12 / 05 / 2010

بقلم : حازم سعيد

أما أنها أعياد .. فنعم ..

هى أعياد لكل ظالم وطاغٍ يعلم أنه لا رصيد له عند شعبه أو ناسه فيستقوى عليهم بأحكام عرفية استثنائية تخنقهم وتكبلهم وتحبسهم بين جدران وطن سليب .

وهى أعياد لكل سارق ومفسد يتملق الديكتاتورية ويعيش بجوارها نباتاً متسلقاً يقتات على فضلاتها.

أعياد لكل مرتشى ومستغل لأمانة منصب وُسِده لخدمة أهله وبلده .. فإذا بها مطية وتكأة لإثراء بلا حساب ولأرصدة بسويسرا تنوء العقول عن تصور الأرقام التى تعبر عنها .

هى أعياد للحزب الجاثم على صدور هذا الشعب منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة لم يعرف حكمه – ولا ثانية – بدون قانون الطوارئ .. لقد تزوجا زواجاً كنسياً مؤبداً لا يجوز حله ولا التنازل عنه .
 
أغرودة (1) : فاستخف قومه فأطاعوه

قال القرطبى رحمه الله :
قوله تعالى : " فاستخف قومه " قال ابن الأعرابي : المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم ، يقال : استخفه الفرح أي : أزعجه ، واستخفه أي : حمله على الجهل ، ومنه : " ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" (ص : 93 ).
وقيل : استفزهم بالقول فأطاعوه على التكذيب . وقيل : استخف قومه أي : وجدهم خفاف العقول . وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه ، فلا بد من إضمار بعيد تقديره : وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه .
وقيل : استخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه ، يقال : استخفه خلاف استثقله ، واستخف به أهانه " إنهم كانوا قوماً فاسقين " ، أي : خارجين عن طاعة الله . انتهى .
 
وقال سيد قطب رحمه الله في ظلال هذه الاية الكريمة من سورة الزخرف :

" واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه ; فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة , ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها , ولا يعودوا يبحثون عنها ; ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة . ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك , ويلين قيادهم , فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين !

ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق , ولا يمسكون بحبل الله , ولا يزنون بميزان الإيمان . فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح . ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول:
(فاستخف قومه فأطاعوه . إنهم كانوا قوماً فاسقين) " انتهى كلام صاحب الظلال .
 
لقد طغى فرعون في الأرض وتجبّر، إلا أنّ قومه صفقوا له ، رهبة ورغبة ،ووافقوه على أعماله ، وأظهروا له الولاء ، وأطاعوه رغم إفساده في الأرض ؛ فكانت مظاهر الخنوع هذه مدعاة له لأن يستخف بهؤلاء القوم الذين أطاعوه في المنكر، فلم يقم لهم وزنا ، ولم يعبأ بوجودهم ، وازداد طغيانا وتجبرا.

إن سكوت قوم فرعون عن ظلمه وطغيانه ، جعلهم من الفاسقين ؛ لأنهم أطاعوه في هذا الظلم والطغيان  " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماًفَاسِقِينَ " .

ولم يقف الأمر عند حدّ الحكم عليهم بالفسق ، بل عمّهم العقاب ، فأغرقهم الله جميعاً : فرعون الطاغية ، وزبانيته ، وكذلك قومه الذين سكتوا عن طغيانه وكفره ، " فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ " .
 
أغرودة (2) : ويبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لرب الكون
 
حين قتل السادات كنت ما زلت صغيراً لا أفهم فى السياسة ولا أعرفها ، وعرفت بعد أن كبرت أن نظامنا الحالى فرض الطوارئ منذ يومه الأول بالحكم ، وأن هذا الأمر استمر لمدة ثلاثين عاماً طوارئ ..

تخيلوا أجيالاً كاملة ولدت وعاشت وماتت فى الطوارئ على مدار 30 سنة لم يعرفوا غيرها ، لم يستطيعوا أن يمارسوا حقهم الطبيعى فى الحياة والتعبير عن رأيهم بلا خوف وبلا معتقلات .

حين اعتقلت المرة الأولى لى منذ ما يقرب من ربع قرن بلا ذنب ولا جريرة رأيت شباباً أثناء الترحيلات من مكان لآخر كلهم من أبناء التيار الإسلامى عانوا من ويلات الطوارئ والأحكام العرفية .

أتتبع أخبار هؤلاء الأحباب على استحياء من حين لآخر لأتأكد من أنهم لا زالوا على قيد الحياة داخل محبسهم الطويل بلا ذنب ولا جريرة ولا تهمة ولا مبرر .. يعطيهم قاضيهم الطبيعى حكم إخلاء سبيل ليبدأ كعبهم الداير ويعاد صدور قرار اعتقال جديد لهم وهم فى محبسهم دون أن يروا خارج أسوار زنازيهم ولو لدقيقة .

