م / محمد شكري علوان

المشهد الحضاري الذي ظهر عليه الشعب المصري في المرحلة الأولي من الانتخابات التشريعية بجولتيها الأولي والإعادة وعلي مدار أربعة أيام ،  ألقي بالعديد من الدروس والرسائل التي يجب الوقوف عند إشاراتها ودلالاتها والتي  يمكن إيجازها في الآتي :-

أولا: الوعي الراقي للشعب المصري في غالبيته ، وتقدمه وتفوقه علي كثير من النخب ، التي مازالت أسيرة المشروع التغريبي أو الدنيوي أو العلماني ، والذي كان حصيلته علي مدار العقود الست  الماضية الفشل والقصور والإخفاق عن تحقيق أي نتائج لصالح الشعب في أي اتجاه أو مجال ، وقد تجلت رؤية الشعب في اختياراته من خلال:-
•    عدم الخضوع للإرهاب الفكري والإعلامي الذي مارسه بعض الإعلاميين وبعض ساكني الفضائيات .
•     عدم تأثر الشعب في عمومه بحالة الضبابية المفروضة من البعض من خلال الممارسات المختلفة , والتي تمثلت في تهويل بعض الأمور وتهوين أخري وتزييف حقائق وطمس معالم بقصد تشتيت الحالة الذهنية للناخب وتحقيق مصالح شخصية أو طائفية لم تعرفها مصر ولا يقرها الشعب .
•     ظهر جليا وعي الشعب في الاختيار فانحاز للبرامج الواضحة ، التي تصب في مصلحته والتي لا تنفصل عن هويته وتراثه ، فكانت النسبة العالية للتحالف الديمقراطي " حزب الحرية والعدالة وغيره من الأحزاب  "  نموذجا   للدلالة علي الوعي بعيدا عن المزايدات ، وكان نجاح رموز من التيارات الفكرية والمجتمعية علي اختلاف مرجعياتهم الفكرية علامة صحة للتجربة واستكمالا لمبادئ الثورة ( فوز " عمرو حمراوي – البدري فرغلي – مصطفي النجار – المستشار الخضيري "  وكذلك عدم اختيار " حمدي حسن – عبد المنعم الشحات – محمد شاكر  – الحليسي _ محمد يسري ..."   نموذجا  ) .
•     أن الإرادة الشعبية في مصر لها كبريائها فلا تقبل الوصاية ، ولن ترضي بالتبعية والانقياد إلي ما يخالف هويتها ومصالحها في ظل الموروث الحضاري الهائل والمتميز لها .

ثانيا : أن الرهان علي الشعوب هو الرهان الفائز ، وكل محاولة تتجاهل الشعب وقدراته مكتوب عليها الفشل , وكل خطاب  يتجاوز ميراث  الأمة الثقافي والاجتماعي أو  يتصادم مع هوية المجتمع الإسلامي ، وشخصيته ومكونات عقليته ونفسيته مصيره الضياع والتيه .

ثالثا : أظهرت الانتخابات بما لا يدع مجالا للشك قيمة الحرية وحال الناس في ظلها ، وأيضا مدي الظلم والفساد الذي ارتكبه ومارسه النظام البائد ضد هذا الشعب الكريم ، بل ضد الأمة والإنسانية فقد حُرم العالم من عطاء وإلهام المصريين خلال عقود الظلم البائدة .

رابعا : كما أظهرت الجولة أصالة المعدن المصري وتميزه ، وأن السيطرة علي الانفلات الأمني أمر ميسور،  وأن ما يسمي بالبلطجة ليست بالظاهرة الخطيرة ولا المزعجة ، فما بالنا إذا خلصت النيات وتحسن الوضع وعادت الحقوق إلي أهلها وأصبحت مؤسسات الدولة في خدمة المجتمع ، لا شك أن هذه الظاهرة ستكون أثرا بعد عين ، وسيتأكد الجميع أنها كانت صناعة بيد النظام السابق وأصحاب الأغراض .

