بنجاح وتفوق وريادة ..
والسلفيون يرون أنهم الأعلم والأورع والأكثر التزاماً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن لديهم من الثوابت الشرعية ما يعصمهم من ميوعة الإخوان وانحرافهم وموادعتهم للعلمانيين والليبراليين والاشتراكيين ودخولهم معهم في التحالفات على حساب شرع الله ، بينما هم – أي الإخوان - يتخذون موقف الصرامة والحدة مع السلفيين الذين هم أقرب إليهم وإلى التزامهم من أولئك العلمانيين ...
3. فقه الترصد والتربص ، وأقرب مثال لهذا الكلام هو ما حدث مع الدكتور مرسي الذي فوجئت بكم السكاكين الجاهزة لذبحه ، بسبب مقولة ، ما كان لعاقلٍ أن يفهمها أبداً كما فهمها منتقدوه .
ولقد سمعت الحوار مع عمرو الليثى مباشرة على قناة المحور فما فهمت منها ما فهموه وما رأيت فيه خللاً ، لأني لا أرتدي نظارة التربص التي يرتدونها ، حتى زارنى صديق وأخ سلفي بادئاً حواره معي بقوله شفت المصيبة بتاعة الدكتور مرسي ، ده وقع فى الكفر ، ثم حكى لى مقالة الدكتور مرسي ، وقلت له لا يمكن أبداً ، أنا سمعت الحوار ، فما وجدت فيه هذا الخلل الذى تدعيه ، وبحثنا على اليوتيوب لنجد كلمة الدكتور مرسي مبتورة من سياقها ومقصوصة لخدمة ما أراده المتربصون ، وحسناً فعل الدكتور ببيانه الذي وضح فيه مقصده ، وحسناً فعل الدكتور محمد عبد المقصود – فى أوبة بعد تعجل – بالاتصال بالدكتور وتصحيح الموقف على فضائيات سلفية ..
العجيب أني وجدت تداول هذه الكلمات المجتزأة والمبتورة من سياقها على لسان كل من أعرف من السلفيين ، حتى أن أخاً سلفياً كان يواسيني فى وفاة والدتي ليس له لا فى النت بل ولا فى الكمبيوتر من الأصل ، إذا به يفاجئني بسؤالي عن كلمات الدكتور مرسي بعد أن أنزل بيان التوضيح بأسبوع ، من يعرف فى النت ومن لا يعرف ، من يتابع الفضائيات أو لا يتابع .. الجميع يتداولها فى صورة فجة من صور التربص والترصد لخطأ الآخر – وإن لم يكن خطأً - .
4. المخالفات الانتخابية ، والتي زادت وعمت وطمت فى كل أنحاء مصر ، ولست أقصد بها مخالفة الصمت الانتخابي فالجميع يقع فيها ، وإنما أقصد بها تجاوزات الطرفين إزاء الآخر وهي موجودة في كل من الجانبين ، وإن كنت أرى أنها أكثر وأعم فى الجانب السلفي لما سأورده من أسباب إن شاء الله ، كالاعتداء على النساء والتوكيلات العامة لبلطجية وانتقاص الآخر وادعاء أنه مائع لا هوية له أو متحالف مع أعداء الشريعة أو الكذب بادعاء أن رمز الحزب المنافس هو الميزان أو الفانوس على عكس الحقيقة خداعاً للناس ، أو التحالف مع الفلول ، أو أن الطرف الآخر ليس له سابق خبرة أو تجربة أو أنه صناعة أمنية أو أنه ممول تمويل خارجي ... الخ .
الأسباب :
أما الأسباب ، فلا أستطيع إحصاءها ، وإنما أذكر بعضاً مما أراه الأبرز ، وهي الوسيلة الأولي للتعرف على معالم العلاج ، فبالضد تتضح الأشياء ، وإذا عرفنا سبب شئ كنا قادرين على علاجه بإزالة هذا السبب ...
