21/03/2010
أشرف الفار
هو جنة الله فى الدنيا, من لم يدخلها فقد حرم, وليس من ذاق كمن سمع, ومن يقرأ هذه الكلمات بقلب ذاق حلاوة الحب فى الله فلن يكون أبداَ كغيره, وهل فى الدنيا لذةٌ أعظم من قلبٍ يتدفق بالحب؟ وهل شىء فى هذا الوجود أجمل أوأرقى أو أروع من أن يكون هذا الحب فى ذات الله_سبحانه_ابتغاء مرضاته ؟.
فأن يحيا الإنسان مثل عموم مخلوقات الله, يأكل ويشرب ويتحرك هنا وهناك, تمر به الأحداث أو يمر هو بها فتلك حياة يعيشها كل ذات كبد رطبة,أما أن يحيا الإنسان بقلب ينبض بالحياة فذلك فى عالم الناس قليل, أما النادرمن الناس فهو الذى ينبض قلبه بالحب. ويبقى من هذه الثلة النادرة أناس ليس مثلهم فى الناس شبيه, فهم أقرب إلى عالم الملائكة منهم إلى دنيا الناس, وهؤلاء هم من يحب فى الله ولله.
والمحب فى الله من أعظم الخلق تعرضا لنعم الخالق_سبحانه_فهو لا يمر به حزن ولا كدر بل يتقلب فى لذات لا تنقطع,ويتلذذ بألوان من السعادة لا يعرفها ولا يسمع بها غيره, فإن استمتع الناس ببعض الشهوات المادية التى تعمر لحظة أو لحظات فإنه يتلذذ بروح تسرى منه لا يملك أحد من الخلق عليه سبيلا ,وإن احتار الناس بحثا عن موهوم من السعادة خادع فهو فى جنته يسرح بين ظلال وأرائك وأفنان وعيون ,إن تذوق بعض الناس رى الود ولذة المحبة لحظة أو لحظتين فإنه يصوغها صياغة ويصنعها صناعة وينشرها بين الخلق,
ألا ما أعظم الحب فى الله,
ما أجمل الحب فى الله,
ما ألذ وأمتع الحب فى الله,
ما أجمل أن يطهر القلب من كل شر ودنس,ويخلو من كل سوء ويعمر بالحب الكريم المفضال الخالص للمولى العظيم ذلك الحب الطاهر بل الطهور الذى يفيض على غيره مما أفاء الله عليه ,لا تطلبه دنيا ولا يحكمه هوى ولا يزيغه شيطان.
*وإن تعجب فعجب والله قلوب الأنبياء وما تحمله من ذلك الحب العظيم العميم الذى يسع الناس جميعا ,يحملهم _عليهم صلوات الله_ أن يسعوا أى سعى ويجاهدوا أى جهاد ويحرصوا أى حرص على تبليغ دعوة الله_سبحانه_لكل البشر بل يبلغ بهم الحب أن يشرفوا على الهلاك حزنا على من أعرض وقسا قلبه وتملك منه الشيطان, حتى يعاتبهم ربهم سبحانه بمثل قوله للحبيب _صلى الله عليه وسلم _(فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا),أو يلفت إلى الحقيقة الكبرى التى تغلب هذا الحب مهما عظم وهذه الرحمة مهما بلغت, (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء),ويكفيك كذلك أن تقرأ عن نبى الله نوح _عليه السلام _وجهاده لدعوة قومه ليلا ونهارا وجهرا وإسرارا حتى يأتيه (...إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس.....), ولتتخيل معى فرحة النبى العظيم _صلى الله عليه وسلم _ حين يهدى الله قلبا على يديه فينجو من النار _مثل ذلك الفتى اليهودى المريض الذى عاده –صلى الله عليه وسلم_.
