21/07/2010

وائل الحديني

منذ أن أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى عام 1976عودة الحياه الحزبية إلى مصر ، بعد فترة طويلة من التغييب ، والأمر لا يتعدى الشكلية الفجة .

فإطلاق الحياة الحزبية كان مقيداً بأفكار وتخوفات وتقاليد وإرث الحزب الحاكم ، لذا كانت كل الأحزاب التي تم تمريرها صور كارتونية محددة الأبعاد والأحجام ـ ليس هذا فقط ـ ولكنها ظلت على إتصال دائم بالحاسوب المركزي للحزب الحاكم ، حيث يجري تحريكها ، وتقديمها وتأخيرها أو تفتيتها ، بأشكال مقولبة محفوظة ومعروفة .

ويمكن القول أن الحزب الحاكم أخذ من هذه الأحزاب أكثر مما أعطاها ، فهو أعطاها رخصة ، ومقرات وصحف ، ومقعد بالتعيين لزعيمها فى مجلس الشورى على سبيل الهبة فى أضيق الأحيان ، وأخذ منها إعترافاً بالتعددية الحزبية الواقعية _ أكثر من 24 حزباً ـوالشرعية الناتجة عن تنافسية منقوصة بين حزب يملك الدولة ، وأحزاب لا تملك سوى مقرات فارغة ، وأسماء مجهولة !
لكن ذلك ليس مستغرباً ، ففى غياب الوجود الحقيقي والتواجد الجماهيري ، ليس هناك من تلجأ إليه هذه الأحزاب سوى أبيها الشرعي الذي أخرجها من رحمه وملئها بالهواء حتى صارت جسداً .
لذا لا تتقارب هذه الأحزاب الضعيفة المجهولة ، لكنها تتنافس : لكن على أي شيئ ؟!

إذا قارنا الوضع السياسي فى مصر بمثيله التركي سنرى مفاجآت مذهلة : فتركيا عادت إلى الحياة الحزبية عام 1982 ، بعد سنتين من إنقلاب 80 على يد كنعان إيفرين ، ولكن ظلت سيطرة الجيش على الحياه بكافة أشكالها وصورها هي العامل الثابت فى المعادلة ، لكن الغريب أن الأحزاب كانت تتنافس على الجماهيرية ، وليس الجيش ، لذا كانت تتقارب فى نتائج الإنتخابات ، وفى أعداد الأصوات ، وربما إستطاع حزب الرفاة تشكيل حكومة فى عام 97بعد حصوله على 28% من نتائج الإنتخابات ، حيث كانت تكفي هذه النسبة وقتها ليحصل الرفاة على المركز الأول ، ويشكل حكومة إئتلافية .
والغريب أن الرفاة شكل الحكومة مع حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيللر ( سيدة ، كانت تعارض الرفاة بصفاقة ، وتختلف معه إختلافاً تاماً فى الإيدلوجية ) ، والأغرب أن هذا التحالف شهد نوعاً من التناغم وليس التعارض والتضاد المفترض .
إذاً : سيطرة الجيش التركي ( القوي) على أوجه الحياه فى تركيا ـ كلها ـ لم يكن سبيلاً لضعف الحياة الحزبية ، ولا لجعل الأحزاب تتنافس فى أوقات المنافسة ، وتئتلف فى أوقات تشكيل الحكومات المتتالية ، طالما كان الهدف هو تركيا ـ رغم تورط معظم قادة تلك الأحزاب فى عمليات فساد أخرجت بعضهم من أروقة الحكم إلى زنازين السجن ـ بينما حزب هرم فى مصر ، يتلاعب بالشعب ، والقوى السياسية والحزبية ، والماضي والمستقبل ، ويسلب فرص المقاربة ، ويهبط بسقف االمنافسة والطموح إلى مجرد مقعد أو إثنين فى برلمان متهرئ ، فى دولة ضعيفة فقدت إمتدادها الإقليمي ، وإحترام الغير ، والإرادة والطموح الشعبي ، وثقة الجماهير بذاتها ، فضلاً عن حكامها .

إذاً الإشكالية هنا هي سقف الطموح وإنخفاضه دوماً إلى الحد الأدنى يخرج الجميع من ميدان التنافس من أجل صالح الشعب إلى سيطرة قيم الصفقة ، والبحث عن الفتات من بقايا مخلفات من يملك العطاء .

