ليبرمان وأبوالغيط وأوهام السلام ... أحمد منصور
الاثنين 13 أبريل 2009 12:04 م
13/04/2009
لم أتعجب على الأطلاق للتصريحات التى أطلقها وزير الخارجية الأسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان سواء التى تتعلق بمطالبته بتدمير السد العالي وإغراق مصر أو قوله عن الرئيس مبارك أن يذهب إلي الحجيم أو تصريحاته حول مستقبل ما يسمي بعملية السلام لأن هؤلاء هم الأسرائيليون حتى وإن ارتدي بعضهم قفازا من حرير يداري به الدماء التى تلطخ يديه من دماء العرب .
لكن الذي تعجبت له هي تصريحات المسئولين المصرييين والفلسطينيين ، فقد أطلق هؤلاء كذبة وجود عملية سلام بين العرب وإسرائيل بدأها الرئيس السادات مع صغار موظفيه كما أطلق هو عليهم قبل ثلاثين عاما وصدقوها ، ولازالوا يخدعون أنفسهم ويعتقدون أنهم يخدعون شعوبهم بهذه الأكاذيب التى يطلقون عليها عملية السلام ، لكن الشعوب لم تتجاوب حتى الآن مع هذه الأكذوبة ..
ولم تكن مصادفة أن تأتي تصريحات ليبرمان التى وضع فيها اتفاقيات السلام ومفاوضات السلام مع العرب تحت حذائه ، في الذكري الثلاثين لتوقيع ما يسمي باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ، حيث لم تشهد العلاقة بينهما سلاما علي الأطلاق فى ظل الحرب القذرة التى تشنها إسرائيل علي الشعب المصري عبر ترويج المخدرات والأيدز والعملات المزيفة وتجنيد الشباب المصري المهاجر لأسرائيل للعمل فى الموساد و الجيش الأسرائيلي ، وتدمير صحة الشعب المصري عبر المبيدات المسرطنة والفيروسات المدمرة وغيرها ـ كما جاء فى تقارير رسمية مصرية ـ ، فحققوا عبر ما يسمي باتفاقية السلام من دمار وخراب في مصر ما عجزوا عن تحقيقه طوال سنوات الحرب .
جاء ليبرمان فطرق بقوة علي رأس مروجي أكاذيب السلام من العرب بمطرقة من حديد وقال لهم أفيقوا أيها الكذابون علي شعوبكم نحن ليس لدينا لكم إلا الحرب وليس بيننا وبينكم سلام وقال ليبرمان إنه خلافا لغيرة من السياسيين الأسرائيليين يفضل أن يقول كلاما مباشرا وصريحا وكان مما قاله بصراحة ومباشرة : " إن مؤتمر أنا بولس مات ، وإن علي إسرائيل أن تستعد للحرب لكي تصنع السلام " .
ليبرمان لا يعبر عن نفسه وإنما يعبر عن الثقافة الأسرائيلية بشكل عام وثقافة من يحكمون إسرائيل بشكل خاص فالبروفيسور بن تسيون نتنياهو والد رئيس الوزراء الأسرائيلي بنيامين نتنياهو أدلي بحديث إلي صحيفة " معاريف الأسرائيلية " نشرته يوم الجمعة الماضي الثالث من إبريل الجاري قال فيه : " إن التسوية السلمية مع الفلسطينيين علي مبدأ " دولتين للشعبين " هو مجرد وهم ، وإن الحل الوحيد للصراع هو أن تفرض إسرائيل سيادتها بالقوة علي فلسطين الكاملة " وأكد والد نتنياهو علي أن ابنه بنيامين " يفكر مثله ولكنه لا يفصح عن أفكاره لأنه يخشي من ردود فعل محلية ودولية تضر بمصالح إسرائيل " وقال نتنياهو الأب أنه بصفته مؤرخ فإنه يعتبر أنه لايوجد شعب فلسطيني فالعرب الموجودون هنا ـ يقصد فى فلسطين ـ تبنوا ـ حسب زعمه ـ اسم الشعب الفلسطيني فقط لكي يقارعوا إسرائيل ولهذا فلا يحق للفلسطينيين دولة ويجب أن تبقي إسرائيل مسيطرة علي "أرض إسرائيل " .
