28/03/2011

 شعبان عبد الرحمن (*)  

كنت أشعر بشيئ مريب وراء الحالة الهستيرية التي انتابت البعض ممن كانوا يعارضون التعديلات الدستورية حتي فك لي المحامي الأستاذ عصام سلطان بعضا من اللغز عندما كشف بالصوت والصورة مساعي فريق  من العلمانيين او الليبراليين ( سمهم ما شئت ) ل" تظبيط البلد "  قبل أي انتخابات حتي لا يفوز الإخوان فيها بالأغلبية ".. روي عصام سلطان  ما جري معه في ذلك المؤتمر الذي استضافته فيه صحيفة المصري اليوم  قبيل التعديلات الدستورية والذي تم فيه حشد أكثر من ألفين من الجماهير ورأست جلساته المستشارة تهاني الجبالي.

 (من أول الأصوات التي انطلقت ضد التعديلات قبل انجازها ) وحضرته مجموعة من الليبراليين ودفعت تكاليفه جهة أمريكية وفق تصريحات عصام سلطان التي تم بثها علي اليوتيوب .

يقول عصام سلطان:   بمجرد إعلاني في بداية كلمتي عن تأييدي للتعديلات الدستورية ، انهالت علي الشتائم والسباب من كل مكان من قبل جمهور الحاضرين... وبعد أن انتهيت من كلمتي وخرجت التف حولي البعض وقال لي المخرج خالد يوسف : بصراحة يا عصام أنت صدمتني برأيك .. إحنا عايزين " نظبط البلد  " قبل أي انتخابات وقبل إعداد الدستور حتي لا يستولي الإخوان علي الأغلبية " .. وعلق عصام قائلا : هذا كان منطق الحزب الوطني وكان منطق احمد عز " تظبيط البلد " .. انتهي كلام عصام سلطان الذي وضع بؤرة ضوء قوية علي طريقة تفكير فريق مهم من الليبراليين يضم مستشارين وسياسيين وكتاب وتقوده صحيفة يومية في العمل بكل ما أوتوا من قوة سياسية وإعلامية لقطع الطريق علي الإخوان المسلمين أو لشلهم أو عزلهم سياسيا إن أمكن . وهنا يمكنني أن افهم سر حملة الأخبار الملفقة التي تنشرها " المصري اليوم " بين الحين والآخر ومنها خبر قيام المرشد العام لجماعة الإخوان بتجاهل طابور الاستفتاء والدخول للجنة الاستفتاء مباشرة مما قوبل بامتعاض الناخبين وهو خبر ملفق جملة وتفصيلا و ردت عليه صور المرشد العام بين صفوف الجماهير .

والتفكير بهذا الشكل يمثل  خطأ قاتل أقول قاتل لذلك الفريق وكل المتحالفين معه من العلمانيين بشتي فئاتهم والمتعاطفين معه من التيار اليساري بشتي تصنيفاته ، ويبدو أن هؤلاء ظنوا عندما هرعوا إلي ميدان التحرير للمشاركة في الثورة كمصريين وعلت حناجرهم كثيرا عبر الفضائيات ودوت مقالاتهم في الصحافة ضد الظلم والفساد والمطالبة بحكم ديمقراطي عادل لجميع فئات الشعب ، أقول ظن هؤلاء بعد نجاح الثورة أنهم الوريث الطبيعي للحزب الوطني ومنظومة الحكم السابق وكانت أول أفكارهم في وراثة هذا النظام هو " تظبيط البلد " لقطع الطريق علي الإخوان . بالطبع فإن آليتهم في " التظبيط " تختلف كثيرا عن الحزب الوطني التي اعتمدت الأسلوب البوليسي والضغط الأمني الرهيب متزامنا مع الحملات الإعلامية الشرسة أما هؤلاء فيعتمدون ن علي الحملات الإعلامية المضللة ويستغنون الضغط الأمني بالدعم الأمريكي في صورة معونات لدعم الديمقراطية فقد أعلنت الولايات المتحدة عن تقديم 160 مليون دولار دعما للديمقراطية وبالتأكيد فإن هذا المبلغ المعلن موجه لأصدقائها ورجالها في " تظبيط مصر " .

