01/11/2010
م / أسامه سليمان :
تتسارع الأحداث في مصر هذه الأيام، وكلها للأسف بفعل مَن لا يريدون خيرًا للوطن وأبنائه، والمصيبة ليست في فساد أخلاقهم أو ذممهم، لكن عظم المصيبة يكمن في شيئين، الأول ضرب الدستور والقانون في مقتل من خلال الاعتداء المستمر على المحاور التي قام عليها الدستور؛ ألا وهي الحرية، والعدالة، والمساواة، والثانية هي توجيه المؤسسات الحكومية لتحقيق هذه المصائب.
هذان الشيئان أديا إلى تكميم الأفواه، وتعطيل الطاقات، وهجرة العقول، وإيثار السلامة، ما حوَّل الدولة إلى "ثلاثة ناقص واحد"، أي أرض ونظام بلا شعب، أو قل وغاب الشعب الذي من أجله النظام والأرض.
فالحرية عصف بها النظام من خلال استمرار قانون الطوارئ ضد الشعب ثلاثين عامًا، والإصرار على محاكمة المواطن أمام محاكم استثنائية، وحرمان أي مواطن معارض من ممارسة حقوقه السياسية، وتشكيل لجنة شئون الأحزاب برئاسة أمين الحزب الوطني، انتهاءً بتكميم كل الوسائل الإعلامية، ومنع رموز ورؤساء تحرير من حرية التعبير عن الرأي، وحرية التصويت بممارسة التزوير الممنهج.. إلخ.
والعدالة أُهينت بعدم احترام أحكام القضاء، وبطء العدالة، ومحاكمة المذنبين من المحتاجين والفقراء ومن لا ظهرَ لهم.. مع إعفاء الأغنياء والمسئولين ومن لهم ظهر، والكارثة في تشريع القوانين وتوجيه المشروعات مع ميزانية الدولة لصالح نخبة رجال الأعمال التابعين للسلطة دون غيرهم، إلا إذا سرت في فلكهم، ونفذت تعاليمهم، وليس قانون الاحتكار والخصخصة وبيع أراضي الدولة منَّا ببعيد.. إلخ.
أما المساواة فلم يعد (1 + 1 = 2) في "وطني"، وهناك اعتبارات أخرى صرَّح بها رئيس الوزراء في تعاطي الديمقراطية؛ فالتعيين في الهيئات القضائية والدبلوماسية وغيرها يحتاج إلى أشياء أخرى غير الكفاءة والخبرة والتخصص والكل يعلمها، والخلل في الأجور لصالح فئة قليلة جدًّا على حساب السواد الأعظم من الشعب، ومخالفات المرور التي لا تطبق على فئات معينة تجاوزت 15 فئةً مستثناةً من مخالفة القانون.
والمصيبة العظمى هي توجيه مؤسسات الدولة إلى التلاعب بالسمات الثلاثة للدستور، وكأنها دُمى في أيادي َمن لا يريدون خيرًا للوطن، وإذا سألت مسئولاً لأيٍّ من هذه المؤسسات أو موظفًا فيها عن الخطأ أو القصور الذي يرتكبه، قال- لك بفخر ومنهم من يقولها بحرج- "أنا عبد المأمور"، وتنهار الدولة بكل قيمها وتاريخها باسم هذا المصطلح المصري، الذي أهان كل مؤسسات الدولة، ومَن يعمل فيها، ومنهم وكيل النيابة الذي سهر الليل، وأتعب نفسه في التحقيقات، ولسان حاله يقول إن المتهم الذي يجلس أمامي بريء.. لكني في انتظار "تليفون"، وأنا لست إلا موظفًا، ويصدر القرار بحبس البريء 15 يومًا على ذمة التحقيقات، التي يعلم سلفًا أنها لا تساوي الورق المكتوبة عليه ويستمر التجديد، ويحاكم البريء بنفس التهم مرارًا وتكرارًا بالمخالفة للقانون الذي نحتكم إليه.
وهذا رجل الأمن أيًّا كانت رتبته أو درجته يُجبر على ممارسة مخالفات لا تليق به، ويأباها ضميره وأخلاقه في معاملة المعارضين لسياسات النظام الحاكم، وخصوصًا في توجيه الاتهامات الباطلة للمعارضين؛ للتضييق على أرزاقهم، أو التعسُّف في نقلهم أو التزوير في أية انتخابات يقرها الدستور والقانون، ويئنون بالشكوى إلى رؤسائهم أن ما يحدث يخالف ضمائرهم، ويحبط أداءهم و"لا حياة لمن تنادي".
هذا قليل من كثير يئن به أصحاب الوظائف الحكومية من التدخل الأمني، والتعسف الإداري الذي يأخذ بالوطن إلى الخلف في مستنقع التخلف والرجعية والفساد والجريمة المنظمة.
ولا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بانتفاضة شعبية قوية ترفع عن كاهلها اليأس والإحباط الذي يعوِّق النجاح في تحقيق حلم التغيير المنشود، وعودة احترام الدستور واستقلال مؤسسات الدولة، وأحسب أن أولى خطوات الانتفاضة هي التصويت في أية انتخابات قادمة، والحفاظ على نزاهتها.
ـــــــــــــــــــ
مرشح الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب 2010 عن مقعد الفئات دائرة بندر دمنهور وزاوية غزال