1. التاريخ : وللأسف فإن التاريخ ليس في مصلحة العلاقة بين التيارات الإسلامية جميعها ، حيث نخر فيها سوس الأنظمة المستبدة التي فرقت بيننا فسادت ، وألبت الأخ على أخيه ، ورسخت مفاهيم الفرقة على مفاهيم الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق ، ولا زلنا مدفوعين بقوة الدفع الذاتي لهذا التاريخ السيئ الذي سادت فيه ثقافة الاختلاف على ثقافة الاجتماع والحب والأخوة ، وترعرع فيه فقه التربص والترصد واصطياد الزلات على فقه التغافر والتراحم وإقالة العثرات .
2. أصحاب المصلحة من رجال الأمن ومن والاهم ، الذين لا زالوا يعملون تحت الأرض وينخرون كما ينخر السوس ، وأضرب لكم مثلاً بصاحب لي من الإخوان بأحد الأقاليم حكى لي عن حوار بينه وبين أخ من السلفيين تحاجا حول موضوع دعم الإخوان لمرشح بعينه ليس من الإخوان ضد مرشح السلفيين وإنكار الإخوان لهذا الدعم ، فكان مما حاج به السلفي أخاه من الإخوان أن واحداً يعمل بجهاز الأمن القومي أخبرهم – أي السلفيين – بأن لديه تسجيلات لاتفاقات الإخوان مع ذلك المرشح المنافس للسلفي .
لم يعلق صاحبي الإخواني على العوار الذي بكلام أخيه السلفي لأن الموضع أو النفسيات لم تكن مؤهلة لسماع الانتقادات ، وأسرها في نفسه وحكاها لي .. وأنا بها هنا أستدل :
فأولاً : من قال أن الأمنجية مصادر موثقة للأخبار ، وثانياً : من يستطيع أن يحسن الظن فيهم ولماذا ينشرون هذا الكلام للسلفيين ، أليست هذه دسائس للفرقة ، وثالثاً : لماذا اختاروا السلفيين وتمكنوا من أن يحدثوهم بذلك ، ولم يفعلوا مثلها مع الإخوان ؟ .
أنا هنا لا أقول أن السلفيين عمالة أمنية أو أنهم متعاونون مع الأمن كما يتسرع المتهمون أو المتربصون ، ولكني أحذر السلفيين من استسهال التعامل مع العناصر الأمنية وخاصة المرتبطة بالأمن القومي أو أمن الدولة ، وكذلك أحذرهم من الاختراق ، فالجماعة السلفية حديثة عهد بالتنظيمات ، ولا أظن أنها وضعت ضوابط عضوية تعصم من الاختراق ، وأبسط دليل على ذلك ما حكاه لي ذات الأخ الثقة من أن أخاً من الإخوان بنفس المدينة حضر اجتماعاً لأعلى مستوى لحزب النور ليلة خوض الانتخابات بهذه المدينة وسمع فيها اتفاقاتهم حول التصويت في اليوم التالي ولمن سيكون وآلية العمل ، وظنوه منهم لأنه ملتحي ، ولام هذا الأخ أخاه على تصرفه الفردي بحضوره مثل هذا الاجتماع لأنه عده تجسساً لا يجوز ... الخ .
أعود فأقول أن الأمنجية ، أو الطابور الخامس ، ينخرون كالسوس ، وينشرون الفتنة ودواعي الفرقة ، ونحن للأسف نصدقهم لأننا لا نلتزم بما عندنا من منهج جرح وتعديل وضبط للروايات ، وهو السبب الثالث .
3. عدم الالتزام بعلم الجرح والتعديل وضبط الروايات والتوثق منها :
ومن يراجع كتب أئمة الحديث وكيف ضبطوا الروايات ووثقوها وقعدوا القواعد الحاكمة لعلم الرواية والجرح والتعديل ، وقواعد الضبط والحفظ ، وفرقوا بين ضبط الصدور وضبط الكتب ، ووضعوا آليات للحكم على السند وأخرى للمتن و ....
من أشهر الأمثلة على عظمة هذا العلم وكيف طبقه سلفنا الصالح ما اشتهر عن شعبة – وهو أحد رواة الحديث الشريف - من أنه جاء إلى رجل ليأخذ منه حديثاً عن النبى صلى الله عليه وسلم ، فلما جاءه وجده يضع مقدم ثوبه بعضه على بعض كأنه واضع فيه شيئا ، وهو يقول للدابة كخ كخ - يعني : أقبلي - فنظر في ثوبه فلم يجد شيئا ، فترك الرواية عنه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني لا آمن أن الذي يكذب على الدابة أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، فتركه احتياطا .
