في مشهد يلخص حال الديمقراطية المزعومة في مصر، تحولت انتخابات مجلس النواب 2025 إلى فضيحة سياسية وأخلاقية تكشف بوضوح أن السلطة لا تكتفي بتزوير إرادة الشعب، بل تجرّم من يحاول فضح هذا التزوير.

 

الساعة 11:30 مساء الإثنين 24 نوفمبر، اقتحم أحد المرشحين برفقة 12 من أنصاره مركز شرطة فارسكور بدمياط محاولين تحرير محضر بوجود بلطجية تستخدمهم الأجهزة الأمنية لتزوير الانتخابات.

 

النتيجة؟ ليس التحقيق في اتهاماته الخطيرة، بل القبض عليه وإحالته للنيابة بتهمة "إثارة الفوضى" و"التعدي على قوات الشرطة".

 

هذه الحادثة ليست استثناءً بل قاعدة في مسرحية انتخابية هزلية شهدت تزويراً منظماً وشراءً علنياً للأصوات وقمعاً أمنياً لكل من يجرؤ على فضح الفساد.

 

فبينما تتحدث السلطة عن "نزاهة" و"شفافية"، يوثق المرشحون والمواطنون عشرات الخروقات الفاضحة التي تؤكد أن العملية برمتها مجرد واجهة شكلية لإضفاء شرعية زائفة على سلطة استبدادية.

 

سوق نخاسة سياسي: الصوت بـ300 جنيه والمقعد بـ50 مليون

 

تحولت اللجان الانتخابية إلى سوق نخاسة علني تُباع فيه أصوات المواطنين بأسعار تتراوح بين 50 و300 جنيه، ووصلت في بعض المناطق إلى ألف جنيه للصوت الواحد كما أظهر فيديو متداول من السويس

 

 

المرشحة سلوى همام في دائرة حدائق القبة شكت من شراء الأصوات بـ300 جنيه وعمليات تسويد بطاقات منظمة، بل وتعرضت للاعتداء بالضرب عندما حاولت توثيق التزوير

 

 

رصدت منظمات حقوقية ومراقبون ميدانيون في الجيزة والبحيرة والفيوم والأقصر وأسوان انتشاراً واسعاً لعمليات شراء الأصوات أمام اللجان، حيث استعانت أحزاب الموالاة بجمعيات خيرية لتعبئة الناخبين مقابل كوبونات تُستبدل بمبالغ مالية وكراتين مواد غذائية. بل إن أحد المرشحين كشف في بث مباشر أنه طُلب منه دفع 20 مليون جنيه لضمان مقعده، فكانت النتيجة اعتقاله بتهمة "نشر أخبار كاذبة" ثم الإفراج عنه بكفالة بعد أن فهم الدرس.

 

أما من يريد مقعداً في "القائمة المطلقة" فعليه دفع حتى 50 مليون جنيه للمقعد الواحد، في هندسة أمنية محكمة تضمن فوز الموالين وتحول البرلمان إلى "كارت فيد" للنائب لينهب أموال الشعب براحته


https://x.com/sadamisr25/status/1993029915029934106

 

مخالفات بالجملة وسلطة تدير الانتخابات من القصر

 

شهدت المرحلة الثانية من الانتخابات في 13 محافظة بـ73 دائرة انتخابية خروقات فاضحة شملت توزيع الدعاية داخل اللجان، حشد الناخبين بشكل مباشر لصالح مرشحين بعينهم، منع مرشحين ومندوبيهم من دخول اللجان، وعدم توفير ستائر تحجب تصويت الناخبين مما يلغي سرية الاقتراع.

 

في قرية نشا بمركز نبروه في الدقهلية، وثق الصحفي علي بكري مشاهد لما يُفترض أنها "لجنة انتخابية" تحولت إلى مهزلة كاملة

 

 

الأخطر من ذلك هو الاعتراف الضمني بأن السلطة التنفيذية - وليس الهيئة الوطنية للانتخابات - هي من تدير العملية بالفعل. فعندما وقع التزوير، لم يتوجه المرشحون للهيئة المفترض أنها "مستقلة"، بل ذهبوا مباشرة إلى رئاسة الجمهورية. وعندما تصاعدت الشكاوى، تمسكت الهيئة لمدة أسبوع كامل بأن "النتائج نزيهة" حتى نشر السيسي رسالة علنية يطالب فيها بـ"التدقيق" وإلغاء النتائج إن لزم الأمر، فتراجعت الهيئة فوراً وألغت نتائج 19 دائرة.

