16/09/2010

ممدوح الولي :

قبل أكثر من خمس عشر عاما وخلال متابعتى لندوات اقتصاديه بكلية الاقتصاد أثار اعجابى مداخلات جاده من قبل أحد الشباب . وعندما تعارفت عليه قال ان اسمه محمود محيى الدين ويعمل معيدا بالكليه . وقال إنه يعرفنى من خلال ما قرأه فى صحيفه فرنسيه عن كتابى سكان العشش والعشوائيات . وصارت بيننا موده .

وقمت بعدها بأخذ رأيه فى أحد التحقيقات الصحفيه الاقتصاديه . لكن رئيس القسم الاقتصادى بالأهرام وقتها حذف الفقره التى تحدث فيها من الموضوع معللا ذلك بأن الأهرام لا يأخذ آراء معيدين . وعندما يأخذ الدكتوراه فسوف نتعامل معه . وأبلغته بذلك وقتها . وصرنا نتقابل فى الندوات المختلفه .

وبعد اختياره باللجنة الاقتصاديه بالحزب كان يرسل لى مشروعات القوانين الاقتصاديه كلما طلبت منه ذلك . ومع عمله مستشارا لوزير الاقتصاد طلب مقابلتى لأخذ رأيى فى بعض الأمور المتعلقه بالوزاره . وعلمت وقتها أنه فعل نفس الشىء مع صحفيين آخرين .

إلا أن توسع دوره فى الحزب وفى الوزاره أثرا على أداءه الاكاديمى . فقلت درجة جودة مداخلاته بالندوات التى كان يحرص على ألا تفوته أى منها . ثم بدأ يغير من آرائه السابقه ويميل أكثر الى الرأى الرسمى بعد أن أصبح أحد أفراد حاشية جمال مبارك .

وفى سحور أقامه منتدى البحوث الاقتصاديه للشرق الأوسط . ورغم ارتفاع التوقعات بوصوله لمنصب كبير . لم استطع منع نفسى من التعبير عن دهشتى من آرائه الجديده بقولى له علانية : "دكتور إيه اللى بتقوله .. احترم عقولنا !"

وبالفعل تم تفصيل وزارة خصيصا له تجمع له الاشراف على برنامج الخصخصة وشركاته . وعلى قطاع الاستثمار وهيئة سوق المال وعلى البورصة وعلى شركات التأمين والتمويل العقارى والتأجير التمويلى . رغم أن خبرته العمليه لم تتجاوز عضوية مجالس ادارة شركة وساطه ماليه وبنك . فكيف يشرف على 174 شركة قطاع أعمال عام ؟ .

وبعد مرور ستة أشهر من توليه الوزاره قابلته بالمركز المصرى للدراسات الاقتصاديه يشرف على ورقة بحثيه . واستعرضت أمام الحضور انجازاته فى القطاعات المخلتفة التى يشرف عليها . فوجدت أنه لم يفعل شيئا فى الاستثمار سوى نقل مقر الهيئة من العباسيه الى أرض المعارض . وفى برنامج الخصخصة لم ينجز سوى تغيير المسمى من خصخصة الى إدارة الأصول وفى التأمين لم يحدث شىء . وطالبت القائمين على المركز أن يتركوه لعمله الوزارى الثقيل وألا يدعوه مره أخرى لمناقشة أوراقا بحثيه . وغضب جدا من كلامى وشهدت علاقتنا فتورا .

وكان الوزير قد بدأ وزارته باطلاق التصريحات أن كل الشركات قابلة للخصخصة وانه لايوجد شىء اسمه الشركات الاستراتيجيه . وهى الشركات التى كان من قبله يقول أنه لن يتم بيعها بالكامل مثل شركات الأدويه وغيرها . لكنه بعد فترة من المشاكل المصاحبه المصاحبة لعمليات ووصول الأمر لمناقشات مجلس الشعب تراجع عن هذا الرأى .

لكن الباحث الاكاديمى استخدم شطارته الاكاديميه فى صنع انجازات ورقية يتاجر بها مع وسائل الاعلام المغرم بها بشده . حيث كان يصرح دائما أنه كان يتمنى أن يكون صحفيا . فبدأ يمارس لعبة تغيير التعريفات لصنع انجازات لنفسه فى ميادين الاستثمار الأجنبى المباشر وبرنامج الخصخصة ونتائج أعمال شركات قطاع الأعمال العام .