هذا نتنياهو الأب يعبر عن نتنياهو الأبن وعن الشريحة التى تحكم إسرائيل وتدير الأمور فيها ، في الوقت الذي لازال فيه الذين يصنعون أكاذيب السلام من المسئولين العرب يشجبون ويدينون ويواصلون محاولة التدليس علي شعوبهم والحديث عن السلام وعن مبادرات لن تسحب لأنها حسب معتقداتهم ضمانة لاستمرارية دعمهم من الدول الغربية التى يستمدون منها الشرعية وليس من شعوبهم ، لكن أعجب عبارات الشجب والأدانة لما قاله ليبرمان كانت تلك التى صدرت من وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذي كلما تكلم سبب كارثة وعبر عن عجز وضعف شديدين فقد قال أبو الغيط ردا علي الأساءات البالغة التى وجهها ليبريمان إلي مصر وشعبها ورئيسها : " لا يمكن لوزير خارجية مصر إلا أن يحترم الكبرياء المصرية وبالتالي فإن من أساء لهذه الكبرياء فعليه أن يتحمل مسئوليات وكافة عواقب ما قال من كلمات .. " حينما قرات هذه العبارات اعتقدت حقا أن أبوالغيط سيستعيد الكبرياء المصرية التى مرغها هو وأمثاله من الموظفين الضعفاء فى التراب منذ أن انفرد السادات بالتوقيع علي كامب ديفيد بينما لم يجرؤ أحد من موظفيه ـ كما وصفهم ـ أن يقول له لا سوي محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية الذي استقال قبل أن يغادر واشنطن وكان رمزا للكبرياء المصرية الحقيقية ، أما الموظف الآخر الذي ذهب ليقول للسادات لا حسبما ذكر بطرس غالي فى مذكراته فقد كان نبيل العربي الذي نهره السادات كما ذكر غالي وطلب من بطرس غالي أن ينظف وزارة الخارجية من أمثاله من الموظفين الصغار الذين يتدخلون فى أعمال الكبار حيث بقي الجميع صغارا بعد ذلك .
من يقرأ تصريحات أبو الغيط هذه التى يهدد فيها ويتوعد يقول إن الجبل قد تمخض أخيرا لكن من يستكمل قراءة تصريح أبو الغيط المرعب والمهدد لوزير الخارجية الأسرائيل يعرف أن أبو الغيط كما هو أبو الغيط ولم يصبح شخصا آخر حيث يقول : " والمؤكد أنه طالما بقي موقف ليبرمان علي ماهو عليه فإنني سأكتفي إذا ما تصادف وجودنا في اجتماع بالنظر إليه .. وبالتأكيد ستظل يدي فى جيبي " هكذا سيستعيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري الكبرياء المصرية سينظر إلي ليبرمان وبالتأكيد ستظل يده فى جيبه ، لم يجرؤ أبو الغيط علي القول إنه سيرفض الأجتماع به ، لم يجرؤ علي القول إنه لن يسمح له بدخول مصر ، لم يجرؤ علي القول إن مصر يمكن أن يكون لها موقف تصعيدي ، كل ما جرؤ عليه لاستعادة الكبرياء المصرية أنه سيضع يده في جيبه وهل يعتقد أبو الغيط أن ليبرمان المتعجرف الذي طالب بذهاب رئيس مصر إلي الجحيم يمكن أن يمد يده إلي أبو الغيط من الأساس ؟
من المؤكد أن استعادة الكبرياء المصرية سوف تتم ، لكنها لن تكون علي يد أمثال أبو الغيط ، إنها ستتم علي أ يد ي رجال من أبناء مصر الشرفاء الذين هم أغلبية أهلها والذين يعرفون معني الكبرياء المصرية الحقة هؤلاء الذين لا يسرهم ما وصل إليه حال بلدهم وكيف هانت علي الجميع حتى أصبح صهيوني متطرف يهدد مصر وشعبها ويسب رئيسها بينما علم إسرائيل يرفرف فى سمائها وعملاؤها وجواسيسها يتجولون فى مصر دونما حسيب أو رقيب ثم يخرج وزير الخارجية الهمام ليستعيد الكبرياء المصرية عبر وضع يده فى جيبه
إن المعطيات كلها تؤكد علي أن المتطرفين الصهاينة سيظلون يطرقون بمطارق من حديد علي رؤوس صانعي أوهام السلام العرب حتى يكسروها ، لأن الذين صنعوا أكذوبة السلام وروجوا لها وصدقوها أغرقوا كل سفنهم ولم يعد لديهم إلا سفينة أوهام السلام التى إن لم تكن غرقت فهي في طريقها للغرق ، حيث يقوم بإغراقها صانعوا الحرب الأسرائيليين ولا ندري ماذا سيفعل مروجو السلام العرب .. هل سيفعلون مثل أبو الغيط ويضعون أيديهم في جيوبهم إذا قابلوا ليبرمان أم سيكون لهم موقف آخر ؟
الجزيرة توك