د/ هشام الحمامى 

يخطىء من يظن أن أحداث ماسبيرو وليدة التطور التلقائى للأحداث ..سواء كانت كنيسة إدفو أو شىء أخر ..فما حدث له قربى ونسب فى التاريخ الحديث لوطننا الحبيب ..فخطف الأنبا يوساب وصدام جماعة الأمة القبطية مع القيادة الجديدة للبلاد 1953م .... وأحداث الخانكة 1972م والصدام مع القيادة الجديدة للبلاد.... وأحداث ماسبيرو2011م والصدام مع القيادة الجديدة للبلاد ..كل ذلك موصول الصلة بعضه ببعض ..وتجاهل ذلك أمر معيب لا يجوز على العقلاء.

والأنبا يوساب هو البطريرك الـ "115 " للكرازة المرقسية (1946-1956م) ..كان يسير على نهج سابقيه من باباوات الكنيسة ما لله لله وما لقيصر لقيصر ..وكان يتولى الشؤون الروحية لشعب الكنيسة تاركا الأمور الدنيوية للمجلس الملى .

على الجانب الآخر كان هناك شباب أقباط تأثروا بتنظيم الإخوان المسلمين فأسسوا تنظيما شبيها به وجعلوا لهم شعارا شبيها بشعارهم ..الله ربنا والإنجيل شريعتنا والموت فى سبيل المسيح أسمى أمانينا...!!

ورأوا أن البابا لا يمثل طموحاتهم ..فخطفوه وذهبوا به إلى وادى النطرون لإرغامه على التنازل عن كرسى البطريركية ..لكن الدولة تدخلت وأعادته واعتقلت هؤلاء الشباب ..منهم من هرب خارج مصر ومنهم من هرب إلى الأديرة وسلك طريق الكهنوت ..على أنهم أدركوا جميعا أنهم وضعوا السلم على الحائط الخطأ ..

وأن عليهم أن يسيطروا على الكنيسة من الداخل لا من الخارج .. تخلل ذلك صعوبات وخصومات كان أشهرها تلك الخصومة بين (انطونيوس السريانى) _البابا شنودة الثالث فيما بعد_ وبين الأب متى المسكين الذى كانت شهرته ومكانته خارج المنافسة ...

وتتطور هذا الصراع إلى حد أن البابا شنودة حاول تسميم بئر المياه التى يشرب منها الأب متى المسكين ورهبانه بالزرنيخ .

كان الكرسى البابوى هو موضوع الصراع ..الأب متى المسكين صاحب كتاب(حياة الصلوات الأرثوذكسية) لم يكن مشغولا.. بذلك لكن انطونيوس السريانى و رهبانه ظل الكرسى البابوى يمثل لهم أهمية قصوى فى مشروعهم الواعد وقد كان.... ففى 14/11/1971م جاء البابا شنودة ورجاله وهم يحملون داخلهم مشروعا ضخما (زمنياَ – سياسيا- طائفيا) يخالف تماما ما استقرت عليه الكنائس الشرقية فى التزامها برسالة النصرانية التى تقوم على خلاص الروح والوقوف عند ما لله تاركة ما لقيصر لقيصر .

فى نوفمبر 1972م كانت القيادة الجديدة للبلاد تمر بمرحلة حساسة فما بين الضغوط الداخلية من مظاهرات نتيجة لحالة اللاسلم واللاحرب وما بين التحضير لحرب أكتوبر وما بين الصراع الداخلى مع مجموعة ما عرف بمراكز القوى .. اختار البابا الجديد لحظة مواجهته والإعلان عن الاستراتيجية الجديدة للكنيسة وكانت أحداث الخانكة الشهيرة ..

مررها السادات السياسى الداهية بهدوء من جانبه إذ كانت وراءه مسؤوليات جسام ..لكنه لم ينسها لغبطة البابا ..وكان أن عزله فى أزمة 1981م ليستقر غبطته فى دير الأنبا بيشوى 40 شهرا يعود بعدها بقرار من الرئيس السابق مبارك .

اعتمد غبطة البابا على بناء تنظيم صلب وقوى داخل الكنيسة ..واعتمد على القوة التأثيرية النافذة للمال والذى جاء مع توكيلات ضخمة فى سياق الانفتاح الاقتصادى ذهبت من خلال مكتب البابا إلى أسماء بعينها وعائلات بعينها ..

