خروج الإمارات المُذل من اليمن تحت الضغط السعودي-اليمني لم يكن مجرد فشل تكتيكي، بل يمثل "لحظة فارقة في تاريخ الصراعات الإقليمية" تكشف حدود المشروع الإماراتي التوسعي في المنطقة العربية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستتكرر هذه الانكسارات في دول أخرى تدخلت فيها أبوظبي بنفس المنطق؟ الإجابة تبدو واضحة: نعم، والسودان وليبيا وسوريا هي المحطات التالية المحتملة لانحسار النفوذ الإماراتي.

 

ما حدث في اليمن ليس حدثاً معزولاً، بل هو جزء من نمط إقليمي واضح: الإمارات تدعم قوى انفصالية ومليشيات مسلحة خارج إطار الدولة، تحاول السيطرة على موانئ استراتيجية وثروات طبيعية، وعندما تصطدم بإرادة شعبية رافضة أو ضغوط إقليمية قوية، تنسحب مدعية أنه "بمحض إرادتها". هذا السيناريو يمكن أن يتكرر في أي مكان آخر تتواجد فيه الإمارات بنفس الأجندة.

 

السودان: المحطة التالية للفشل الإماراتي

 

السودان يمثل أكبر تحدٍّ للسياسة الإماراتية حالياً، حيث تواجه أبوظبي اتهامات دولية صريحة بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والتمويل، ما أدى إلى تعقيد الأزمة وإطالة أمد الحرب الأهلية. رغم محاولات الإمارات تلميع صورتها عبر "دعم إنساني" بلغ 784 مليون دولار يجعلها "ثاني أكبر مانح للسودان" ، إلا أن هذا الدعم لا يخفي حقيقة دورها في تأجيج الصراع.

 

المفارقة أن الإمارات تقدم نفسها كـ"مرفأ سلام" للسودان ، بينما تدعم عسكرياً طرفاً في الحرب الأهلية التي أوقعت عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين. هذا التناقض الفاضح بات معروفاً دولياً، والضغوط على أبوظبي لوقف دعمها للدعم السريع تتزايد. السيناريو المحتمل هو أن تضطر الإمارات، تحت ضغوط أمريكية وإقليمية، إلى وقف دعمها العسكري والانسحاب من الملف السوداني، تماماً كما حدث في اليمن.

 

ما يعزز هذا الاحتمال أن "الخارطة الرباعية" لحل الأزمة السودانية (التي تضم الإمارات ومصر والسعودية وأمريكا) تفرض على أبوظبي الالتزام بحل سياسي سلمي، وهو ما يتناقض مع دعمها العسكري لطرف في الصراع. عاجلاً أم آجلاً، ستجد الإمارات نفسها مضطرة للاختيار بين علاقاتها الإقليمية والدولية وبين مشروعها الفاشل في السودان.

 

ليبيا وسوريا: ملفات تنتظر الانفجار

 

في ليبيا، دعمت الإمارات لسنوات قوات خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وأرسلت أسلحة ومرتزقة وطائرات مسيرة في خرق صريح لحظر السلاح الأممي. لكن المشروع الإماراتي في ليبيا يواجه تحديات متزايدة مع تقدم المسار السياسي واتفاقات وقف إطلاق النار. التعليقات الساخرة على خروج الإمارات من اليمن شملت دعوات بـ"عقبال ما تخرج من السودان وليبيا بمحض إرادتها" ، في إشارة واضحة إلى أن الشارع العربي يرفض التدخلات الإماراتية في كل مكان.

 

في سوريا، دعمت الإمارات نظام الأسد المنهار، وحاولت الاستثمار في إعادة الإعمار كوسيلة لتأمين نفوذ طويل الأمد. لكن سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2025 ضربة قاسية للمشروع الإماراتي، الذي راهن على الطاغية الخاسر. السلطة الجديدة في سوريا، المدعومة شعبياً وإقليمياً من دول مثل تركيا وقطر، لن تكون صديقة لأبوظبي التي وقفت مع الجلاد ضد الشعب السوري.

 

تصدع التحالف الخليجي: نهاية الغطاء السعودي

 

ما حدث في اليمن يكشف "أزمة أوسع داخل التحالف العربي، حيث بدأت الاصطفافات الإقليمية بالتغير". الخلاف السعودي-الإماراتي "لم يعد خلافاً تكتيكياً عابرًا، بل يعكس تباينًا استراتيجيًا عميقًا في الرؤى والمصالح". البيان السعودي الذي وصف خطوات الإمارات بأنها "بالغة الخطورة" يمثل نقطة تحول في العلاقات الخليجية.

 

الباحث عادل المسني يعتبر أن "تمرد إماراتي" يعكس "تحولًا عميقًا في طبيعة العلاقة مع المملكة العربية السعودية"، محذراً من أن "تداعيات هذا التوتر لن تبقى محصورة داخل الساحة اليمنية، بل ستتجاوزها إلى نطاق أوسع". هذا يعني أن الإمارات فقدت الغطاء السعودي الذي كان يحميها إقليمياً، وأصبحت معزولة في مغامراتها.

 

المحللون يرون أن "إعلان الإمارات خروجها من اليمن، لا يعني انتهاء تأثيرها السياسي والعسكري" بالكامل ، لكنه بالتأكيد يعني انحساراً واضحاً لنفوذها. المجلس الانتقالي الجنوبي الذي راهنت عليه الإمارات لم يعد قادراً على الاستمرار دون الدعم الإماراتي المباشر، وستجد أبوظبي نفسها مضطرة للتخلي عنه تدريجياً.

 

الخلاصة أن خروج الإمارات من اليمن ليس حدثاً منفرداً، بل هو بداية سلسلة انكسارات محتملة للمشروع الإماراتي التوسعي في المنطقة. السودان وليبيا وسوريا محطات تالية لفشل سياسة دعم المليشيات والقوى الانفصالية. والأهم، أن تصدع التحالف الخليجي يعني أن الإمارات لم تعد تمتلك الحماية السعودية التي كانت تتيح لها العبث في المنطقة دون حساب.