لقد تولدت لدي كغيري  من جموع المصريين خلال وبعد ثور 25 يناير ثقة في أن كل ألوان الطيف المصري دون استثناء ومنهم   المخرج خالد يوسف  بالطبع استوعب درس الثورة جيدا وسيمارس العملية السياسية بشفافية ومصداقية ونظافة بعيدا عن ألاعيب العهد السابق العفنة  وسيرضي بنتائجها مهما كانت علي غير هواه و كان الأولي بهؤلاء وقد اكتسبوا شرعية جديدة كغيرهم من الثورة ومن الشعب أن ينطلقوا من  هذه الشرعية وهذه الثقة  ويتحركوا بين الجماهير لا بتلفيق القصص ولا بالاستناد للدعم الأمريكي ولا بتشويه الآخرين وإنما بعرض أفكارهم ورؤاهم علي جماهير الشعب المصري التي ثبت ذكاؤها ووعيها وأثبتت أنها لا يمكن خداعها ا لا " بشنطة أكل " و لا ب" شعار ملصوق علي باب مسجد "  ولا أي شيئ من هذه الادعاءات المغلوطة فقد كرر هؤلاء المروجون نفس ما روجته  منظومة الحكم السابق عن " كنتاكي التحرير"  وتوزيع " المئة دولار"  لكل متظاهر .. كرروها بشعارات أخري المهم أنها جميعا تصب في تشويه الإسلاميين وفض الناس عنهم أو تخويفهم منهم. كان الأولي بكل المعارضين للتيار الإسلامي والمناوئين له بل والرافضين لوجوده من الأساس أن يمارسوا موقفهم بين الجماهير ويروجوا لبضاعتهم ومواقفهم بين تلك الجماهير بشفافية ونزاهة وشرف لكن هذا الفريق وغيره ممن علي شاكلته ضيعوا – في رأيي – فرصة كبيرة واستبدلوا بالتحرك بين الجماهير التحرك علي الإخوان.

إن فريق " تظبيط مصر " هو نواة لتيار واسع تتفاوت درجات معارضته للإخوان .. بين متخوف من الإسلام والإسلاميين عموما ورافض لهما معا ومتشكك فيما سيفعله الإخوان مستقبلا ومتخوف علي الثورة ومستقبل البلاد منهم وكل تلك الصور من المواقف مشروعة لكن علاجها يكون بالحوار المباشر والشفاف أمام الجماهير لتكتشف بنفسها زيف المزيفين وضلال المضللين وصدق الصادقين.. أما أن يتحرك فريق ليفكر وينفذ ما يراه وبدعم أمريكي نيابة عن الشعب كما فعل السيد خالد يوسف وفريق " تظبيظ مصر " فذلك هو الفشل .

إن كان الحزب الوطني عبر ثلاثين عاما ومن قبله عبد الناصر ومن قبله حكومات العهد الملكي فشلوا في ذلك. فأنظمة الحكم الملكية والجمهورية المتعاقبة وان اختلفت في مجمل سياساتها اختلافا جذريا إلا أنها توافقت علي سياسة واحدة تجاه الإخوان وهي هي " تظبيط مصر " لقطع الطريق علي الإخوان ومن يقرأ التاريخ جيدا سيكتشف بسهولة أن كل العهود ( ملكية وجمهورية ) قامت بتنفيذ هذه السياسية بإحكام وإن اختلفت طرق الأداء فالنقراشي مثلا قام بحل الجماعة  عقابا لها علي المشاركة في حرب فلسطين وتجريد حملات اعتقال واسعة ضدها وعبد الناصر جرد أقسي حملات اعتقال ضدها محاولا اجتثاثها عن بكرة ومبارك كرر نفس الحملات ولكن لمحاولة شل  الجماعة واجهاض تقدمها بعد أن استعصت علي الاجتثاث  .. وقد نجحت تلك السياسات كلها علي المدي القصير ولكنها  فشلت فشلا  ذريعا علي المدي البعيد وما نشهده اليوم خير دليل ،  وكان ينبغي علي ألا يخفي ذلك علي ذكاء المتحركين الجدد ل" تظبيط مصر "  ضد الإخوان !

لقد ظن بعض العلمانيين بعد نجاح الثورة أن الساحة باتت خالية وأن من يسبق في الإسراع بالعودة إليها سيحجز المساحة التي يريد ونسوا أن تلك الساحة ممتلئة منذ سنوات بقوي حية وفاعلة وهو ما أثمر تلك الثورة والإخوان في القلب منها .. هكذا ينطق الواقع.

إن ألاعيب النظم الشمولية الفاسدة التي تم التسويق لها بشعارات تدغدغ المشاعر لم يعد لها سوق في مصر ولم يعد يجدي مع هذا الشعب أي محاولات " للتظبيط "  فشعب قام بثورة كثورة 25 يناير اذكي وامهر وابرع ممن يظنون به غير ذلك .

وإن أوهام " التظبيط " تصلح لتكون سيناريو رديئ  لفيلم يحوله المخرج المبدع خالد يوسف إلي فيلم الموسم !

________

(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية