27 / 02 / 2011

حازم سعيد :

أما أن يسرقوها وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل خمسة وعشرين يناير ..فهذا ما لن يكون بإذن الله ، إنما أخاف أن يهدأ الثوار أو يقوم المنتفعون بتحييد مطالبهم لمسارات أخرى غير ما نحب ، أو يلتفوا حول المطالب بشكل يعفي المفسدين من الحساب والمحاكمة التى تنتظرهم على يد الثوار .
وأما من يسرق ممن ؟
فالمسروق منه هم نحن كل المصريين - لا الإخوان وحدهم - رغم الدور الأكبر الذى لعبه الإخوان قبل وأثناء وبعد الثورة .. إلا أن الإخوان أكدوا أنهم أحد الفصائل والقوى الوطنية المشاركة بالثورة .. حتى ولو قدرت شخصياً دورهم بنسبة تقترب من الثمانين أو التسعين فى المائة .. إلا أنه يبقى تقدير شخصى ، ليس أكثر من ذلك .
وأما السارق فهم مجموعة من المرتزقة المنتفعين بالأوضاع الفاسدة فى مصر .. إنهم فلول النظام البائد الذين عاشوا كالطفيليات على جسده واقتاتوا على حساب شعب مصر الحر الأبى الذى طالما سميته بالمنكوب .. بسبب قيادته السابقة والتى سرقته وسجنته داخل الوطن الكبير مصر .
وأما أسباب مخاوفى فكثيرة :
يأتى فى مقدمتها مجموعة من الأحداث تجعل أمثالى ممن تربى فى ظل حكومات الحيل والألاعيب والخداع قلقاً حيراناً ، وهى رغم كونها حوادث فردية .. إلا أن تواليها وتتابعها ينبغى أن يوقظنا وينمى روح التحفز الثورية التى لا يجوز أن ننفك عنها ، تمثلت مجموعة الحوادث فى :
قيام ضابط المعادى بضرب سائق نقل بالرصاص لمجرد اختلاف حول من يسبق فى الطريق ، تصريحات مدير أمن دمنهور والتى بثتها مواقع النت ويعبر فيها عن احتقاره للثوار وأنه بمثابة سيدهم وأنه سيقطع يدهم ، قيام رئيس الوزراء أحمد شفيق بمنع حلقة إبراهيم عيسى باتصالات شخصية منه لأنه انتقده ، وكذلك إجبار محمود سعد على تسجيل مقابلة مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وعدم إذاعتها مباشرة مع إصرارهم على أن يقوم باستضافة أحمد شفيق رغم عدم قناعته به مما ألجأ الإعلامى الحر إلى فسخ عقده مع التليفزيون المصرى ، انتهاك حق المهندس خيرت الشاطر فى محبسه بعد مجاورة عز والعادلى له مما أصابه بأزمة قلبية ..
كلها حوادث متتالية على مدار يومين بالتمام والكمال تقول للثوار : احذروا فإن ثورتكم فى خطر ، لأنها كلها تدل على العقليات العقيمة التى ما زالت موجودة وتدير شئون البلاد ولا تفقه ما أحدثته الثورة بنفوس المصريين من العزة والكرامة ، ويبدو أنها لم تستوعب الدرس حتى الآن .
يأتى من ضمن الأسباب : التلكؤ والتباطؤ الرهيب بدون أى مبرر من قبل المسئولين فى إصدار قرارات لا تحوجهم إلى تفكير أو حسابات بالإفراج الفورى عن المعتقلين السياسيين ، والذين ظلموا فى العهد المباركى البائد ظلماً بيناً ومن ضمنهم ضحايا المحاكمات العسكرية الشرفاء وكذلك ضحايا الجماعة الإسلامية الذين عوقبوا على قتل السادات بأحكام قضائية ثم دخلوا بعدها دوامة اعتقال دون جريمة ، فكيف تعاقبهم الحكومة الظالمة مرتين ؟ وغيرهم كثير من الشباب الذين اعتقلوا بلا ذنب ولا جريمة ولا حتى توجيه اتهام !!
من الأسباب أيضاً التلكؤ والتباطؤ فى إلغاء أو تجميد قانون الطوارئ ، والذى يعد السجان الأكبر فى بلدنا مصر ، والذى طالما أحنى رؤوساً وظلم شباباً وكهولاً ، بحجة الأمن .. والأمن الحقيقى والسلام بريئان منه .
من أسباب خوفى عدم الإشارة بأى صورة إلى بقية مطالب الثوار ، أو أنها سوف توضع فى الحسبان أو سوف يكون لها جدولة زمنية ، من أمثلة : محاكمة قادة جهاز أمن الدولة أو حله أو تفكيكه ، وكذلك محاكمة باقى رموز الفساد للحكومة السابقة ، وعلى رأسهم المفسد الأكبر الديكتاتور المخلوع ، وأيضاً رحيل حكومة شفيق الذى جاء بقرار من الطاغية المخلوع ، فكيف يكتسب شرعية وهو معين من مفسد وطاغية وغير شرعى ؟
كذلك من أسباب خوفى كثرة ما يتواتر عن الطابور الخامس وتدبيراته ومؤامراته على الثورة ، والوثائق التى تؤكذ هذا الموضوع ، ومن بينها وثائق أمن الدولة التى تكشف عن مخططات لإشاعة الفرقة بين عناصر الثورة أو بين السلفيين والإخوان .. إلى آخره ، وكذلك استدعاءات أمن الدولة فى بعض المدن والأقاليم لعناصر سلفية محرضين لهم بالتواجد بقوة فى الشارع لينافسوا الإخوان ..
يأتى من ضمن أسباب مخاوفى الإشاعات والتى تترى ونتلقى بسببها اتصالات خوف وفزع من مصريين بالداخل والخارج قلقين على أمهم مصر من الالتفاف على ثورتها ، من بين هذه الشائعات استمرار عمر سليمان بأداء مهام منصبه أو أن شفيق يراجع مبارك فى كل قراراته أو السماح لزكريا عزمى بالبقاء أسبوعين بمقر الرئاسة ليدمر أى أثار أو مستندات قد تتسبب فى محاكمته هو أو رئيسه المخلوع ... إلى آخره من الشائعات ..
إذا استعرضت عزيزى الثائر هذه الأسباب وازداد خوفك معى على ثورتنا من السرقة أو التحييد ، فأحيلك لمجموعة من النصائح فكرت فيها أقدمها لى ولك حتى لا تنثنى إرادتنا ولا تخضع للطابور الخامس :
1. استمرار الروح الإيمانية التى تحلينا بها فى فترة الثورة ، وعدم التخلى عن كتاب ربنا أو الصلوات فى الجماعة أو الصيام أو العبادات التى مارسناها بحب وإقبال واستشعار لمعية الله سبحانه ، فليست هذه أوقات الفتور ، بل هى أوقات المرابطة والثغور ، ولقد استشعرنا جميعاً معية الله منذ اللحظات الأولى للثورة وحتى يومنا هذا ، فلا ينبغى أن نفرط فى هذه المعية ولا فى هذه الروح الإيمانية العالية التى انتابت الجميع .. ثبتنا الله جميعاً على الهدى والإيمان .
2. استمرار التجرد والتوحد والألفة التى سادت بين المصريين أثناء الثورة ، وعدم الانخلاع منها وعدم تفريق الكلمة أو تمزيقها ، ولا سيما فى المشترك من الأعمال ، صحيح أن لكل فصيل شارك فى الثورة أجندته الخاصة به ، ومنطلقه الذى انطلق منه ، إلا أننا جميعاً توحدنا وما زلنا على مطالب مشروعة لنا جميعاً ، وهى جزء من أجنداتنا كلنا ، فعلينا ألا نتخلى عنها أو نتفرق ونتشرذم .. فالذئب يأكل من الغنم القاصية ، والشيطان من الواحد قريب ومن الإثنين أبعد ، أؤكد على الثوار أن يحذروا من الفرقة والاختلاف ، وأن يتمسكوا بالوحدة والاعتصام .
3. الثبات والعزيمة والجرأة والشجاعة .. مكتسبات لنا أثناء الثورة التى أحيت فى نفوسنا حس الثائرين وروحهم الوثابة ، فلا ينبغى أن نركن مرة أخرى أو أن تهدأ عزيمتنا ، فالطابور الخامس يسعى حثيثاً وجاهداً حتى تستمر منافعه من الأوضاع الفاسدة ، وهو لا يهدأ ولا يركن ولا يقر له جفن منذ أن قامت الثورة حتى يوهنها ويشتتها .
4. استمرار التظاهرات السلمية الفعالة ، والعمل على حث روح الثورة وإشعالها فى نفوس المصريين كلهم ، مع توضيح المطالب بصورة علمية وعملية ومنطقية هادئة ، حتى لا تتفرق كلمة المصريين ولا يبعدوا عن مساندة الثوار ، مع الحذر من الدخول فى جدال مع الآخرين أو المناقشات العقيمة ، حتى لا نفقد تعاطف الناس من حولنا .