 

هذا المشهد يكشف بوضوح أن الهيئة الوطنية للانتخابات ليست سوى واجهة شكلية، وأن القرار الحقيقي يُتخذ في القصر الرئاسي، وأن الحديث عن "استقلالية" أو "نزاهة" مجرد كذبة فجة لا يصدقها أحد.

 

استبعادات تعسفية وقضاء منحاز

 

لم يبدأ التزوير يوم الانتخابات، بل من مرحلة الترشح نفسها، حيث استبعدت الهيئة عشرات المرشحين بأسباب واهية منها سوابق قضائية في قضايا سياسية أو عدم أداء الخدمة العسكرية بناءً على قرار منفرد من وزارة الدفاع. شمل الاستبعاد نواباً سابقين من المعارضة لم يُمنعوا من الترشح في انتخابات سابقة، في إشارة واضحة إلى أن المعيار الوحيد هو الولاء للنظام وليس القانون.

 

ورغم لجوء المستبعدين للقضاء، رفضت المحكمة الإدارية العليا جميع الطعوننات في قرار سياسي يكشف تبعية القضاء للسلطة التنفيذية. هذه الهندسة المسبقة ضمنت أن المنافسة - إن صح التعبير - ستكون بين موالين وموالين، بينما أُقصيت أي أصوات معارضة حقيقية من البداية.

 

شعب يُسخر من نفسه ونظام يزوّر بلا حياء

 

المفارقة المأساوية أن جزءاً من الشعب نزل يتظاهر ويحتج على التزوير لصالح مرشح ضد آخر، بينما لم يحتج على غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية نفسها

 

 

كما لخص د. مراد علي الوضع بدقة: "جميع المرشحين كانوا يعلمون مسبقاً أن العملية تفتقر لأبسط معايير الشفافية، لكنهم خاضوها طمعاً في أن يكون التزوير لهم لا عليهم. فلما جاءت النتائج على غير ما يشتهون، علت أصوات الاحتجاج"

 

 

المشكلة الحقيقية في قبول الجميع بقواعد لعبة مزورة من الأساس، في إشراك أنفسهم طوعاً في مشهد يفتقد الشرعية، في البحث عن الرضا من السلطة التنفيذية بدلاً من الشعب. لا إصلاح سياسي حقيقي ممكن ما دام اللاعبون يقبلون التزوير حين يخدم مصالحهم ويرفضونه حين يقصيهم. الشرعية لا تُبنى على صندوق مكسور ولا على منافسة صورية ولا على رضا السلطة، بل على إرادة الناس وحدهم

 

 

الخلاصة: ديمقراطية الواجهة وبرلمان التزوير

 

ما حدث في انتخابات 2025 ليس مجرد "مخالفات" أو "تجاوزات"، بل هو نظام متكامل للتزوير المنظم وشراء الإرادة الشعبية وقمع من يفضح الفساد. من فارسكور إلى القاهرة، ومن السويس إلى أسوان، تتكرر المشاهد نفسها: أصوات تُشترى، بطاقات تُسود، مرشحون يُضربون، محتجون يُقبض عليهم

 

 

والنتيجة؟ برلمان لا يمثل الشعب بل يمثل من دفع أكثر، مجلس نواب تحول إلى مجلس تجار يشترون المقاعد بالملايين لينهبوا المليارات، ديمقراطية زائفة تُفرغ الانتخابات من أي شرعية وتحول العملية السياسية إلى مهزلة لا يحترمها أحد. وحتى يدرك الشعب أن الشرعية الحقيقية تأتي من إرادته الحرة وليس من صناديق مزورة، ستظل هذه المسرحية تتكرر والهتاف الوحيد المنطقي يتردد: "تزوير.. الغوها"