الداخلية تقول أنه لا يوجد مساجين أو معتقلين بسبب الطوارئ .. جايز برضه .

عبير هؤلاء الأحباب له ذكرى تتوافق مع خصوصية الاعتقال الأول ، وأنا وهم ضحايا الطوارئ والأحكام العرفية .. سلام عليكم أيها الأحباب .
 
أغرودة (3) : كابوس

 
لكم أن تتصوروا أنى كنت خائفاً من انتهاء حالة الطوارئ هكذا فجأة لانتهاء مداها القانونى ، ولكن .. الحمد لله جددت حكومتنا الرشيدة خدمة هذا القانون فعاد لدولاب العمل الذى لم يفارقه ، وعادت لى معه سكينة ما اعتادته نفسى على مدار أكثر من ثلثى عمرى .

ولكم أن تتخيلوا حالى وأنا أشهد عصراً جديداً بلا طوارئ ، كيف لى سأحيا هكذا وأجتمع مع أصدقائى بلا خوف وبلا ترصد للاعتقال ، وبلا طرقات زوار الفجر ، وبلا عروضات النيابة وبلا تحقيقات أمن الدولة ..

هل يمكننى أن أناقش الناس هكذا فى الطرقات والشوارع والأوتوبيسات عن حال البلد ، هل أستطيع أن أنقد الحكومة والحاكم دون أن أشعر بنفس مخبر أمن الدولى الذى أعلقه حول رقبتى دائماً .

هل سأتمكن من السير بمظاهرة سلمية دون أن أعبأ بجحافل الأمن المركزى ولا ضباط أمن الدولة ومخبريها المترصدين للانفراد بى وبغيرى من المتظاهرين ليلقنونا دروس الأدب التى اعتدنا عليها منهم ؟

هل يمكننى المرور على أى لجنة مباحث أو كمين عند مداخل بلدى دون أن أخشى الاعتقال مثلما حدث مؤخراً مع حشمت وأسامة سليمان قواهما الله ؟

هل سأطيق هذه الحياة .. أنا كنت خائفاً من التغيير ومرعوباً من هذا التحول المفاجئ الذى لم أعد له العدة ... التفكير فى تغيير روتين هذه الحياة إلى نوع جديد كان كابوساً ..

الحمد لله .. أفقت من الكابوس على التجديد لهذا القانون .. الحمد لله .
 
أغرودة (4) : أمن مصر أم أمن الحاكم

أستعير مفهوم هذه الفقرة من مقالة المستشار طارق البشرى " محاولة لفهم الواقع والحاضر " وخلاصة ما أريد استعارته هو أن حكومة مصر لا يهمها سوى أمن بقائها على العرش ، فتقوم بفرض قيود وقوانين وأحكام استثنائية ، وتكثف اهتمامها بالأمن الداخلى على حساب تهميش دور مصر القومى والريادى فى المنطقة لصالح إسرائيل .

وأستطيع جازماً أن أربط بين قانون الطوارئ وما يفرضه من القيود على الشرفاء والأحرار وبين انهيار دور مصر فى قضايا المنطقة وحتى فى هذه التى تهم مصير مصر وأمنها القومى وعلى رأسها قضية منابع النيل ..

وأنقل هنا هذه الفقرة من مقالة البشرى حين يقول : " إن هدف الولايات المتحدة وإسرائيل هو تدمير مصر وإنهاء وجودها كقوة مؤثرة فى المنطقة، وعلينا أن نكون فى غاية الحذر والقلق فى هذا الشأن، وعلينا ألا نطمئن ولانستكين ولا نحسن الظن ما دمنا على هذه الحالة من الوهن ... " ثم يقول بعد قليل : " لذلك يظل ما ينبغى أن نحرص على تحقيقه الآن هو ما يوفر هذه القدرة على التنظيم والتحريك وتحويلها من إمكانات فعل إلى واقع محسوس وهى:
- إلغاء حالة الطوارئ.
- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وحرية التنظيم الحزبى.
- حرية التظاهر والاعتصام السلمى .
- الرقابة القضائية الشاملة على الانتخابات بدءًا من إعداد كشوف الناخبين حتى صندوق الانتخاب وحتى إعلان النتيجة .
- وفضلا عن المطالب الاقتصادية الخاصة بكل طوائف الشعب المصرى وفئاته وعماله وفلاحيه وتجاره الصغار وطلبته وتنشيط أواصر توثيق العرى بين هذه الجماعات ، وأن تكون بوصلة صيغة العمل هى تحرير الإرادة الوطنية من الهيمنة الأجنبية. " .
انتهى كلام البشرى وأترككم مع رابط لمقالته القيمة التى تتيح لنا نوعاً من فهم ما تعانيه بلادنا المنكوبة فى ظل هذا القانون الغريب العجيب ..

__________
 

[email protected]
 
رابط مقالة البشرى :
http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=186372