5. الحذر من الاعتصامات الفئوية المحدودة ، ولاسيما أثناء أيام العمل ، لما يترتب عنها من تعطيل للمصالح ، وتشتيت للثورة والثوار عن مطالبهم ، ويتعذر بها الجيش عن تنفيذ المطالب .
6. التفكير فى مشاريع صالحة لمجتمعنا وبلدنا على غرار حملة النظافة والتجميل التى قام بها شباب الثوار وفى القلب منهم الإخوان فى كل أنحاء مصر ، وهى المشاريع التى تثبت للناس أجمعين حرص الثورة والثوار على بقاء هذا البلد نظيفاً جميلاً ، وتؤكد سمو مطالب هذه الثورة وأنها تحرص على مصر والمصريين .
7. فضح الظالمين ومؤامرتهم ودسائسهم على غرار الوثائق التى سربت من فروع أمن الدولة التى احترقت فى جمعة الغشب وما تلاها ، وأثبتت قذارة وحقارة هذا الجهاز ، وما كان يحيكه من دسائس ومؤامرات ، لأن ذلك يكشف للناس عن خطورة مثل هذا الجهاز ، وكذلك الفيديو الذى ظهر لمدير أمن دمنهور وأشرت إليه فى مقدمة المقالة ، وكان سبباً رئيسياً فى عزله وإبعاده عن منصبه وتعيين غيره بدلاً منه .
8. النت والفيس بوك وخلافه لهم دور هائل الآن فى تشكيل الوعى واللا وعى الخاص بالمصريين ، ولكن ذلك كله لا ينفى أهمية دور الشارع واحتكاكنا به وتوغلنا فيه ، فهو الداعم الحقيقى للثورة ، ولو كان الأمر مقتصراً على جماهير الفيس بوك مهما كثروا لما كانت هذه الثورة ، فما تحركت الثورة ونمت إلا بعد التفاف الشارع حولها .
9. الحذر من الدسائس التى تحاك وتدبر بليل حتى تبث روح التفرقة بين الجيش والشعب ، وما حدث بالأمس القريب من إصرار بعض الشباب والذى تبين وجود بعض البلطجية المندسين بينهم وإلقاؤهم الحجارة على الجيش وهتافاتهم ضده - بحسب المتحدث الرسمى للجيش - ، وتعجل عناصر الشرطة العسكرية بتفريقهم بالقوة .. أقول إن ما حدث بالأمس ما هو إلا أحد مظاهر هذه المحاولات والمؤامرات للتفرقة بين الجيش والشعب ، والإصرار على أحد أهم مكتسبات الثورة بأن " الجيش والشعب إيد واحدة " .
10. الحذر من الطابور الخامس وفلول النظام السابق ، وجوقة المنافقين المطبلين من الإعلاميين الذين هاجموا الثورة فى الباداية والآن يحاولوا ركوب موجتها ، حتى أن الأهرام جريدة النظام السابق والتى طالما شتمت الثوار واتهمتهم بأفظع التهم تكتب بعد رحيل الطاغية المخلوع : " انتصرنا " ، فياله من نفاق ، وياله من ركوب رخيص للموج ، فالحذر الحذر من أمثال هؤلاء ، فهم لا يؤمنون أبداً ويتلونون على كل لون ، ولا يهمهم مصلحة مصر أو الثورة ، كل ما يهمهم هو أموالهم ومناصبهم التى اكتسبوها فى ظل عهود الفساد .
11. الإصرار على مطالب لو عدنا بدون تنفيذها فلنعلم جميعاً - نحن الثوار - أننا نسلم رقابنا للمشانق ، وخاصة ما يتعلق بجهاز أمن الدولة وضرورة حله وتفكيكه ومحاكمة قياداته ، لأنهم هم الطاعون الذى جر على البلد العديد من الويلات ، ويأتى معه حذو القذة بالقذة تجميد قانون الطوارئ أو إلغاؤه أو إيقاف العمل به ، سمه ما شئت .. ولكن لابد من إنهاء صلاحيته من بلدى مصر .. مطالب لابد منها ولن نعود من الميدان بدونها .
حاولت جاهدا فى هذه المقالة أن أحذر الثوار .. وكثير كتبوا قبلى أن الثائر الذى يعود من منتصف الطريق فإنما يسلم رقبته لحبل المشنقة ..

أيها الثوار .. لن نعود من ثورتنا إلا بالنصر الكامل على المفسدين .. برحيلهم كلهم ومحاكمتهم والقضاء على كل بقايا عهودهم الفاسدة من قوانين جائرة وأحكام ظالمة .. هذا مطلب نفسى هام ينبغى أن لا ننفك عنه .. وفقنا الله جميعاً وسددنا وأيدنا .. اللهم آمين .

________

[email protected]