في الوقت الذي تواصل فيه حكومة الانقلاب تسويق سردية "الإنجازات العملاقة" وتبرير الإنفاق المفرط على البنية التحتية بأنه "استثمار في المستقبل"، خرج الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد بتصريحات عارية وصادمة تنسف هذه الرواية من أساسها.
ففي تعليقه على مقال رئيس الوزراء الذي دافع فيه عن أولويات الإنفاق، لم يكتفِ فؤاد بطرح الأسئلة المسكوت عنها، بل وضع يده على الجرح النازف: سوء الإدارة الكارثي الذي حول الاستثمارات إلى ديون، والنمو إلى انكماش، وجعل السنوات الخمس الأخيرة (2020-2025) "الدرك الأسفل" في تاريخ مصر الاقتصادي الحديث، متجاوزاً بذلك كل محاولات السلطة لتعليق فشلها على شماعة "الصدمات العالمية".
"الدرك الأسفل": حين يصبح الفشل سياسة دولة
بشكل مباشر وغير قابل للتأويل، وصف الدكتور محمد فؤاد الفترة من 2020 إلى 2025 بأنها "الدرك الأسفل" اقتصادياً، مؤكداً أنها تمثل "أسوأ 5 سنوات في آخر 60 سنة من عمر مصر" من حيث معدلات النمو.
هذا التصنيف المرعب لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى مقارنة تاريخية فاضحة؛ فقد أشار فؤاد إلى أن الفترة ما بين 2005 و2010، رغم الأزمة المالية العالمية الطاحنة في 2008، كانت من أزهى فترات النمو الاقتصادي في مصر.
هذه المقارنة تضع حكومة الانقلاب في مأزق حقيقي، وتجردها من ذريعة "الأزمات العالمية" التي تستخدمها "كمظلة تفسيرية" شاملة لتبرير الانهيار. فإذا كانت حكومات سابقة قد نجحت في تحقيق نمو قوي وسط عواصف عالمية، فإن الفشل الحالي ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة لسياسات عقيمة وفشل إداري لا علاقة له بالكورونا أو حرب أوكرانيا، بل له علاقة مباشرة بمن يدير الدفة في القاهرة.
الفقر المجهول: أين ثمار المليارات المقترضة؟
وفي تفنيده لحديث رئيس الوزراء عن "الاستثمار في الإنسان"، طرح فؤاد السؤال الذي يتهرب منه الجميع: "هل نحن أفضل؟ هل نسبة الفقر تحسنت؟ متى نجني الثمار؟".
وأشار بوضوح إلى غياب الشفافية في البيانات، مؤكداً أن آخر رقم رسمي للفقر (29.6%) يعود لعام 2019، مرجحاً تفاقم هذا الرقم بشكل كبير نظراً للضغوط الاقتصادية الطاحنة في السنوات الأربع الأخيرة.
حديث فؤاد يكشف عن خلل بنيوي في "العقد الاقتصادي" الذي يتبناه النظام؛ حيث يتم التوسع في ديون والتزامات تمويلية هائلة لا تتناسب آجال سدادها مع العائد الاقتصادي "طويل الأجل" المزعوم من مشروعات البنية التحتية.
بعبارة أخرى، الحكومة تقترض لتنفق على الخرسانة والأسفلت، بينما المواطن يغرق في الفقر، والديون تتراكم لتخنق الأجيال القادمة، دون أن يظهر في الأفق أي موعد لجني ثمار هذا الإنفاق "غير المنتج" في المدى المنظور. المشكلة هنا، كما لخصها فؤاد، ليست في "فكرة" التنمية، بل في "كارثة الإدارة" التي لا تعرف كيف توازن بين الطموح والواقع، وبين الإنفاق والعائد.
صفقة الغاز مع الاحتلال: "رابحة" اقتصادياً.. ولكن بأي ثمن؟
وفي مفارقة لافتة تعكس عمق الأزمة، تطرق فؤاد إلى صفقة استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي، واصفاً إياها بأنها "Win-Win" (رابحة للجميع) وأنه سيوقعها "وهو مغمض"، مبرراً ذلك بأنها ستوفر لمصر نحو 3 مليارات دولار سنوياً عبر تقليل فاتورة استيراد الغاز المسال.
ورغم أن فؤاد يتحدث بمنطق الأرقام المجردة، إلا أن هذا الجزء من حديثه يسلط الضوء –ولو بشكل غير مباشر– على الفشل الذريع في إدارة ملف الطاقة الوطني.
فكيف تحولت مصر، التي كانت تصدر الغاز وتملك اكتشافات واعدة، إلى دولة تضطر للارتماء في أحضان الاحتلال لتوفير بضعة مليارات؟
تصريحه بأن "الصفقة لن يوقفها أحد" يعكس واقعاً مريراً: النظام بات أسيراً لحسابات الدولار الضيقة، حتى لو كان الحل يأتي عبر أنابيب الغاز القادمة من الأراضي المحتلة، في اعتراف ضمني بأن السيادة الاقتصادية قد تم التفريط فيها على مذبح الحاجة وسوء التخطيط الذي أوصل البلاد إلى حافة الهاوية.