هذا المنهج الرائع الرهيب .. نتنازل عنه وبكل بساطة ، نحن من نقيم الليل والنهار بين طيات كتب السلف الصالح نتعلم منها الرواية والدراية ، وحين ننزل لميدان التطبيق ننسى ما عندنا من العلم ونأخذ عن أحد مجاهيل الأمن القومي الذين هم بقية ( رذيلة ) أمن الدولة ما يفرقون به بين الأخ وأخيه ؟ فواحسرتاه .
4. التوسع في استخدام الدوائر القريبة من الطرفين والذين لم يتمرسوا في المحاضن التربوية ، واستخدامهم كأفراد متحركين للدعاية الانتخابية وأمام اللجان ، ومن هنا جاءت الطوام ، ولأن السلفيين كانوا أكثر توسعاً في ذلك بدت المخالفات السلفية أكثر وضوحاً ، وهذا الذى ميزها وأظهرها .
حيث لمجرد اللحية وصلاتك مع السلفيين لأشهر أو أسابيع ، أو لمجرد حضورك حلقات درس فقه أو توحيد ، فلقد أصبحت سلفياً تقوم بالدعاية لحزب النور ولمنهجه ولأشخاصه ، وتكون أنت من يقنع غيرك لتنتخبه ، فإن أعوزتك قلة الحيلة وقلة بضاعتك من العلم أو المنطق واضطرتك الحاجة للمز فى الإخوان أو الحرية والعدالة فلا بأس ، لأنك أساساً لا تملك أياً من المعايير العلمية أو التربوية التى تعصمك من الزلل .
ولأن مشايخ السلفيين – الذين تعلمت عليهم وأحبهم وأجلهم – نأووا بأنفسهم عن العمل الحزبى والسياسى ، وتركوه لمن لا يملك خمس أو سدس أو عشر علمهم وتقواهم ، من ( ملتحين ) ولا أقول ( سلفيين ) فلن تعدم في بلد أو أكثر تحالفاً مع فل من الفلول بدعوى أنه رجل بر وتقوى ، ورغم أن السلفيين يرفضون تحالفات حزب الحرية والعدالة مع من هم أقل فساداً أو بعداً عن الشريعة من الفلول الذين غيبوا شرع الله وعطلوه وأزهقوا الأنفس وسرقوا الأموال واعتدوا على الأعراض ، لا بأس بذلك كله لأنك يا من تمارس العمل السياسي باسم النور لست سلفياً ، بل قل " ملتحياً " ، وأتمنى من مشايخ الدعوة السلفية الكرام أن ينتبهوا لهذا المزلق الخطير .
والذي جاء من ورائه مبادرة الحزب مع الكتلة المصرية حتى لا ينفرد الإخوان بالقرار ... يا سبحان الله ... مشايخ الدعوة السلفية يحرمون تحالف الإخوان مع الأحزاب ، وقيادات النور تطلق مبادرة تحالف مع كتلة ساويرس ضد الإخوان .. فأيهما نصدق ، وهل النور يمثل السلفيين والموقف السلفي بهذه الصورة ؟
ويأتي نادر بكار بأطروحة على التويتر عن التفريق بين تحالف الإخوان وتحالف حزبه لم أستطع فهمها أو التفريق بينهما .. ربما لقلة علمي أو فقهي !!!
حدثنى أخ من الإخوان عن مرشح للشورى ببلده ليس سلفياً ، بل كان طيلة حياته ينتمى لجماعة " التوقف والتبين " يرشحه النور على مقعد الشورى ببلده ، وهو ليس سلفياً ، بل ملتحياً ، بل ويتولى لجنة من أهم لجان الحزب .. أظنها اللجنة الاقتصادية .. كل ذلك لأنه صلى معهم بالمسجد الرئيسي بالمدينة التى يقطن بها صاحبي وحضر معهم بعض دروس العلم بالمسجد .
