في واقعة تليق بدولة عصابات لا دولة قانون، قررت نيابة التجمع الخامس إخلاء سبيل المحامي والمرشح البرلماني محمود جويلي بكفالة 100 ألف جنيه بعد ثمان ساعات كاملة من التحقيق، على خلفية اتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة" و"إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي".
هذا بينما تتجاهل السلطة تمامًا اتهامات خطيرة وجهها المرشح نفسه عبر فيديوهات موثقة، بشأن مضايقات أمنية وابتزاز مالي بقيمة 20 مليون جنيه لإدراجه ضمن مرشحي حزب مستقبل وطن الموالي للنظام، إضافة إلى خطفه أمام منزله بعربيات دفع رباعي واقتياده إلى جهة مجهولة في مشهد أشبه بعمليات المافيا.
ما حدث ليس خلافًا انتخابيًا أو خطأً إداريًا—بل فضيحة سياسية وقانونية مدوية تفضح طبيعة الانتخابات في عهد السيسي، والتي تحولت من استحقاق ديمقراطي إلى مسرحية قذرة تُدار بالأمن والرشاوى والتهديد والخطف.
اختطاف مرشح على أبواب الانتخابات.. في دولة تدّعي "الاستقرار"
بحسب رواية أسرته وشهادة زوجته، فإن قوة مجهولة مكوّنة من أربع سيارات سوداء قامت ليلة السبت باعتراض جويلي أمام منزله، بعد استدراجه بحيلة اصطدام بسيارته.
وتقول زوجته في الفيديو الذي أشعل مواقع التواصل: "أنا جوزي اتخطف من قدام باب بيته… كتفوه ودخلوه العربية قدام ابنه، وما نعرفش راح فين".
اعترض على تزوير الانتخابات..
— حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) November 16, 2025
زوجة المرشح لمجلس النواب المستشار «محمود جويلي»، تعلن عبر مقطع فيديو، اختطاف زوجها على يد مجهولين، تعتقد أنهم تابعون لقوات الأمن أو جهة رسمية في الدولة، وذلك من أمام منزله في القاهرة الجديدة pic.twitter.com/fgwKiNtC2L
ووصفت الساعات التالية بأنها رعب كامل وتهديدات بالتزام الصمت، مؤكدة أنها حررت 3 محاضر رسمية دون أي استجابة من الداخلية، بل تلقت مكالمات تهديد: "متفتحيش بوقك علشان يخرج"
هذه الوقائع لا تعكس مجرد غياب القانون—بل تؤكد أن الأجهزة الأمنية أصبحت أداة انتخابية قذرة تستخدم الخطف والترهيب لصالح مرشحين بعينهم مدعومين من السلطة.
فيديوهات جويلي: رشوة بـ20 مليون وتقطيع لافتات وحصار أمني
قبل اعتقاله، نشر جويلي عدة فيديوهات يكشف فيها تعنتًا أمنيًا منظمًا، وذكر تعرض حملته لـ: تمزيق اللافتات الانتخابية في القاهرة الجديدة وبدر والشروق
قولتولي هات 20 مليون جنيه".. المرشح لمجلس النواب المصري عن دائرة التجمع الخامس، محمود جويلي، يكشف ابتزازه بـ20 مليون جنيه مقابل الحصول على مقعد في البرلمان.. هذا احدى مشاهد #الانتخابات المصرية المزورة في عهد #السيسي #مصر pic.twitter.com/4R8Ptw1gJF
— سمية الجناينى (@somayyaganainy) November 15, 2025
- منع مسيرات انتخابية واحتجاز سيارات الحملة
- ابتزاز مالي مقابل ضمه لقوائم حزب مستقبل وطن
- ملاحقة الشرطة لمندوبيه
وأكد أن ما فعله لم يكن سوى الدفاع عن حقه القانوني في الترشح بعد يومين من المضايقات: "بعمل فيديوهات علشان محدش قادر يسمع صوتي"
لكن النظام لا يريد صوتًا خارج النص—فكان الرد خطفًا وتحقيقًا وتلفيق اتهامات جاهزة.
النيابة تتهم… وتتجاهل الجريمة الأكبر
بدلاً من التحقيق في جريمة الاختطاف والتهديد وترويع الأسرة، واجهت النيابة المرشح بتهمة "نشر أخبار كاذبة" بناءً على محضر من وزارة الداخلية.
ووفقًا للمحامي عمرو الخشاب، الذي حضر التحقيق: "التحقيق اعتمد فقط على محضر الداخلية دون النظر لبلاغات الاختطاف أو الأدلة المصورة"
فمن الضحية؟ ومن الجاني؟
في قاموس الاستبداد، الجاني دائمًا آمن، والضحية دائمًا متهم.
انتخابات؟ أم سوق نخاسة سياسي؟
قضية جويلي تفضح ما يحدث في انتخابات مجلس النواب:
رشاوى بالملايين
إقصاء مرشحين شعبيين
بلطجة أمنية
نتائج تُصنع داخل المكاتب الأمنية
ملاحقة أي صوت يتحدث
فكيف يمكن لدولة تخطف مرشحًا أمام ابنه وتخفيه 24 ساعة أن تزعم أنها دولة انتخابات؟ وأي معنى للسياسة حين يتحول المرشح من منصة خطاب إلى منصة تحقيق؟
رسالة واضحة: أنت إما معنا… أو تحت الجزمة الأمنية
القضية تؤكد أن النظام المصري مرعوب من شعبية أي شخص خارج الماكينة الرسمية. فالانتخابات بالنسبة للسلطة ليست تعبيرًا عن إرادة شعب، بل أداة لتجميل الاستبداد وإنتاج برلمان مطيع منزوع القدرة.
فالجويلي لم يهدد الأمن القومي، بل هدد احتكار السلطة، ولذلك كان الخطف والاتهامات الجاهزة أسرع من صناديق الاقتراع.
بلد بلا قانون… وانتخابات بلا ديمقراطية
واقعة الجويلي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالدولة التي تخطف مرشحًا برلمانيًا وتتهمه بجريمة الكلام، لا يمكن أن تُقنع أحدًا بأن هناك انتخابات أو منافسة أو حياة سياسية.
إنه نظام يخاف من فيديو على فيسبوك أكثر مما يخاف من انهيار الاقتصاد، ويخشى كلمة أكثر مما يخشى ثورة.

