11/01/2009
قل ما شئت في خبث الإعلام الإسرائيلي، لكنك لا تستطيع أن تنكر أنه في أحيان غير قليلة ينشر معلومات تهمنا، بعضها يسلط الضوء علي ما لا نفهمه، وبعضها يخبرنا بما لا نعرفه. خذ مثلاً المقولة التي أطلقها السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية، ورددها آخرون عدة مرات، والتي ذكر فيها أن حماس لو كانت قد قبلت بالعرض المصري لتمديد التهدئة، لما جري ما جري بعد ذلك في غزة. وهي الفكرة التي هدمها حوار أجرته صحيفة «هاآرتس»» قبل أسبوعين من موعد انتهاء التهدئة في 19/12 الماضي، مع توني بلير مبعوث الرباعية الدولية للشرق الأوسط ورئيس الوزراء البريطاني السابق. في ذلك الحوار قال السيد بلير إن حل مشكلة غزة يكمن في تغيير الواقع القائم فيها، ومنع حماس من مواصلة السيطرة علي القطاع. واعتبر أن الخيار العسكري هو الوسيلة الوحيدة المتبقية لتحقيق ذلك الهدف، بعد أن ثبت بشكل واضح فشل الرهان علي الحصار والضغوط الاقتصادية والعزلة السياسية.
وقال صراحة إن لديه خطة تقوم علي تكثيف العمل العسكري ضد حماس. وفي الوقت ذاته تخفيف الضغوط الاقتصادية علي الفلسطينيين.
ما يفاجئنا في هذا الكلام أمران، أولهما: أن خيار العمل العسكري ضد سلطة القطاع كان مبيتاً من وقت مبكر قبل إعلان عدم تمديد التهدئة من جانب فصائل المقاومة. وثانيهما: أن هذا بالضبط ما فعلته إسرائيل في انقضاضها الأخير علي القطاع.
خذ أيضاً ما قاله الجنرال متان فلنائي - نائب وزير الحرب الإسرائيلي - في مقابلة أجراها معه التليفزيون الإسرائيلي باللغة العبرية ليلة الثلاثاء الماضي 29/12 من أن الظروف الدولية والإقليمية السائدة حالياً، وبينها عدم انعقاد القمة العربية، تتيح لإسرائيل استكمال حملتها علي حركة حماس في قطاع غزة.
أضاف فلنائي: أن العديد من الأطراف العربية تتفهم دوافع إسرائيل لخوض المواجهة ضد حماس، منوها إلي أن التفهم العربي يعتبر أحد أهم الظروف التي أتاحت لإسرائيل شن حملتها العسكرية، وأن ثمة شعوراً لدي الكثير من الحكومات العربية بأن هناك قاسماً مشتركاً بينها وبين إسرائيل في حربها ضد ما سماه بـ «الإسلام المتطرف».
خذ كذلك ما كتبه يوم الإثنين الماضي 29/12 يوسي بيلين - وزير القضاء الأسبق - في صحيفة «إسرائيل اليوم» وقال فيه إن الحرب في غزة لا تزعج أكثر القادة العرب، تماماً كما لم تقلقهم حرب إسرائيل ضد لبنان «عام 2006». وأضاف أنه من خبرته أدرك أنه بمجرد أن تخرج عدسات التصوير التليفزيوني من القاعات التي يجتمع فيها القادة العرب مع نظرائهم الإسرائيليين، فإن الأخيرين يسمعون من العرب أقوالاً مدهشة تفرحهم، وتقنعهم بأن ألد أعداء إسرائيل هم أيضاً ألد أعداء أولئك الزعماء. وأضاف أنه حينما تضرب إسرائيل حزب الله، فإن بعض الزعماء العرب أحياناً ما يبلغون القادة الإسرائيليين بأن عملياتهم العسكرية ينبغي أن تكون أكثر صرامة.
ودعا بيلين قادة إسرائيل إلي عدم الالتفات إلي مطالبات بعض الزعماء العرب التي تشجعهم علي تحطيم عظام حركة حماس، ثم أضاف قائلاً: لا يجب أن يكون مئات الملايين الذين يشاهدون قنوات التليفزيون العربية من مؤيدي حزب الله وأنصار حماس أو من المتطرفين، لكي يكرهونا ويمقتونا بعد المجازر التي ارتكبناها في القطاع. واستهجن الرجل أن تطالب إسرائيل والغرب العرب بإعادة صياغة كتب التعليم والمناهج الدراسية وتخليصها من المواد التي تحث علي كراهية إسرائيل، في الوقت الذي تتسبب فيه الجرائم الإسرائيلية في تجذير الشعور بالكراهية في نفوس العرب والمسلمين. وأضاف: «إن كل من يتحدث عن وجوب اقتلاع الكراهية من الكتب الدراسية ومن القلوب في العالم العربي، لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يمارس القتل ضد مدنيين عزل علي هذا النحو المفرط».
خذ أيضاً ما قاله الجنرال عاموس جلبوع - رئيس وحدة الأبحاث السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية - عما وصفه بالتحول الاستراتيجي في موقف مصر إزاء حركة حماس. حيث ذكر في مقال نشرته صحيفة «معاريف» أن مصر تتزعم العربي المعتدل والموالي للغرب، الذي يشعر بأن الإسلام المتطرف يهدده، وهو الواقع الذي أفاد إسرائيل كثيراً في تسويغ نزع الشرعية عن حكم حماس في غزة.
ولعلمك فإن صحيفة «معاريف» ثانية أوسع الصحف العبرية انتشاراً كشفت النقاب في عدد الخميس 25/12 عن أن مسئولين عرباً كباراً طالبوا إسرائيل بتصفية قيادات حركة حماس السياسيين والعسكريين، وذكر بن كاسبيت - كبير المعلقين في الصحيفة والمعروف بارتباطاته الوثيقة بالمؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل: إن أحد المسئولين العرب اتصل بعدد من المسئولين الإسرائيليين وقال لهم «اقطعوا رؤوسهم»، وأكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن إسرائيل حرصت علي أن تحصل علي شرعية عربية لضرب حركة حماس، ولم تتردد في الاطمئنان إلي ضمان تأييد مصر لهذه الضربة.
وذكرت الصحيفة أن مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان أبلغ الجنرال عاموس جلعاد - مدير الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية - بأن إسرائيل محقة في أي خطوة تتخذها ضد حماس، محملاً الحركة المسئولية عن انهيار التهدئة.
القاعدة عندي هي: كذب الإسرائيليون وإن صدقوا.. وأرجو أن تثبت الأيام هذا الظن
الدستور

