د/محمد صبحى رضوان

يقولون إن براقش كانت كلب تقوم بحراسة المنازل والحقل خير قيام , كانت تصيح وتنبح وتطارد المارة من الغرباء وتكاد تفترس اللصوص والأشقياء ولم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها أو المرور في طريقها !

وكان صاحبها قد علمها أن تسمع و تطيع أوامره إن أشار إليها بالسبابة سمحت لضيوفه ومعارفه وإن أشار إليها بالوسطى انطلقت كالصاروخ فلا تعود إلا والفريسة بين يديها ممزقة الأشلاء ..

فإذا ما أقبل الليل ناموا وهم آمنون , لأن براقش تحميهم وتسهر طول الليل تحرسهم !

وفي ليلة ظلماء ... هجم الأعداء على بيوت أصحابها ومنازلهم .

فصاحت براقش و نبحت نباحا متواصلا .. فاستيقظ قومها وفروا إلى مغارة بالجبل القريب من قريتهم

وجرت براقش معهم وبحث الأعداء عنهم فلم يجدوهم  فأرادوا العودة من حيث أتوا واطمأن أصحابها

وأيقنوا أنهم قد أمنوا شر الأعداء بفضل براقش , لكن براقش راحت تنبح  فأشار إليها أصحابها بالسكوت لكنها لم تفهم الإشارة وراحت تنبح نباحا متواصلا , وعاد الأعداء وعرفوا مكانهم وقضوا عليهم .

و كانت براقش هدفا لضربة قاتلة مزقتها شر ممزق , وكانت سببا في القضاء على قومها لقد كانت كمن يضئ الأنوار في وقت الغارة وهكذا على نفسها جنت براقش .

اذا اردت تلخيص المشهد الأن فى مصر فيمكننى ان أربط بينه وبين القصة السابقة فالجميع منذ 25 يناير الى اعلان نتيجة استفتاء 19 مارس (الخاص بالتعديلات الدستورية وخارطة طريق المرحلة المقبلة ) كانوا يعيشون من كلمة ( يقولون ) حتى كلمة ( وفى ليلة ظلماء ) فى القصة السابقة مع بعض الفروق .

الكل على مختلف انتماءاتهم كان يحملون هما واحدا ويدعون الى اهداف واضحة بدأت بتغيير - حرية - عدالة اجتماعية ومرت بالشعب يريد اسقاط النظام وتطهير البلاد وانتهت بالشعب يريد محاكمة السفاح .

وأعلن الجميع وقتها التزامهم الكامل بما ستسفر عنه نتيجة الاستفتاء (ويمكنكم الرجوع الى تصريحات شباب الثورة وعلمانيي مصر وليبرالييها ) للتأكد من قولهم هذا , وكان الاسلاميون وفى القلب منهم الاخوان المسلمين وبعض الأحزاب والقوى السياسية من وجهة نظري أكثر تعقلا وانضباطا والتزاما بما اتفق عليه الجميع وما اختاره الشعب المصرى بقوله نعم فى الاستفتاء.

وفجأة بدأ المشهد الأخير من قصة براقش فى الظهور فبدأ العلمانيون والليبراليون ومعظم شباب الثورة وبعض القوى السياسية فى الصياح والالتفاف ونقض العهد ونكث الوعد والتراجع فخرجوا علينا تارة بتأجيل الانتخابات و أخرى بالمجلس الرئاسى و ثالثة بالمبادئ الفوق دستورية , حتى بلغ بهم المشهد ذروته ووصلوا الى الاتهام المباشر والاحتكاك الغير لائق بالمجلس العسكرى الذي حمى وما يزال يحمى الثورة .

 كل هذا ظنا منهم أن الفضائيات المفتوحة والقنوات المسخرة والأموال المغدقة سوف تحقق لهم ما يريدون وقد تناسوا أن النظام البائد كان يفعل نفس الشئ ويكرر نفس المشهد وكان بعضهم  من أكبر المنتفعين من وراء هذه الممارسات برضى وهوى هذا النظام بل كان البعض منهم أداة  من أدوات النظام فى ذلك الوقت .

وفى جمعة 29 يوليو ( جمعة الوحدة والشرعية الشعبية ) أراد الاسلاميون أن يلفتوا نظر هؤلاء أنهم على العهد والوعد وباشارة خفيفة ولطيفة يهمسون فى آذانهم ويقولون لهم أننا القوة الشعبية الحقيقية فى الشارع والميادين التى تصنع المليونيات وتدافع عن الثورات وتحمى ظهور المعتصمين وأننا الثمرة الحقيقية والمعبرة عن شعب مصر المسلم المتدين , ومع كل هذه الحقائق كنا ومازلنا وسنظل نمد أيدينا للجميع لنكون معا صناع الثورة وبناة مصر وأمل المستقبل للمنطقة العربية كلها . فهل ستتدارك براقش خطأها أم ستكرره  وهل سيفهم العلمانيون الرسالة وهل سيستفيق شباب الثورة ويعود الجميع الى ماكانوا عليه فى 25 يناير هذا ما أتمناه وأسأل ربى جل فى علاه أن يتحقق .