2/04/2010م

بقلم: د. محمد حبيب

لا خلاف بين الإخوان على أن الجماعة لها وظائف رئيسية ثلاث، تربوية ودعوية وسياسية، وأن هذه الوظائف يجب أن تعمل بتوازن وتكامل مع بعضها البعض، وبقدر ما تحقق الجماعة تقدما وإنجازا فى الوظائف الثلاث بقدر ما نستطيع القول بأنها نجحت فى رسالتها وأدائها لدورها . ولا خلاف أيضا أن الوظيفة التربوية هى بمثابة تهيئة ضرورية وإعداد لازم  للوظيفتين، الثانية والثالثة، ولولاها ما استطاع الإخوان أن يقوموا بدورهم فى الدعوة والسياسة على النحو المطلوب. وفى الوقت ذاته يمكن اعتبار القيام بهاتين الوظيفتينجزءا مهما وأصيلا من الوظيفة التربوية ذاتها، كما أن الوظيفة السياسية، على وجه الخصوص، تشكل عاملا رئيسيا فى تهيئة  المناخ العام وتوفيرالفضاء السياسى والقانونى لقيام الجماعة بالوظيفتين التربوية والدعوية، فضلا عن أنها تعبيرعن شمولية الإسلام. 
 
الوظيفة التربوية:
 
غاية التربية هى الإستقامة على منهج الله، وبشىء من التفصيل يمكن أن نقول إن الوظيفة التربوية تستهدف إيجاد صف ربانى فى فكره وعباداته ومعاملاته وأخلاقه وسلوكه ومنهاجه ووسائله وأهدافه.. صف يستشعر معية الله تعالى ومراقبته، يتوكل عليه، ينقاد لتعاليمه، يركن إلى جنبه، يرجو رحمته ويخشى عذابه، لا يمل من ذكره والثناء عليه، يناجيه فى الليل والناس نيام، يقف بين يديه متبتلا، مخبتا، متضرعا، وقد لان قلبه وسكنت جوارحه وفاضت عيناه.. صف يستشعرفقره وضعفه وعجزه وحاجته لله، وأن التوفيق من عنده، والهدى والرشاد بأمره وحكمته ، وأن ما يقع فى ملكه وفق مشيئته وإرادته.. صف يعيش دنياه لكنه موصول بأخراه، يؤمن بأن الموت والحياة بيد مولاه، وأن  الكون كله فى قبضته، والعزة فى طاعته والذلة فى معصيته، يعلم أنه لا معبود بحق سواه، لا يستمد العون إلا منه ولا يتوجه إلا إليه.. صف يوقن بأن الدنيا متاع زائل وأن الآخرة نعيم مقيم، وأن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وأن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، وأنه لا محالة سيقف بين يدى مولاه عاريا، حافيا، ذليلا، ناكسا، خائفا، فزعا، مأزوما، مهموما، وحيدا، مرتبكا، مضطربا، مرتعشا، مذهولا، مأخوذا، مقهورا..صف أخلص قلبه كله لله؛ فكره، حديثه، صمته، حركته، سكنته، صلاته، صيامه، حجه، بذله، عطاؤه، سعيه، جهاده.. صف زاهد، ورع، تقى، نقى، صدوق، مستقيم، مقتحم، مقدام، غير هياب ولا وجل، لا يخشى فى الله لومة لائم، لا يرفع من قدره مديح ولا ينقص من مكانته أو منزلته ذم.. صف يقتدى بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أقواله وأفعاله وتقريراته وأخلاقه وبلاغه وجهاده، يأتمر بأوامره وينتهى عما نهى عنه، يحبه أكثر من النفس والأهل والولد والناس أجمعين، يؤمن بأن ماجاء به هو الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..فيه السيادة والسعادة فى الحياة الدنيا والفوز والفلاح فى الآخرة.. صف جعل حياته كلها عبادة، طالما قصد بما يعمل وجه الله تعالى، فالسعى وراء الرزق عبادة، واتقان العمل عبادة، وحماية حقوق الآخرين عبادة، والعيش فى كرامة عبادة، ومقاومة الطغيان عبادة، والدفاع عن الإوطان عبادة، وإقامة العدل عبادة، وإغاثة الملهوفين والوقوف إلى جوار المظلومين عبادة.
 