*وفى هذه الجنة يتلذذ المحب بالعطاء إذ لا أخذ ولا مطمع ولا انتظار ,إنما هى جنة العطاء والبذل والتنافس فى الفضل وذلك أحد أكبر أسرار السعادة فى هذه الجنة إذ كل سرور بنى على النفع أو الأخذ فهو سرور زائل موهوم, فالسرور لا يجتمع أبدا مع إشراف النفس للأخذ والتلقى من الغير وتلك إشارة النبى _صلى الله عليه وسلم_(...من أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه.)وإن لم يوجد ذلك التطلع فإن ذلك السرور سرعان ما ينقضى إما بانقضاء أثر ذلك العطاء أو بتعود النفس عليه أو بظهور غيره مما تتمناه النفس.أما فردوس الحب فى الله فلذته مبنية على العطاء وتزداد اللذة بعظمة ما يهبه الإنسان وليس فى الدنيا أعظم من حب صادق وقلب طاهر ,لذا فالمحب فى الله أجمل الناس حياة وأكثرهم تلذذا بهذه الحياة,
*فحين يلقى المحب أخاه أو يسمع صوته فيراه سعيدا متمتعا بنعم الله عليه موفقا فإنه يمتلىء قلبه مما أفاض الله عليه من ألوان السعادة والهناء وليس ذلك لأحد إلا للمحب فى الله.
*بل حين يجد أخاه فى ضيق من الدنيا أو فى ذنب يرديه فيحزن لذلك,ويجتهد فى دفع الأذى بكل ما يملك وما يستطيع صادقا مخلصا متجردا يرى آية الله الكبرى إذ لا يكون من ذلك الحزن الصادق الخالص إلا صورة أوقشرة تعجل بالخير الذى قدره الله لذلك الحبيب وترفع ثواب المحب وقدره عند ربه ولا يتسرب منها للقلب إلا الرضا والسكينة ورضوان الله على المصلحين المخلصين.
*ومهما تباعدت أجساد المحبين فى الله مكانا أو زمانا فلا يزيد ذلك قلوبهم إلا رقة وحبا وقدرة على هذا النعيم وحين يذكر المحب أحبابه الغائبين فى ورد الرابطة كل يوم فلا تتجلى أمامه إلا صور ملائكة كرام فى أبهى صور الإحسان والفضل والخير فلا يزداد لهم إلا حبا ولابهم إلا تعلقا ولا لهم إلا دعاءا:(اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك....)
*ومن آيات المحبة فى الله حين تزل القدم ويضل الفهم وتعجم على الحليم المسائل فلا يكون إلى الهداية سبيل أيسر ولا أقرب من هذا السبيل إذ لا يدع المحب بابا إلا طرقه ولا طريقا إلا سلكه ما بين دعاء وبكاء وشدة على أخيه ومسكنة وصبر وتحقيق وأخد ورد وحتى يهدى الله أخاه إلى الحق.
*وإن سبق أحدهما أخاه إلى الله فقد بقى بعضه فى الحياة يدعوالله ويستغفر له ويلح على الله فى الدعاء والرجاء والمسألة أن لا يشقى عبد عاش فى جنة الحب فى الله.
*والحب فى الله مرآة المؤمنين وهو طبيبهم ودواؤهم ومشفاهم فليس فى الله إلا ذلك الحب الذى يرتقى بأهله إلى الله فيزيد فضلهم ويغسل ذنوبهم ويصلح عيوبهم ويجعلهم فى ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ويرفعهم عند ربهم مكانة تتعجب لها الخلائق.
*وفى هذه الجنة لا حقوق فتطلب أو يبكى عليها ولا نفس تعذب صاحبها بما تبغى ولا شيطان يهول الصغير ويزين الشرور ولا دنيا تفسد ما بين المتحابين بل هو الله ورحمته الكبرى وفضله العظيم هى أخلا ق النبى الكريم _صلى الله عيه وسلم _من سلامة الصدر إلى الإيثار مرورا بكل كريم من الصفات والأخلاق ,وهى تبشير الملائكة للمحب أن الله يحبك كما أحببت أخاك فيه, وهو القرب من الله ويكون أقربهما أشدهما حبا لصاحبه.
*وبالجملة فإن الحب فى الله _سبحانه_قيمة إيمانية عملية عظمى,وهى قدرة نفسية ضخمة, وقوة عقلية هائلة لا يستطيعها كل أحد, بل هو محض فضل الله _سبحانه_فمن وجدها فليجتهد فيها, وليكن ذلك من شكر الله عليها,ومن لم يجد, فليتوجه إلى صاحب الفضل يرجوه ويسأله ويلح على بابه لعله يكون من المفلحين السعداء.

