15/03/2010
أسامه نور الدين
سياسة غريبة تلك التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية بمختلف توجهاتها واتجاهاتها مع الدول العربية والغربية علي حد سواء، فيما يتعلق بعملية السلام، والمساعى الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ففي كل مرة يمد فيها العرب والعالم يدهم لإسرائيل بالسلام، بعد سلسلة من الاستفزازات والتراجعات والانتهاكات الفجة في حق الشعب الفلسطيني، وتجاه مقدساته وحقوقه المشروعة في الأمن والسلام، نفاجأ برد إسرائيلي مزلزل علي تلك المساعي، وذلك من خلال ارتكاب أفعال إجرامية، تهدم ما يتم بناءه ، وتهدر الجهود الحثيثة المبذولة من قبل الشركاء العرب والأمريكيين والغربيين لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فبالرغم من موافقة الدول العربية بعد سلسلة الاستفزازات الإسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، وفي ظل زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن لإسرائيل، فوجئ العالم برئيس الوزراء يعلن عن تدشين 1600 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية، في رسالة توحى بأن إسرائيل لا تحترم ولا تقيم اعتباراً لأحد، وأنها ماضية في مخططاتها الاستيطانية إلى مالانهاية، ومهما كانت التحديات والعراقيل التي تقف في طريقها، وهو ما يعني أن لا أمل في مفاوضات السلام المباشرة وغير المباشرة التي تجريها الدول العربية مع إسرائيل، وأن ما يزعمه الشريك الأمريكي من إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في غضون عامين من الأن، وهم لا سبيل لتحقيقه، بعد أن اكتفت أمريكا فيما يتعلق بعملية السلام والاستقرار في المنطقة بالأقوال دون الأفعال.
إخراج مشترك
في الواقع ما يلفت النظر، ليس الموقف الإسرائيلي، حيث أننا قد اعتدنا منه علي ذلك، فكثيراً ما حدثت تلك المواقف من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولكن الملفت هو الموقف الأمريكي، حيث يبدو من مجمل التطورات والتصريحات التي سبقت وأعقبت القرار الإسرائيلي الخاص ببناء المستوطنات، أننا بصدد تمثيلية ذات إخراج مشترك صهيو ـ أمريكي، إذ تزامنت تلك التصريحات مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جون بادين لإسرائيل، وهو الذي صرح قبل وأثناء زيارته لإسرائيل بأنه من المدافعين عنها، بل ومن الذين ساهموا في جمع تبرعات من أجل دعمها، وأن أمن إسرائيل مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية ولا يمكن التراجع عنه.
وكأنه يريد أن يقول لإسرائيل وقادتها افعلوا ما شئتم فلن ينالكم منا ضرراً ولن يصل إليكم أحداً أبداً، مكتفياً ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بوصف ما حدث بأنه إشارة سلبية جدا في العلاقات بين اسرائيل وواشنطن، وذلك لا لشئ، سوى لإعلان إسرائيل عن الاستيطان في وجود بايدن في إسرائيل.
وقد قرأت إسرائيل بدورها الرسالة جيداً، وأعادة إرسالها على طريقتها الخاصة إلى الفلسطينيين والأقطار العربية كافة، حتى تؤكد للجميع أنها حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للمضي قدماً في مخططاتها الاستعمارية والاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، وذلك بعد أيام قليلة من قيامها بتحويل الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل إلى التراث اليهودي.
والحقيقة أن ذلك يحدث بالرغم من اصطفاف اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وراء الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي وما يليه من انتخابات رئاسية، حيث ترى إسرائيل مصالحها مع اليمينيين الجدد الذي يمثلهم الحزب الجمهوري وقياداته التي مازالت مؤثرة بقوة على المسرح السياسي الاميركي ويروجون من الآن الى تأكيد عودتهم الى البيت الابيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليستمروا في سياساتهم العدوانية والمتفقة بالمطلق مع استمرار العدوان الاسرائيلي على الحقوق العربية، وهو ما يعني أن تأثير اللوبي الصهيوني علي مؤسسة الرئاسة وعلى الكونجرس الأمريكي يفوق كل التصورات، ووصل لدرجة يتعين معها أن يكون للدول العربية موقف رادع، قبل أن تؤدي تلك الاستفزازات إلى تفجير المنطقة.
تحديات ومخاطر
إن ما تقوم به إسرائيل بالرغم من الرفض والاستهجان الدولي، ليكشف لنا عن حقيقة نواياها، وأنها غير جادة في عملية السلام، فحسب تأكيدات العديد من الخبراء والمحللين، بات معروفاً أن إسرائيل تريد اقتسام الضفة الغربية مع الفلسطينيين، كما تريد المياه الإقليمية لقطاع غزة، وتريد التمركز العسكري على امتداد نهر الأردن.
ويضعنا ذلك في الواقع أمام تحديات جمة، حيث بات واضحاً أن هناك انحيازاً شبه تام من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي تجاه إسرائيل، بالرغم من علم الجميع بأن إسرائيل لا تبحث عن تسوية حقيقية، وأنها تستخدم المفاوضات للتغطية على عملية التوسيع المستمر والعلني للاستيطان وتهويد الأراضي العربية المحتلة، بل وعلم الحكومات والأنظمة العربية بأن الحكومة الصهيونية الحالية تسعى جاهدة من أجل وضع العرب أمام الأمر الواقع، وإجبارهم على التسليم بواقع إسرائيل الكبرى.