ففى مجال الاستثمار الأجنبى المباشر كان المعروف أنه يضم مكونيين فقط . هما قيام الأجانب بعمل مشروعات فى مصر أو شراء أجانب نسبة 10 % أو اكثر من أسهم شركة مصريه بالبورصة المصريه . لكن الوزير عاد الى تعريف لاحدى طبعات صندوق الدولى فضم أربع مكونات أخرى للتعريف . أبرزها قطاع البترول والأرباح غير الموزعة للشركات وشراء الأجانب أو العرب للأراضى أوالعقارات وكذلك مشتريات الأجانب من خلال برنامج الخصخصة .

ولقد أتاح ذلك تضخيم أرقام الاستثمار الأجنبى المباشر فبعد ان كانت 407 مليون دلار فى العام المالى السابق لمجيئه وحسب التعريف المعتاد . ارتفع الرقم فى ظل التعريف الجديد الى 3 مليار و902 مليون دولار فى عامه الأول . أى حوالى عشرة أضعاف ماقبله . ولم يستطع البنك المركزى أن يعترض بسبب نفوذه المعروف للكافه وقربه من جمال مبارك . وعدل بياناته حسب التعريف الجديد .

ورغم اعتراض عدد من الباحثين على التعريف الجديد بإعتبار البترول ثروة ناضبه . ورغم نشر الأونكتاد البيانات المصريه لعام 2004 كما تم ارسالها لها . فقد اضطرت الى تعديلها بالعام التالى حسب ما أرسلته الجهات المصريه من بيانات معدله .

وبدأت الساحة الاقتصاديه المصريه تسمع عن أرقام ضخمه للاستثمار الأجنبى المباشر . متصاعده من حوالى أربع مليارات بالعام الأول للوزير . الى 6 مليار و111 مليون دولار بالعام التالى ثم الى 11 مليار و53 مليون دولار بالعام الثالث . ثم الى 13 مليار و237 مليون بالعام الرابع . وتم استخدام تلك الرقام اعلاميا بأننا قد حققنا مراكز متقدمه على المستوى العربى والأفريقى بل والدولى من حيث الترتيب .

وحاول بعض الخبراء توضيح الأمر بأنه حتى لو كانت ارقام الوزير صحيحة . فالعبره بنوعية الاستثمارات الأجنبيه وليس بحجم أرقامها . حيث أن غالبية تلك الأرقام المعلنه عباره عن استحوازات . فى ظل قيام عدد من البنوك الجنبيه بشراء ححص كبيره فى بنوك وشركات مصريه . الى جانب شراء عرب لأراضى . وأن الأهم لمصر هى المشروعات التأسيسيه green field وهى المشروعات الجديده التى يقوم الأجانب بإنشائها بحيث تستوعب عماله جديده وتزيد من القدرات الانتاجيه أوالتصدريه .

وطالب هؤلاء الخبراء باعلان عدد وقيمة المشروعات التأسيسه ضمن البيانات الضخمه للوزارة . حيث ان بيانات الوزارة تدمج تأسيس المشروعات مع زيادات رؤس أموال الشركات فى رقم واحد . ورغم وعد الوزير لى شخصيا بإعلان ذلك على مرأى من الصحفيين وقيادات وزارته فى مؤتمر صحفى بمقر الوزاره منذ أكثر من عامين . إلا أنه لم يفى بوعده حتى تعيينه فى المنصب الدولى .

وكرر الوزير لعبة تضخيم البيانات فى ميادين أخرى تخصه . فعندما أراد أن يبين سرعة دوران برنامج الخصخصة فى بداية وزارته . جمع أرقام الحصيله من بيع حصص الحكومه بالشركات المشتركه على بيانات بيع شركات قطاع العمال العام . ليظهر أرقاما ضخمه يقارنها بما باعه من قبله من شركات قطاع الأعمال العام . ليبين الطفره التى تحققت .

