في أول اختبار حقيقي لقدرات الدولة على مواجهة موسم الشتاء، أثبتت حكومة الانقلاب عجزها الكامل عن حماية مدينة بحجم بورسعيد من "أمطار موسمية"، رغم كل ما تدّعيه من جاهزية واستعداد.

 

ساعات قليلة من سقوط الأمطار كانت كافية لغرق شوارع المدينة، وإحداث شلل مروري كامل، وتعطيل مصالح المواطنين، وكشف زيف وعود "الدولة الحديثة" التي يتغنى بها الإعلام الرسمي، بينما المواطنين يخوضون شوارعهم بالأقدام وسط مياه الأمطار.

 

 

ما حدث في بورسعيد لم يكن نتيجة قوة الطبيعة، بل بفعل الفشل المزمن، وسنوات من التجاهل المتعمّد للبنية التحتية، وإهدار المال العام في مشروعات استعراضية لا تخدم الإنسان ولا تحميه.

 

مدينة تغرق والمحافظ "يتابع من غرفة العمليات"

 

رغم الغرق الكارثي الذي ضرب شوارع وميادين بورسعيد في أول أيام الشتاء، لم يتجاوز رد فعل المحافظ المعين من سلطة الانقلاب — محب حبشي — أكثر من تصريحات إنشائية مكررة عن "غرف عمليات"، و"انتشار فرق الطوارئ"، و"رفع درجات الاستعداد القصوى".

 

لكن على الأرض، لا شيء من ذلك تحقق، ولا تزال المياه تغمر الطرق الرئيسية، فيما يضطر المواطنون إلى المغامرة بأرواحهم لعبور الشوارع، أو البقاء محاصرين في منازلهم بسبب انعدام وسائل الصرف السريعة أو التدخل الفعّال من الأجهزة التنفيذية.

 

أين ذهبت مليارات "المشروعات القومية"؟

 

يتفاخر النظام على الدوام بالمليارات التي أنفقها على "البنية التحتية"، والمبادرات الاستراتيجية، و"الجمهورية الجديدة"، لكن كل هذا ينهار مع أول موجة مطر.

 

أين ذهبت ميزانيات الصرف الصحي؟

 

أين هي منظومة الطوارئ التي يُفترض أنها تستعد سنويًا لمثل هذه الحالات؟

 

الواقع يقول إن المال لم يُنفق على الصيانة، بل على واجهات إسمنتية، ومناقصات مغلقة لصالح شركات محسوبة على النظام، بينما يتم تجويع المحليات، وتهميش الكفاءات، وتسيير المدن بالعشوائية والولاءات لا بالكفاءة.

 

المحافظ يتحدث.. والواقع يفضحه

 

في تصريحاته الرسمية، تحدث محافظ بورسعيد عن "متابعة لحظية"، و"توجيهات برفع المياه"، و"فرق ميدانية منتشرة"... لكن المواطن البسيط لم ير شيئًا من ذلك.

 

العشرات من الشوارع في قلب المدينة، وكذلك مناطق سياحية حيوية، غرقت بالكامل، ولم تكن هناك سيارات شفط كافية، ولا استعدادات حقيقية.

 

أين كانت تلك الأجهزة عندما بدأت الأمطار؟

 

ولماذا تتحرك الدولة دومًا بعد الكارثة، وليس قبلها؟

 

والأهم: لماذا لا يُحاسب أحد على الفشل المتكرر سنويًا؟

 

فشل في أول جولة.. فماذا عن الشتاء القادم؟

 

إذا كانت هذه هي حالة بورسعيد في أول أيام موسم الأمطار، فماذا عن الأيام القادمة؟

 

ماذا عن الإسكندرية، والدلتا، ومدن الصعيد التي لا تملك حتى الحد الأدنى من البنية التحتية؟

 

هل تنتظر الدولة كوارث أخرى حتى تعترف بفشلها؟ أم أنها ستستمر في الكذب على الناس، والتصوير من داخل "غرف العمليات" بينما الناس يغرقون؟

 

حكومة الانقلاب لا تعرف إلا الفشل والبيانات

 

الحكومة التي تلاحق الناس على مواقع التواصل، وتغلق الأفواه بالحبس والتهديد، عاجزة عن مواجهة سحابة مطر واحدة.

 

تحاصر الناس سياسيًا، وتفشل في حمايتهم خدميًا، وتدّعي أنها تبني وطنًا جديدًا بينما تُغرق المدن القديمة بسوء الإدارة.

 

تصريحات محافظ بورسعيد، وكل المسؤولين في حكومة الانقلاب، ليست إلا تكرارًا مُملاً لمشهد مأساوي لم يعد المواطن يصدّقه.

 

الدولة التي تفشل في تصريف مياه المطر، لا يمكنها أن تدير اقتصادًا، ولا تؤمّن مستقبلًا، ولا تستحق أن تبقى فوق رقاب الناس.