قصة التحالفات

 ربما يلاحظ فى مصر ، غيبة مشاعر التقدير والإحترام حتى بين المتحالفين ، فمعظمهم لا يملك جينات التعايش مع الآخرين ، كلٌ يريد فرض فكرته ورؤيته ، وهي جين سائد أصبح يفرض سطوته على الشعب ، خلفّته حالة القمع التى فرضها النظام اللاأخلاقي واللا قيمي ، وعممها سلوكاً يصعب الإنفلات منه ، ويشذ عن هذه القاعدة تحالف الوفد مع الإخوان فى إنتخابات 84 ، والتي أوصلت أعداداً من الطرفين إلى البرلمان ، وتحالف الإخوان والأحرار والعمل فى إنتخابات 87 ، والتي كانت ناجحة بكل المقاييس ، سواء بالنسبة لعدد كتلتها البرلمانية ، أو أدائها فى المجلس .
لذا تتزايد حالات الإنشقاق والخروج والعودة ، ربما فى الجلسات الواحدة ، كأن يقول د/ علاء الأسواني لـ د/ حسن نافعة ، ـ ولهما كل الاحترام ـ بعد خلاف بسيط ، نحن لسنا تلامذة عندك ، وأنا أعترض فى الأساس على طريقة إدراتك لجلسات الجبهة ، فيعلن نافعه إستقالته ثم يتراجع ، وهكذا .
أما الشباب فى حزب الجبهة فيجالسون الإخوان ويبتسمون فى وجوههم نهاراً ويسبونهم فى الجروبات ليلاً ، ويصعدون بالبرادعي إلى عنان السماء ظهراً ، ويهبطون به إلى حضيض الأرض مساءَ .
نحن هنا أمام أعراض مرض صنعه النظام القمعي فى مختبراته وحصنه ، ثم سربه فى الفضاء ليهاجم المناعات الضعيفة ، ويلتبس على الشعب ، ويفتك به ، وليس خافياً الزعم أننا فى المرحلة الأخيرة التي تسبق الفوضى ، حيث ستظهر مدخلات القهر والتضييق وتأميم القيم كمخرجات لا يمكن إستشراف نتائجها .

إشكاليات التحالف :

توجد خلافات جوهرية داخل الجبهة المصرية للتغيير ، ربما أكثر من توافقاتها ، ولكن يحفظ لهم أنهم توافقوا على الحد الأدنى من المطالب ، ونحوا جانباً الإختلافات ، رغم أنها جوهرية فى الأساس ، كأن يطالب أسامه الغزالي حرب بمقاطعة الإنتخابات ، وترفض قوى آخرى مجرد مناقشة ذلك ، ولكل منهم أسبابه الجوهرية وأرائه المعتبرة ، والتي تدور فى مجملها حول سبل فضح النظام وكشف عوراته ، أوسحب الشرعية منه .
لكن رفض حزب واحد مقاطعة الإنتخابات يعطى للحزب الحاكم الشرعية ، وكأن الجميع شارك بها ، كما أن أحزاب المعارضة فى مصر ـ أساساً ـ يصعب عليها الإجتماع على قرار واحد ، ربما سيشذ ثلثها على الأقل ، فهي زرعت لتختلف لا لتتوافق ، سواء فيما بينها ، أو من داخلها هي .

الثلاثة الكبار (الوفد ، الناصري ، التجمع) :