وحاز البابا فى يديه السلطة الدينية ممثلة فى الإكليروس والسلطة المدنية ممثلة فى المجلس الملى الذى توزع عليه رجاله الجدد.

قامت على إثر ذلك علاقة مليئة بالمداهنة والممالأة بين نظام مبارك و البابا ..على حساب التماسك الاجتماعى ومصالح الوطن الكبرى ..

وحين بدأ التمهيد لمشروع التوريث تقدم غبطة الباب بصفقة عمره وأعلن فى مخاصمة كاملة للمصريين ..أنه لا يرى فى مصر أصلح من جمال مبارك لحكم مصر فى المستقبل !! وتهامست أصوات عديدة عن صفقة يجرى التحضير لها قد تؤثر على الوضع الإقليمى كله ..إلا أن ذلك لم يعدو كونه همسات ..

حين قامت ثورة يناير دعا البابا جموع الأقباط إلى عدم المشاركة فيها لأسباب خفية فى علاقته بالنظام السابق ولأسباب معلنة فى أنه ليس فى الأدبيات المسيحية خروج على الحكام.. (ماذا نسمى ما حدث فى ماسبيرو).

لكن الله سبحانه وتعالى أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون...فكان أن اختفى النظام السابق بمشروعه ووعوده واتفاقاته مع هذا وذاك . وبقيت مصر وشعبها الكريم وجيشها العظيم .

لكن الأمر على ما تم عليه لم يأت على خيال غبطة البابا ورجاله فى أى لحظة من لحظات اليقظة والمنام ..

وبدأت مصر تستعد لارتداء ثوبها الجديد المنسوج من خيوط الحرية والكرامة و العدالة . وبدا أن هناك من لا يسعده ذلك بحال من الأحوال ..

ولأن التاريخ هو التاريخ ... إذا بمصر تفاجىء بتكرار ما حدث فى نوفمبر 1953 م ونوفمبر 1972 م..

 وتخرج الأوامر إلى التنظيم بإشعالها حريقا..فكانت أحداث ماسبيرو فى أكتوبر 2011.فى مواجهة القيادة الجديدة للبلاد كما حدث فى المرتين السابقتين .. فهذا هو أفضل وقت للحصول على ما تريد ..

المتكرر عدو نفسه كما يقولون ..فكانت هذه المرة عنيفة وبائسة وخاسرة..وعلى قدر الخسارة التى حلت على غبطة البابا جراء كابوس ثورة يناير على قدر العنف الذى رأيناه ..

لا أسوق ملامى إلى غبطة البابا فمواقفه فى مثل هذه الأوقات التاريخية معروف ..

لكنى أسوق عتابى ولومى إلى إخوتى الأقباط زملاء وأصدقاء وجيران..هل هذا هو الوقت المناسب للتعبير عن مطالب قد نتفق ونختلف حولها .؟

ألا ترون أننا فى مرحلة دقيقة وحساسة تحتاج منا جميعا إلى العمل للخروج منها بسلام .؟

لم لا تنتظرون حتى مجىء البرلمان والحكومة واستقرار مؤسسات الوطن ..؟

كيف طوعت لكم أنفسكم الانسياق إلى أوامر من لا يعنيه المستقبل أمام حسرته ولوعته على أوهام تبددت فى الهباء المنثور .؟ ويريد أن يشعلها لهيبا من حرائق لا تنتهى ..ثأرا وانتقاما من الجميع .؟

يا إخوتى الأقباط مصر الكبرى تنتظرنا لنعيد لها مجدها التليد ..

الماضى مضى وانقضى وأمامنا الآن مستقبل واعد ينتظر منا الوحدة والاستقواء بعضنا ببعض ..

وبالمناسبة صاحب الخيبة الإعلامية الذى عمل على تسريب الخبر الكذوب على لسان كلينتون بفرض حماية على بيوت العبادة فى مصر كان مشهده بائسا و(عبيطا) للغاية .

ويا غبطة البابا ... لترعى الله فى وطنك وشعبك .لقد تغيرت الدنيا ..مصر الآن تستعد لكتابة تاريخ جديد لا مكان فيه للمؤامرات التى كانت فى الزمن القديم ..

انصح غبطتكم بالاطلاع على نظرية الثياب البالية لتوماس كارليل.