هذا التوسع فى استخدام الدوائر القريبة منا ، ونأي النماذج السلفية الأصيلة بنفسها عن أمانات لجان الحزب ، أراها من أهم الأسباب التي أحدثت المخالفات السلفية التي قل أن تجد مثلها فى نظائرهم من الحرية والعدالة ، ولكن ستجدها فى بعض الدوائر القريبة من الإخوان والتي وقفت أمام اللجان .
إن هذا الأداء السيئ الذي رأيناه فى الانتخابات من العناصر التى تنتمى للسلفية يثبت أهمية العمل التربوي الذي تمرس فيه الإخوان من قبل ، ومعايير اختيار النقباء ودور النقيب ، والوسائل التربوية التي خضع لها الإخوان كالأسرة والكتيبة والرحلة والمخيم والندوة والمؤتمر ، وكلها ليست وسائل تلقين علم نظري كما يحدث بالمدارس الشرعية الإخوانية أو مدارس الدعوة السلفية ، فهذه غير تلك .
5. تسرع المشايخ في الفتاوى واستسهال نقد الآخر ، وقد مر من قبل موقف الشيخ أحمد فريد وفتوى الشيخ ياسر وتعرضت لهما في مقالات سابقة بما فيه الكفاية ، ولست أتعرض لهما هنا على سبيل اللمز أو الغمز ، وإنما أشير إلى أن هذا التسرع هو مما يجلب تغير الصدور حين تغير موقفك أو حين تأتي الفتوى غير متماسكة ، فيتعامل معها الناس على أنها صادرة من أساس حزبي عنصري طائفي ، فيرفضوها وتتغير صدورهم .
وأقرب مثال على ذلك هذه المبادرة التحالفية مع الكتلة المصرية التي أطلقها النور ، فهل هي تغير في موقف الدعوة السلفية من التحالفات ؟ أم هي بداية صدام بين قيادات الحزب وقيادات الدعوة ؟.
إن كانت الثانية فهي مصيبة ، وإن كانت الأولى فهي مشكلة لأنك حرمت هذا النوع من التحالفات ، ورفضت قياسه على حلف الفضول لما فعله الإخوان ، ولكنه جاز لك عندما أردته أو اجتهدت فيه ، فهل تغير القياس ؟ أم تغير الواقع ؟ أم تغيرت الفتوى ؟ أم تغيرت المصالح ؟ وهذه الأخيرة ليست لمزاً ، وإنما أحدثك – عزيزي القارئ – بما يجيش في صدور كل من يقرأ مثل هذه المبادرة ويقرأ عنها من الإخوان .
6. وأخيراً تأتي المناهج التعليمية التي تربي أفراد الإخوان على استسهال التعامل مع الأحكام الفقهية والترخص فيها ، واعتبار أنه طالما اختلف عالمان على مسألة فالخلاف معتبر ، وهذا ما يعطى انطباعاً ويكون صورة ذهنية عند السلفيين عن ميوعة الإخوان ، وهذا ليس صحيح ، وليس كل خلافٍ جاء معتبراً .
وكذلك المناهج التي تربى أفراد السلفيين على أحادية الرأي الفقهي في مسائل اجتهادية معاصرة ، وإسقاط الأحكام على الوقائع دون مراعاة فقه الواقع .
من أقرب الأمثلة على ذلك فتوى التحالف التي ضربتها مثالاً معاصراً على أحادية الفتوى من الجانب السلفي والتسرع فيها .
ومثال آخر هو حكم التصوير الفوتوغرافي الذي طالما علمني المشايخ بالدعوة السلفية أنه محرم ، وأنه ليس خلافاً سائغاً أو معتبراً ، فإذا بأول جريدة تصدر للسلفيين بعد الثورة ملأى بالصور الفوتوغرافية ، وإذا ببنرات الدعاية الانتخابية ملأى بصور المرشحين ، فهل غيرت الدعوة موقفها ؟ فلم لم تبين للناس ؟ أم هي الضرورة ؟ فهل الانتخابات ضرورة تجيز فعل المحرم ؟ وإن كانت الضرورة ، فهل أنت بهذا ممن يحافظ على الثوابت الشرعية التي خضت معركتك الانتخابية للحفاظ عليها ضد ميوعة الإخوان ؟
مثال آخر يأتي مع المؤثرات الصوتية التي تأتي في خلفية بعض نسخ – وليس كل – نشيد حزب النور والمصنوعة بالكمبيوتر والتي هي معازف وتعطيك خلفية المعازف ، أسألك نفس الأسئلة التي سألتها في مثال الصور الفوتوغرافية ....