خامسا :- أوضحت الانتخابات قدرة الشعب علي فرض وإيجاد أعراف وتقاليد جديدة ، فقد تم العزل السياسي بيد الشعب ، وبإرادة الشعب الحرة  ، علي كل من افسد الحياة السياسية في عهد النظام البائد ولعل حزب الوفد قد أُضير بمن رشحهم علي قائمته من فلول الحزب المنحل ، وهذه إضافة جيدة للنضج والوعي لدي غالبية شعبنا العظيم .

** كما أن هناك عددا من الرسائل أفرزتها  وبعثت بها المرحلة الأولي إلي كل عناصر المشهد السياسي في مصر نلخصها في الآتي :-
الرسالة الأولي :-

   انه في أحيان كثيرة يكون ذوي المصلحة في التغيير والخروج من الاستبداد والتخلف  هم أحد العقبات الأساسية أمام التغيير والتقدم ، نتيجة لما سلبه النظام المستبد منهم  ، فينظرون إلي المستقبل بعقلية الماضي ،  فيأتي الخطاب والفعل منفصلا عن الرؤية الواسعة المستشرفة لمستقبل أفضل ، فتستمر لغة  التخوين وسياسة الإقصاء والتفريق ، لذا يجب علي الجميع  إن يرتفعوا إلي مستوي الحدث وعظمة النعمة التي من الله بها علي مصر   ( حديث فضيلة المرشد د/ محمد بديع إلي عمرو الليثي  ، وكذلك د / محمد مرسي إلي وائل الإبراشي  نماذج راقية لما يجب أن يكون عليه الخطاب المصري ، بل الفعل والعمل في المرحلة القادمة ).

الرسالة الثانية :- 

إن الهم الأكبر الواقع علي كل عناصر المشهد السياسي ، والذي يجب التصدي له هو إعادة ما سلب منا  اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وأخلاقيا ،  وكيف نرفع الغربة والوحشة عن المواطن المصري ، ومليء شرايينه بدماء الكرامة والإنسانية التي هدرها النظام البائد .

الرسالة الثالثة :- 
•    يجب التعامل مع  الانتخابات علي أنها جولة تنافسية شريفة لصالح مصر  ، وليست  معركة ، وضرورة حذف كل ألفاظ الصراع والمعارك من قاموس تعاملاتنا مع بعضنا  .
•    سعة الصدر وقبول الآخر ، وترك سياسة التعالي و الإقصاء ، كما يجب التغاضي عن الزلات ، والبعد عن تهويل بعض الأخطاء  التي قد يكون مصدرها عدم الخبرة أو الحماسة الزائدة ، وخاصة مع الترصد الزائد والمبالغ فيه ضد أصحاب المرجعية الإسلامية . 
•    مواصلة حركة  المطاردة للفلول والمفسدين ، وكل من نال من كرامة المصريين وأموالهم ، ونهب ثرواتهم ، والتعاون والتعاضد لإنهاء كل حالات الفوضى ،  والعمل عل مواجهة الغلاء ، و مكافحة ظاهرة الفقر، ومعالجة  مشكلة البطالة ، وتحسين أوضاع العمال والفلاحين ، ونصرة الفقراء والمهمشين ،  و تحسين ظروف ذوى الاحتياجات الخاصة ، و تحسين أوضاع أصحاب المعاشات .


***  وأخيرا نسال  الله العلي الكبير أن يجعلها جولة كريمة هادفة واعية ، تحقق العدالة الاجتماعية ، وتعيد الحق لأصحابه ، وتجعل ثروات مصر ومواردها لكل المصريين ،.   جولة تنافسية لاختيار الأكفاء ، والمتخصصين والوطنيين وأصحاب التجارب الوطنية الخالصة.   لنعد من خلالها دستورا جديدا يتناسب وقدر مصر وشعب مصر ، دستورٌ يحفظ الحريات الكاملة لجميع المواطنين ، ويحقق العدالة وتكافؤ الفرص للجميع ، يحقق التوازن بين  سلطات الدولة الثلاث فلا تتغول سلطة علي أخري ( التشريعية – التنفيذية – القضائية ) ،  فتكون السلطة للشعب كل الشعب .