خالد إبراهيم

أثار الحديث عن تشكيل المجلس الاستشاري ومهامه بلبلةً كبيرةً في الشارع المصري المتعطش للحكم الديمقراطي، والذي نزل بكثافة غير مسبوقة في الجولة الأولى من الانتخابات لاختيار ممثليه الشرعيين، ونتجت هذه البلبلة عن العجائب التي صاحبت الإعلان عنه، ومنها:

1- التصريحات السابقة له.. فقد صرح اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن مجلس الشعب دستوريًّا وقانونيًّا ليس له سلطة على الحكومة، ولا يستطيع سحب الثقة منها.

ثم صرح اللواء مختار الملا، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بأن الحكومة يجب أن توافق على الدستور الجديد، وأن المجلس الاستشاري المعيَّن هو من سيحدد ضوابط الدستور الجديد وأعضاء لجنته، وأن مجلس الشعب الجديد لا يمثل كل المصريين، وأكد بقاء ميزانية الجيش بعيدًا عن الرقابة البرلمانية.

ونقول: لو كان البرلمان ليس له سلطة على الحكومة فما دوره إذًا؟! ولو كانت نتائج الانتخابات لا تعبر عن الشعب فلماذا نجريها وتجريها كل الشعوب الحرة إذًا؟! وبأية طريقة نعرف من الذي يمثل الشعب ومن الذي يمثل عليه؟!

2- توقيت الإعلان عنه.. بعد أن تخلَّصت الإرادة الشعبية من علي السلمي ووثيقته المشبوهة، وأثناء ممارسة الشعب حقه في انتخاب ممثليه، وانتهائه من الجولة الأولى التي أسفرت عن نتيجة لا ترضي كل من يحاول تقزيم دور مصر العظيمة، وقيام أكثر من 50 عضوًا منتخبًا باستخراج كارنيهات عضوية مجلس الشعب بالفعل.. لماذا إثارة البلبلة في هذا التوقيت؟!

3- طريقة تعيين أعضائه.. لم يختر الشعب أعضاء المجلس الاستشاري، ولم يُستشر في تعيينهم، وهم لا يمثلون طوائفه وأطيافه المتنوعة؛ ففي الوقت الذي مُثِّلت فيه نقابة الممثلين غابت عنه نقابات: الصحفيين والمعلمين والصيادلة والأطباء والمهندسين والعلميين وغيرها (لأسباب معروفة)، ولم تُمثَّل القوى المختارة حسب أوزانها طبقًا لأحدث نتائج مجلس الشعب، بل إن أحد المختارين لعضوية الاستشاري- مع احترامنا لشخصه- ترشح لانتخابات مجلس الشعب ولم يوفق حتى في دخول الإعادة في دائرته، وإحدى المختارات ترفض التواصل مع القراء؛ حيث تغلق إمكانية التعليق على مقالاتها في الصحيفة التي تكتب بها، فكيف تُعبِّر عن الشعب؟!

4- آلية اتخاذه للقرار.. وعلى الرغم من كل ما ذكرناه من طريقة تعيين لا تعبر عن شعبية الأعضاء، فإن عجيبة العجائب أن يتم اتخاذ القرار داخل المجلس بأغلبية الأصوات؛ حيث تم النص في المادة الثانية منه على أنه: يجوز للمجلس بأغلبية أعضائه اقتراح ضم أعضاء جدد، ونصت المادة الرابعة على أن: يختار المجلس الاستشاري بالانتخاب من بين أعضائه رئيسًا له ونائبين للرئيس.

5- المبادرات والتصريحات المصاحبة لتشكيله.. فقد صرح السيد أحمد خيري، عضو المجلس الاستشاري لوكالة "أنباء الشرق الأوسط" أن المجلس ناقش في اجتماعه اليوم بعض التعديلات المطلوبة على الإعلان الدستوري فيما يتعلق بمعايير اختيار الجمعية التأسيسية التي ستكون مكلفة بوضع الدستور الجديد، موضحًا أن التعديلات المقترحة ستلبي مطالب جميع القوى السياسية ولن تسمح لتيار معين بالانفراد بوضع الدستور.

كما أعلن السيد سامح عاشور، عضو المجلس الاستشاري، عن مبادرة أثنى عليها المجلس العسكري؛ لإعداد مسودة لمشروع قانون معايير تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وقال سامح عاشور- في تصريحات لـ"اليوم السابع"-: إن هذا المشروع هو أول إنجازات المجلس الاستشاري بعد تشكيله، وسيتم تسليمه إلى المجلس العسكري لإصداره كمرسوم قانون.

6- تناقضه مع تفويض الحكومة بصلاحيات الرئيس.. في أي شيء سيقوم المجلس الاستشاري بمعاونة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أصدر منذ أيام قليلة مرسومًا بقانون يفوض فيه الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء باختصاصات رئيس الجمهورية، فيما عدا القوات المسلحة والقضاء؟! هل سيعاونه في شئون القوات المسلحة أو القضاء فقط أم ماذا، ولماذا؟!

7- الازدواجية مع اختصاصات مجلس الشعب المنتخب.. لقد جاء في المادة 33 من الإعلان الدستوري: "يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع، ويقرر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية".

كما جاء في المادة 60 من الإعلان الدستوري: "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع خلال خمسة عشر يومًا من إعداده على الشعب؛ لاستفتائه في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء".

وأخيرًا.. يخشى كثير من أبناء مصر الغيورين على ثورتها ومدنيتها ومستقبلها؛ أن يقوم المجلس الاستشاري بدور المحلل لعسكرة الوطن مرةً أخرى، وأن يتم الاعتداء على حق الشعب في وضع دستوره لنفسه وبنفسه بواسطة ممثليه المنتخبين، والذين أعلنوا أكثر من مرة أنهم لن يضعوه إلا بالتوافق مع جميع شركاء الوطن، بغضِّ النظر عن نسبة تمثيلهم أو عدم تمثيلهم بالبرلمان، ومن هنا كان لزامًا على جميع الوطنيين أن يعلنوا يقظتهم لما يدبر لوطننا الحبيب.