حازم سعيد :


مليونية 18 نوفمبر بعد نجاحها - وما كان لها أن تفشل بفضل الله - قدمت أكثر من رسالة فى مختلف الاتجاهات ، وهى رسائل من الضرورى أن نقف عليها لما فيها من دلالات قاطعة على روح الثورة المستمرة وعلى وعى الثوار ، ولكونها كاشفة توضح لكل طرف كم الأخطاء التى وقع فيها ..

 أما الثوار فكان لهم نصيب من الرسائل فى أنهم أخطأوا عدة مرات - كما قال المفوه - الدكتور صفوت حجازى حين تركنا الميدان لفترة ، وحين لم نشكل حكومة ثورية ، وحين لم نشكل محكمة ثورية .. ولكنا على استعداد للعودة والاستمرار ..

 

رسالة للحكومة ..

أما الحكومة فلا تستحق سوى رسالة واحدة مفادها أنك حكومة غير شرعية لم تكتسبى الشرعية الثورية ، فلا حجة فى تصرفاتك ولا دلالة ولا قيمة ، وأنت لم تشكلي بقرار من الثوار فلا عبرة بقراراتك .

وما أنت إلا لعبة فى يد غيرك تستخدمين لتمرير أباطيل فجة منها جهاز الأمن الوطني ، ولكن من الفج ما قد يمكن أن يمرر ، ومنه ما لا يقبل أبداً تمريره ، وعلى رأس ذلك الفج غير المقبول والمستحيل هو وثيقة المبادئ فوق الدستورية .

فيا أيها الحكومة اللعبة وغير الشرعية والمؤقتة .. قفى مكانك فالثوار بيدهم - بعد الله - لا بيد غيرهم يملكون إيقافك عند قدرك .

 

رسالة للمجلس العسكرى ..

أحياناً السكوت يكون فى غير محله ، وهذا هو الكلام الموضوعى فى مسألة الوثيقة ، المجلس العسكري يتصرف مع الوثيقة بشكل سلبى ، لا يؤيد .. ولكنه لا يرفض ، على الرغم من غليان الشارع المصري وفوران الثوار ، وفى هذا خصم واضح من رصيد المجلس العسكري عند المصريين .

بعض التحليلات تقول أن المجلس العسكري ينتظر نتيجة الانتخابات ، فإن اكتسح الإسلاميون وفرضوا سيطرتهم وهيمنتهم على لجنة وضع الدستور فإن المجلس سيتدخل بفرض الوثيقة وتكرار تجربة جبهة الإنقاذ بالجزائر حين اكتسحوا الانتخابات الديمقراطية فانقلب الجيش على النتيجة ودخلت الجزائر فى دوامة عنف لسنوات طويلة .

وإذا لم يحقق الإسلاميون الأغلبية فإن العسكري سوف يلغى الوثيقة ويترك الأحداث تسير كما خطط لها استفتاء التعديلات الدستورية الماضى .

وإذا صدق هذا التحليل فإن العسكري يخصم من رصيده عند المصريين بسبب هذا التصرف الخاطئ لأسباب عديدة منها أن العسكري ذاته استمد رصيده والجزء الضعيف من الشرعية " المؤقتة " بسبب وقوفه بجوار الثورة .

ولو لم يقف العسكري مع الثورة لما استمد أي رصيد ، ولكان مصيره هو برموزه اللحاق بمن مضى من العهد السابق الفاشل ، فانحياز العسكرى للثورة وحمايتها هو الذى أعطاه الجزء الضئيل " وهو ضئيل جداً " من الشرعية التى يتمتع بها الآن ، ووقوف العسكري بجوار الثورة هو الذى حمى رموزه من الملاحقة - سابقاً ولاحقاً - .

وبناءاً عليه يكون من الخطأ الظن أنه يمكن أن يقوم بالانقلاب على نتيجة اختيارات الشعب فى الانتخابات البرلمانية المقبلة ، حيث أن سيناريوهات انقلاب ضباط يوليو 52 على الديمقراطية أو تجربة الجزائر وغير ذلك من صور التحول لم يعد بالإمكان أن تتكرر لأن ثورتنا مختلفة فى أنها دفع فيها دماء ما زالت ساخنة ، وأن كثيراً ممن لم يقضى شهيداً فى هذه الثورة مستعد لأن يلحق بمن سبقه من الشهداء .. هذه حقيقة ، ورسالة قدمها الميدان بالأمس للمجلس العسكري .