والله العظيم .. أنا هنا لا أصطاد ولا ألمز ، ولكن أطالب كلا الفريقين بتنقية المناهج ، وتوفير المناخات التي تربي شخصيات علمية لا صور كربونية ، وتعلم لا تلقن ، مع عدم التسرع والاستسهال في إصدار الفتاوي ، لعل الله سبحانه ينقى صدورنا ويعلمنا ويفقهنا لما فيه الصلاح والسداد .
العلاج :
أسرفت في استعراض الظواهر والأسباب ولم أتعرض للعلاج .. وطالت المقالة .. وعاهدت نفسي ألا أكتب في موضوع الإخوان والسلفيين ثانية على الأقل هذه الفترة من الزمان ..
لذا أدلك على معالم للعلاج – بخلاف قطع الأسباب السابقة ومداواة آثارها - بنقاط أخرى سريعة موجزة جداً :
1. ضرورة لقاءات علمية بين الرموز والباحثين المدققين من الطرفين لتداول المسائل الفقهية المعاصرة للصدور فيها عن رأي أو أراء يسع الطرفين الأخذ بها والعمل بمقتضاها ولا ينقد أحدها الأخر .
2. ضرورة لقاءات إيمانية أخوية بين رموز كلا الدعوتين ، يعلن عنها ويروج لها ، وتتداول فيها المشاعر والأفكار الطيبة بين الجانبين .
3. عقد ورش عمل للتنسيق تتناول محو تجاوزات كلا الطرفين إزاء الآخر ، وتنسيق المواقف الخلقية والقيمية والعامة أمام المجتمع .
4. منع كل من ينتمى للدعوتين المباركتين من اللمز والغمز على صفحاته وعلى النت ، وتكليفه بذلك ، مع حذف أي مداخلات على الصفحات الرسمية في كل من الجانبين تسب أو تشتم أو تلمز أو تغمز ...
5. التنبيه على رموز كلا الدعوتين بالتزام ضوابط الأخوة الإيمانية وعدم تجريح أياً منهما للآخر على وسائل الإعلام ، والاكتفاء بنقد الآخر عبر خطوط اتصال رسمية تنسيقية .
وفى النهاية أسأل الله سبحانه أن يعصمنا من الفرقة والزلل وأن يجنبنا الاختلاف ، وأن يوطد أواصرنا ويجمع شملنا ، ويؤلف بين قلوبنا .. إنه ولي ذلك والقادر عليه .
------------
[email protected]
حد يفهمني إيه الفارق بين هذا التحالف الذي يريد نادر بكار أن يقوم به حزبه وبين تحالفات الإخوان مع الأحزاب الأخري ، وحد يقول لي إيه الفارق بين الكلام اللى بيقوله وبين المبدأ الذى طالما تبناه الإخوان وشتموا وانتقدوا مر النقد من السلفيين بسببه : " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه " ، كل هذا بغض النظر عن الفلسفة الفارغة من المضمون والمرتبطة بتناقضه في شرح مفهوم الأغلبية والأقلية والتكتل السياسي داخل البرلمان وآليات الديمقراطية ، ومحاولة تبريره أن التحالف الذي يطرحه ليس لضرب الإخوان أو الحرية والعدالة ...
http://www.youtube.com/watch?v=fVWVuyobkZ8
روابط بقية سلسلة المقالات عن السلفيين :
http://www.egyptwindow.net/Article_Details.aspx?Kind=5&News_ID=16360
http://www.egyptwindow.net/Article_Details.aspx?Kind=5&News_ID=16118
http://www.egyptwindow.net/Article_Details.aspx?Kind=5&News_ID=15956
http://www.egyptwindow.net/Article_Details.aspx?Kind=5&News_ID=15727