والحقيقة أن ما تقوم به إسرائيل، ويغض المجتمع الدولي عنه الطرف، من شأنها أن يجر المنطقة والعالم إلى كارثة محققة، فالشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة والمحكوم بقبضة من حديد في الضفة الغربية، بعد أن قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بتدريب قوات الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية من أجل إحباط المسيرات والمظاهرات المنددة بالاحتلال وبأفعاله الإجرامية في الضفة الغربية، لن يصمت طويلاً على تدنيس مقدساته، وخاصة بعد أن قامت فرقة من المجندات الإسرائيليات بدخول الحرم الإبراهيمي بالأحذية، وقيام الصحف الإسرائيلية بنشر الصور، فضلاً عن قيامها بالاستيلاء علي الأراضي والمقدسات الفلسطينية وتحويلها إلى كنس يهودية، وهو ما قد يسرع من حدوث انتفاضة ثالثة.
كما أنه وعلى صعيد الشعوب العربية والإسلامية، فإن صبر الشعوب علي ما يحدث للمقدسات الإسلامية في فلسطين، وعلى رأسها القدس الشريف، خاصة وأن إسرائيل تعتزم تدشين هيكلهم المزعوم على بعد أمتار من المسجد الأقصى، وتسعى من أجل هدم المسجد مستخدمة في ذلك الانفاق تارة، والتهويد تارة أخرى، وذلك على مرأي ومسمع من العالم أجمع، لن يدوم طويلاً، حيث وصل قنط وسخط الشعوب مما يحدث في فلسطين إلى القمة، وباتت الشعوب على وشك الانفجار نصرة للمسجد الأقصى، وهو ما يعني أنه مالم تقم أمريكا والمجتمع الدولي بوضع حد للاستفزازات الإسرائيلية المتعمدة تجاه الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، سيجر ذلك المنطقة لامحالة إلى انفجار حقيقي، وستكون انعكاساته خطيرة علي الجميع، وليس فقط الحكومات والأنظمة العربية التي باتت غاضبة من التصرفات الإسرائيلية الغير مسؤولة.
يضاف إلى ذلك الخوف من قيام بعض المتطرفين التابعين لتنظيم القاعدة، باستخدام ذلك ذريعة لتهديد المصالح العربية والغربية في المنطقة، دون أن يملك أحد القدرة علي ردعهم، إذ يعد ما يحدث في فلسطين فرصة لتجنيد العديد من الأفراد الرافضين للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للمقدسات الإسلامية، والرافضين كذلك لتحيز الغرب لإسرائيل علي حساب الحقوق المشروعة للعرب.
وقفة للمراجعة
إن ما يحدث في فلسطين، ليحتاج من المجتمع الدولي إلى وقفة حاسمة، فمن شأن الرضوخ للمخططات الصهيونية، والانصياع لضغط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفي أوربا، أن يجرنا لصراع طويل، وذلك في وقت تبذل فيه الدول والشعوب جهوداً مضنية من أجل نشر السلام والأمن والاستقرار في المجتمعات، خاصة وأن ما حدث في العراق وأفغانستان من دمار وخراب وموت لا يزال ماثلاً للعيان.
ومن ثم فإن من شأن رضوخ الإدارة الأمريكية الحالية والقادمة لإسرائيل، أن يضر بمصالح الجميع في المنطقة، دون أن يكون لذلك نتائج ملموسة على أرض الواقع، إذ لن تنجح مخططاتهم في التحقق، فقد سبق وجربت الولايات المتحدة أيام الرئيس السابق جورج بوش العديد من الخطط الصهيونية، التي كانت تستهدف بالأساس إدماج إسرائيل في المنطقة، إلا أن تلك الخطط قد فشلت جميعها بسبب رفض الأنظمة والحكومات العربية لها واعتبارها تدخل غير مبرر في شؤوننا الداخلية، واليوم ستفشل هذه الخطط مرة ثانية، ولكن ليس بسبب رفض الأنظمة لها، وإنما بسبب رفض الشعوب العربية والإسلامية لها، ووقوفهم حائط صد أمام تنفيذها، وهو ما يعني ان على إسرائيل والولايات المتحدة إعادة النظر فيما هم مقدمون عليه، قبل أن تقع الكارثة ويخسر الجميع.
أضف إلى ذلك أن يشهده العالم اليوم من انحياز بين لإسرائيل، ليكشف عن زيف الإدعاءات الغربية الخاصة بحقوق الإنسان، وهي وصمة عار في جبين الحضارة الغربية، التي لطالما طالبت الحكومات والأنظمة العربية باحترام تلك الحقوق ووضعها موضع التنفيذ، وهو ما من شأنه أن يوسع من الفارق بين الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الغربية، ويوجد نوع من العداء الخفي بين الجانبين، وهذا العداء قد يتحول إلى انفجار في أي لحظة.
أخيراً، لا يبقى سوى تحرك شعوب العالم دفاعاً عن الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني، وحماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وذلك بعد أن بات الأمل مفقوداً في الأنظمة التي تحكمها موازنات ومواءمات لا تستطيع معها تحقيق أي تقدم علي صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط.
ـــــــــــــــــــ
باحث سياسي