من هنا فعلى العسكري أن يحدد خطواته وأن يعلن للمرة الثانية انحيازه للثورة ويقوم بتصرف آخر يسجل له فى التاريخ برفض أى انقلاب على الشرعية والديمقراطية ويلغى الوثيقة الممجوجة ويتصرف بشفافية افتقدناها منه فى الفترة السابقة .

لقد وقفنا بجوار العسكري من قبل وشجعناه وسجلنا له الاحترام - ولا زلنا - .. ولكن السكوت والصمت على التحايل والنفاق والتلون والافتئات على إرادة الشعب .. هذا السكوت يسحب من رصيده ... تلك رسالة الميدان فى مليونيته الناجحة .

 

رسالة للطوائف العلمانية

الطوائف العلمانية الباهتة والتى ليس لها رصيد عند المصريين لتعاليها وتكبرها وجهلها ، أعلنت أنه إذا لم تمرر وثيقة السلمي فإنهم سوف ينزلون للميدان ، وجعجعوا بتهديدات عديدة ، ولقد أراهم المصريون حجمهم الحقيقى فى استفتاء التعديلات الدستورية من قبل رغم سيل " المكلمة الفضائية " ورغم الشحن الطائفي لبعض متعصبى الأقباط والتى حاولوا فيها شحن المصريين قبل الاستفتاء ، رغم كل ذلك أعطاهم الشعب صفعة لم يفيقوا منها بعد .

ثم أعطاهم الميدان دروساً من قبل فى مليونياتهم الفاشلة والتى لم يتجاوز الحضور فى أكثرها نجاحاً أربعين ألف ، وهم رغم ذلك كله يحاولون الآن الافتئات على اختيارات الشعب بمبادئ فوقية تنسجم مع حالة الكبر والغطرسة التى يعيشونها والتي لم يعد لها ما يبررها ، فأعطاهم الميدان رسالة قوية وصفعة أخرى بنجاح مليونيته التى شارك فيها الثوار بجرأة وقوة أعادت لنا نبض الثورة فى العروق .

 

رسالة لمن وراء ذلك ..

من القوى الأجنبية التى تحاول فرض هيمنة أو ضغوط على الجهات الحاكمة بمصر الآن ، قدمها الميدان لهم بأن الثورة ما زالت قائمة ، وأن الشعب المصري وصل إلى مرحلة ما فوق النضج وأنه لم يعد بالإمكان خداعه أو التحايل عليه أو الافتئات على إرادته .

فلتكف تلك القوى عن رسم مصيرنا أو توجيه ثورتنا أو قرارنا ، فالثورة قامت فى الأساس ليكون قرارنا من رأسنا ، وحريتنا التى وصلنا لها لم يعد بالإمكان أن نفرط فيها ، خاصة وقد جربنا عقوداً من الاستعباد والقهر والفساد والإذلال ، ومن جرب الأمرين من المستحيل أن يفرط فى أحسنهما .

ربما تستطيعون ذلك بعد عقود مع أجيال أخرى لم تجرب إلا الرخاء والحرية ولم تعرف طعم القهر أو الاستبداد ، أما الآن فأنتم تبحثون عن المستحيل . هذه رسالة أخرى من الميدان .

 

ونهاية .. فإن نجاح المليونية أمس يقدم دروساً لكل الأطراف أن الثورة ما زالت حية تنبض ، وأن أجيجها ما زال فى نفوس المصريين باختلاف أطيافهم ، ويخطئ من يظنها مليونية إسلاميين فإن طوائف أخرى عديدة من غير الإسلاميين كحركة 6 إبرايل كانت مشاركة وبقوة ، فهى إذن مليونية ثورة لكل المصريين نجحت وقدمت درساً عملياً للسلمي ولحمزة ولثلة المنافقين وللحكومة ولكل من يحاول الافتئات على الثورة .. مفادها .. قفوا مكانكم واعلموا أن ما مضى من الفساد والنفاق والتلون وتأليه جهة ما لتكون فوق العباد والبلاد لا يمكن أبداً أن يعود .

-----------
[email protected]