حذر حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، من أن الانخفاض الحاد في أسعار البيض خلال الفترة الحالية لا يُعد مؤشرًا إيجابيًا كما يعتقد البعض، موضحاً أن البيع بأسعار تقل عن تكلفة الإنتاج يعرض آلاف المربين لخسائر كبيرة قد تدفعهم للخروج من السوق، في مشهد يكشف فشل حكومة الانقلاب الذريع في إدارة الاقتصاد وتنظيم الأسواق، وتركها لقوانين الغاب تحكم السوق، بينما المنتج الصغير يخسر، والتاجر يربح، والمستهلك يدفع أضعاف السعر، والحكومة تتفرج.
البيع بالخسارة.. المربون ينزفون والحكومة صامتة
قال المنوفي في تصريحات صحفية: "دائمًا وأبدًا أنحاز للمستهلك، ولكن حماية المستهلك تبدأ بحماية دورة الإنتاج نفسها؛ لأن انهيار المنتج اليوم يعني ارتفاعًا جنونيًا يصعب السيطرة عليه غدًا". هذا التصريح يكشف حقيقة بسيطة تعجز حكومة الانقلاب عن فهمها: الأسواق تحتاج إلى تنظيم وإدارة، وليس إلى فوضى وعشوائية.
المربون الصغار الذين يبيعون البيض والدواجن بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج يتعرضون لـخسائر فادحة ستدفع الكثير منهم للخروج من السوق، وحين يخرج المربون من السوق، سيحدث نقص حاد في المعروض، مما سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، يدفع ثمنه المواطن البسيط. لكن حكومة الانقلاب لا تفهم هذه المعادلة البسيطة، أو لا تريد أن تفهمها، لأنها منشغلة بأمور أخرى لا علاقة لها بحياة المواطنين.
الصوم المسيحي ورمضان.. أزمة قادمة
أضاف المنوفي أن السوق يستعد لمرحلة من الركود في الطلب خلال الأسابيع المقبلة مع بدء صيام الإخوة المسيحيين، مما يزيد من ضغوط الخسائر على المنتجين. وعندما يحل شهر رمضان – ذروة الاستهلاك – قد يكون كثير من المربين قد توقفوا بالفعل عن الإنتاج، ما يؤدي إلى فجوة مفاجئة في المعروض ترفع الأسعار بصورة كبيرة وغير مبررة.
هذا السيناريو ليس افتراضياً، بل واقعي جداً بناءً على تجارب سابقة مع سلع أخرى. حكومة الانقلاب لا تخطط، بل تتفاعل مع الأزمات بعد وقوعها، وبشكل عشوائي وغير فعال. النتيجة: أزمات متكررة في أسعار السلع الأساسية، يدفع ثمنها دائماً المواطن البسيط والمنتج الصغير، بينما التجار الكبار والوسطاء يحققون أرباحاً طائلة.
المزارع تبيع بـ58 جنيهاً.. والمواطن يشتري بـ80 جنيهاً
قال الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية، إن المواطن لا يشعر بانخفاض الأسعار داخل المزارع، بسبب الحلقات الوسيطة. وأضاف أن المربين يبيعون الدواجن حالياً بـ**"خسارة"**، مشيراً إلى أن سعر البيع في المزرعة الآن يتراوح بين 57 و58 جنيهاً، في حين أن التكلفة الفعلية لا تقل عن 65 جنيهاً.
في المقابل، يشتري المواطنون الدواجن من البائع مقابل 75 و80 جنيهاً للكيلو. هذا المشهد الفاضح يكشف أن المربي يخسر، والمواطن يدفع غالياً، بينما الوسطاء والتجار يحققون أرباحاً خيالية تصل إلى أكثر من 20 جنيهاً للكيلو، أي أكثر من 35% من السعر النهائي.
أين دور حكومة الانقلاب في تنظيم السوق? أين دور وزارة التموين في مراقبة الأسعار؟ أين دور جهاز حماية المستهلك في ضبط الوسطاء؟ الإجابة: لا دور، لا رقابة، لا تنظيم. الحكومة تترك السوق للفوضى، والمواطن البسيط يدفع الثمن.
"وضع غير منطقي".. المربي يخسر والتاجر يربح
انتقد السيد الوضع الحالي "غير المنطقي أو العقلاني"، الذي يؤدي إلى خسارة صاحب المزرعة، بينما يحقق تاجر الجملة والتجزئة أرباحاً على حساب المواطن الذي يشتكي ويشتري بـ75 أو 80 جنيهاً. وحذر من خطورة استمرار هذا الوضع، الذي من شأنه أن يؤدي إلى خروج مجموعة كبيرة من صغار المنتجين من السوق، وعودة الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى.
هذا الوضع "غير المنطقي" هو النتيجة الطبيعية لـغياب التخطيط وفشل الإدارة من قبل حكومة الانقلاب. السوق يحتاج إلى تنظيم، ورقابة، وسياسات واضحة تحمي المنتج والمستهلك معاً. لكن الحكومة منشغلة ببناء القصور والكباري الاستعراضية، بينما الاقتصاد الحقيقي ينهار، والمنتج الصغير يُسحق، والمستهلك يُنهب.
البورصة السلعية.. حلم بعيد المنال
إنشاء بورصة سلعية إلكترونية للبيض والدواجن هو حل عصري وفعال لتوفير تسعير شفاف ومنع التقلبات العنيفة. لكن تنفيذ هذا الحل يتطلب بنية تحتية تكنولوجية ونظام إداري كفء وإرادة سياسية، وهي أمور غير متوفرة في نظام الانقلاب.
البورصة السلعية موجودة في دول كثيرة، وتحقق استقراراً في الأسعار وشفافية في التعاملات. لكن مصر، رغم حديث الحكومة المتكرر عن التحول الرقمي والتطوير التكنولوجي، لا تزال عاجزة عن إنشاء بورصة سلعية بسيطة للبيض والدواجن.
ارتفاع جنوني قادم.. والحكومة لن تتحرك
شدّد المنوفي على أن استمرار الانخفاض الحالي في الأسعار سيقود إلى أزمة أكبر خلال أشهر قليلة، مؤكداً أن الاستقرار السعري وليس الهبوط غير المنطقي هو الضمان الحقيقي لحماية المنتج والمستهلك معاً.
هذا التحذير لن تسمعه حكومة الانقلاب، أو ستسمعه وتتجاهله، كما تجاهلت عشرات التحذيرات السابقة من خبراء ومختصين. وحين تقع الأزمة، وترتفع الأسعار بشكل جنوني، ستخرج الحكومة لتلقي اللوم على التجار والمضاربين والظروف الخارجية، دون أن تعترف بـفشلها وسوء إدارتها.