ففى العام الأول لتوليه حققت عمليات بيع حصص المال العام فى البنوك والشركات المشتركه 4 مليار و819 جنيه . وفى العام التانى له حققت حصيله 7 مليار و647 مليون . وفى العام الثالث له حققت 1 مليار و559 مليون . وفى العام الرابع حققت 3 مليار و238 مليون جنيه . بل أضاف لها حصيلة بيع بنوك عامه بلغت حصيلتها فى العام الثانى للوزاره نحو 5 مليار و122 مليون جنيه . وفى العام الثالث للوزاره نحو 9 مليار و274 مليون جنيه تخص بيع بنك الاسكندريه .

ومع إضافة تلك الأرقام الكبيره الى حصيلة بيع شركات قطاع الأعمال العام وهى مهمة الوزير الأساسيه . فقد انتج الوزير حصيلة ضخمة بلغت 5 مليار و643 مليون جنيه فى عامه الأول . و14 مليار و612 مليون جنيه فى عامه الثانى . و13 مليار و607 مليون جنيه فى عامه الثالث . وامتلات الصحفات الاقتصاديه بالصحف القوميه بتلك الأرقام التى تؤكد الانجازات العملاقه للوزير !

ولأنه وزير شاطر ولا يحاسبه . فقد استفاد من أرقام بيع حصص المال العام فى الشركات المشتركه مرتين مره فى تضخيم بيانات حصيلة الخصخصة . ومره فى تضخيم بيانات الاستثمار الأجنبى المباشر باعتبارها عمليات استحواز لطرف أجنبى على شركات مصريه مما يدخها ضمن التعريف الذى أتى به للاستثمار الأجنبى المباشر .

ولأنه وزير حريف أرقام وتجميل بيانات . فقد مارس تلك اللعبه فى بيانات أداء شركات قطاع الأعمال العام التى تعانى نزيفا من الخسائر خاصة من قطاع الغزل النسيج . فقام الوزير بضم بيانات شركات التأمين المعروفه بأرباحها والتى أصبحت تابعة لوزارته الى بيانات شركات قطاع العمال العام . مما أنتج بيانات نهائية مهجنه ومحسنه ورابحه .

خاصة وان شركات التأمين العامه بلغت أرباحها عام 2006/ 2007 نحو 751 مليون جنيه . أى أعلى من أرباح سبع شركات قابضة تابعة للوزير . حيث لم يسبقها بالربح سوى القابضة المعدنيه والقابضه الكيماويه . وفى عام 2007/ 2008 بلغت أرباح القابضة للتأمين 920 مليون . وفى عام 2008 / 2009 بلغت أرباحها 951 مليون جنيه أى أعلى من أرباح القابضة للنقل او القابضه الغذائيه او القابضه الدوائيه او القابضة للتشييد او القابضه للسياحه وكذلك القابضة للغزل والنسيج المصابه بالخسائر المزمنه .

وحتى يتبين دهاء الوزير حين يعلن بالعام المالى عن تحويله صافى حقوق الملكيه لقطاع الأعمال العام من سالب بلغ 2ر2 مليار جنيه قبل مجيئه للوزاره . الى صافى حقوق ملكيه موجب 2 مليار جنيه فى عام 2006/2007 وحقوق ملكيه موجبه بلغت 7ر7 مليار فى عام 2007/ 2008 .

فان سر ذلك التحول لحقو الملكيه من سالب الى موجب . لا يعود الى تعزيز رؤس الأموال او علاج جذرى . وإنما لأنه أضاف حقوق الملكيه الكبيره للقابضة للتأمين الى حقوق ملكية الشركات القابضة الأخرى السالبه . فقط ودون اى علاج لحقوق الملكية المتآكله . ففى عام 2006/2007 وبسبب حقوق الملكية السالبه فى القابضه للغزل والنسيج بحوالى 17 مليار جنيه وحقوق الملكية السالبه بالقابضة للتجاره البالغه أكثر من مليار جنيه كانت المحصلة الاجمالى للشركات القابضه التسع سالبه بنحو مليار ونصف المليار جنيه .

وتدخل الوزير بادخال حقوق الملكية القابضة للتأمين البالغه ثلاثة مليارات ونصف المليار جنيه . لتصبح المحصلة النهائيه لقطاع الأعمال العام حقوق ماليه موجبه بنحو مليارى جنيه . وتكررت اللعبة خلال الأعوام التاليه . لسبب وحيد وهو إدخال بيانات القابضة للتأمين لتحسين الصوره