المربى:
 
هو حجر الزاوية فى العملية التربوية وعليه يتوقف نجاحها أو إخفاقها..ومن ثم يجب أن يتم اختياره بعناية وفق معايير واضحة ومحددة، أهمها: أن يتوفر لديه الفهم الدقيق والعميق للدعوة، فكرا ومنهاجا ووسائل وأهدافا وتاريخا، ممارسته وإيمانه بالشورى، خبرته العملية الطويلة،  قدر لا بأس به من العلوم الشرعية، أصول الفقه، الوعى السياسى، علم النفس، الإدارة، التخطيط، المتابعة،  فضلا عن حسن الخلق، علو الهمة، صدق العزم، قوة الإرادة، الطاقة الإيمانية العالية، الرأفة، الرحمة، رحابة الصدر، سعة الأفق، لين الجانب، الشجاعة الأدبية، الزهد، التقى، الورع. ومن المعلوم بداهة أن تربية الرجال غير تربية النساء، وتربية الشباب غير تربية الأطفال والصبيان، وهكذا. كما أن من المعلوم بداهة أيضا أن البشر يتفاوتون فى خصائصهم ومقوماتهم، وأن النفس الإنسانية كالبصمة، بمعنى أن لكل إنسان خصوصيته..قد يتشابه مع آخرين فى بعض الملامح والقسمات، لكن التطابق غير متحقق، علميا وعمليا. كما أن الإنسان فى وقت الضيق غيره فى وقت اليسر، وفى وقت الحزن غيره فى وقت السعادة، وهكذا. لذا كانت مهمة المربى شاقة وصعبة ومعقدة، خاصة فى مجتمع ومناخ يفتقد الكثير..ومن هنا نقول إن اختيار المربين وإعدادهم وتأهيلهم ومتابعتهم من أجل وأخطرالأعمال فى حياة الجماعة، ومن ثم يجب أن تنال حظها ونصيبها من اهتمام القيادة.
 
المحضن التربوى:
 
الأسرة الإخوانية هى المحضن التربوى الأصيل عند الإخوان، هى الصيغة العبقرية التى وفق الله تعالى إليها الأستاذ الإمام، هى اللبنة الأولى فى البناء، بل هى أساسه وعمدته ووقوده وطاقته..وترتكز الأسرة على ثلاثة أركان رئيسية هى: التعارف والتفاهم والتكافل، وهى شرط لوجودها، وهى تختلف عما نطلق عليه مهام الأسرة والتى تتضمن: الدعوة الفردية، المشاركة فى العمل العام، إنفاذ ما يصلها من تكاليف، إسداء النصح للمسئولين، التفكير للجماعة..
 
1) أركان الأسرة:
 
أ‌) التعارف، ويقصد به أن يتعرف أفراد الأسرة الإخوانية على بعضهم البعض، من حيث طبيعتهم الشخصية ( الإيجابيات ـ السلبيات ـ القدرات ـ الإمكانات ـ الطاقات ـ المهارات ـ المزاج النفسى والعصبى والوجدانى..الخ ) حتى يمكن الإستفادة من طاقات الإخوان وتوظيفها واستثمارها فى الأعمال الدعوية المختلفة، وفى الوقت ذاته علاج السلبيات من خلال برنامج تزكية مناسب، وإذا لم يتم العلاج، أو تم بشكل جزئى، فهنا يمكن تجنب إسناد بعض المهام التى تتطلب خصائص معينة هى غير متوفرة فى هذه الشخصية أو تلك . كما يتعرف أفراد الأسرة على الظروف الإجتماعية والإقتصادية لكل منهم، حتى لا يكون هناك تكليف غير ملائم لهذه الظروف.
 
ب‌)     التفاهم، ويقصد به أن تكون العلاقة الحاكمة بين الأفراد أساسها الإسلام، وأنها مضبوطة بقواعده وقيمه وآدابه، من حيث القيادة والجندية ( القائمة على المودة والمحبة والثقة والإحترام المتبادل )، الشورى وحرية الشورى، التناصح، العلاقات الإجتماعية، التعاملات المادية..إلخ، وهذا باب واسع وبه تفصيلات كثيرة يمكن تناولها فى رسالة مستقلة.
 
ج) التكافل، ويقصد به تحقيق معنى الإيثار بشكل عملى بين أفراد الإخوان، إذ أن ذلك يؤدى إلى قوة الترابط والتلاحم والتماسك، فضلا عن المودة والمحبة والتراحم، وهى تمثل فى مجملها قيما عليا ومعان مهمة وضرورية لحياة الجماعة، بل لازمة للمجتمع كله.
 
بقى أن نقول إن أركان الأسرة تستلزم المعايشة اللصيقة بين أفراد الإخوان، ومن خلالها يتعلمون قيم الإسلام، بل إنهم يمارسونها بصورة عملية، ثقافة وأخلاقا وسلوكا. ويظهر أثر هذه الأركان فيما بعد فى المستويات المتقدمة، حيث يكون الأداء متميزا، والفاقد يكاد يكون معدوما. وقد تبين بعد طول تأمل أن المشكلات التى تصدر من أفراد عند هذه المستويات ترجع فى المقام الأول إلى عدم معايشة هؤلاء الأفراد لهذه الأركان. ليس هذا فقط ولكنى أضيف فأقول ـ ردا على هؤلاء الذين يزعمون أن الإخوان يغلبون التنظيم على الإسلام ـ إنهم لا يعرفون شيئا عن طبيعة الأسرة الإخوانية ولا عن دورها فى خدمة الإسلام.
 
( وللحديث بقية إن شاء الله ) .
والله من وراء القصد ‘