يجيد التجمع عقد الصفقات مع الحزب الحاكم سواء فى الخفاء أو العلن ، فى زمن الإنتخابات ، أو فى زمن السلم ،بزيادة حد الأنقسام بين المنقسمين ، أو مهاجمة تيارات بعينها ، فى أوقات بعينها .
لكن التجمع لا يجتمع من داخله على شيئ ، فرئيس الحزب فى واد ، وأعضائه فى واد ، واليسار تياراً عاماً ، ومدرسة فكرية قائمة على الإشتراكية ، لكنهم حينما يُقيمون على أسس تنظيمية نجدهم كتلاً متنافرة .
والمؤكد أن التجمع كحزب لن يفيد الجبهة ، ولن يجتمع معها ، لكن أفراده كمستقلين ، خاصة الشباب منهم ، سيدعمون المطالب السبعة ويتحمسون لها إلى حد ما ، أما البرادعي كشخص يصنف على أنه ليبرالي وقريب من الولايات المتحدة ، فلن يكون مريحاً بالنسبة لهم ، حيث ستقفز مايزعمون أنها كراهيتهم للرأسمالية ، على تحديات اللحظة ، وتتغلب عليها .
الطرف الثاني فى الصفقة النظام ، وهو لن يعطي التجمع أي شيئ ، سوى ثلاث مقاعد ـ ربما ـ كحد أقصى ، فهولا يضحي بمقاعده التي ينتظرها رجاله ، ويمكن الإشارة هنا إلى أن أحمد عز لم يفرط فى مقعد زوجته ، واستأثر به ، ثم أعطاه لأحد رجاله .
 كما أن الحزب الحاكم يعرف وزن المجتمع فى الشارع ، ويدرك خلافاته الداخلية ، وهي كلها معطيات تبنى عليها نتائج مانعه ، وليست مانحة .
نفس الأمر سيتكرر بالنسبة للناصري ، الذي رفض معظم أعضائه الصفقة التي أوصلت أحد رعايا الحزب للشورى ، ومقعد التعيين لأمينه العام أحمد حسن ، لكن الناصري هنا يأتي بالنسبة للنظام فى مرتبة أقل تأثيراً من التجمع .

الوفد ( قصة أخرى ):

ربما لرؤيا معينة ، يفضل الحزب الحاكم صناعة د /السيد البدوي زعيماً للمعارضة ، لذا كان التركيز على إنتخابات الوفد ، ونزاهتها ، ومسئولية القائمين عليها .
و يطمح البدوي فى الحصول على عدد كبير من المقاعد فى الإنتخابات القادمة ، بعد أن ضم معظم المنتمين إلى أحزاب أقل وجاهة والمستقلين إلى الحزب ، وسط حديثه الطموح عن إعادة مكانة الحزب إلى ماكانت عليه .
أيضاً حاول الحزب ترشيح ساويرس للرئاسة ، بعد أن ضم رامي لكح ، ربما فى رسالة للغرب تستهدف وتستدعي دعم الحزب كبديل ثالث بين الحزب الحاكم والإخوان ، لكن هذا لن يرضى النظام ، وسيعتبره تجاوزاً للخطوط الحمراء .
 كما يتم الآن ضم عدداً من قيادات ضباط الشرطة للحزب على شاكلة مدير أمن بورسعيد السابق ، يقول هؤلاء أن تجربة الحزب الإنتخابية أذهلتهم ، لكن يمكن الزعم أن مايحدث ، قد يكون ممنهجاً ، لضخ عناصر جديدة فى الحزب يمكن تحريكها فيما بعد بهدف الإضعاف أو السيطرة أو التفتيت أو الفرملة ، أو قد تكون لدى هؤلاء رغبة فى قضم جزء من كعكة الصفقة ، بعد زيادة الحديث عنها .
أما بالنسبة للمقاعد التي يمكن منحها للوفد فلن تتجاوز 10 مقاعد فى أحسن حال ، وقد تقل كثيراً .
المعضلة هنا أن الوفد به أعضاء قد لا يرضون بمنطق الصفقات ، وهذا سيتهدده ويضعفه ، لكن  فى المقابل  ، هذا لا يهم النظام .
رفض أسامه الغزالي حرب إعادة تعيينه فى الشورى ، بينما قال نائب آخر أن التعيين أشرف من التزوير ، وفى رسالة على الهواء طالب حرب من السيد البدوي أن يعيد للحزب سابق عهده ومكانته ، لكن ليس على حساب مكاسب وقتية .
مصر تمر بمرحلة مفصلية ، ربما تشريح الواقع فيها وتحليله ، ورسم خريطة للتشابك والتداخل والتنافر والتقارب والتحالف والتعارض أصعب مما يتخيله البعض .
لكن الغريب أن هذا الزخم الحركي يجري فى مكون واحد ، بينما المكون الآخر يكتفي بأدوات التزوير ، والإمساك بمعظم خطوط اللعبة .
والغريب أيضاً أن ذلك كله يتم فى غياب المالك الحقيقي للدولة التي يقسمونها إرباً ، وكأنها أرض بلا شعب !