في وقتٍ تُروّج فيه حكومة الانقلاب لـ«التعافي الاقتصادي» و«نموّ البلاد»، تكشفت الوقائع بأن حياة المصريين اليومية تشهد ارتفاعًا في الأسعار لا يقلّ عن حدة الأزمة. فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين إلى 264.3 نقطة خلال أكتوبر 2025، ما يعادل زيادة شهرية بواقع 1.3٪ – في حين أن معدل التضخم السنوي ما زال مرتفعًا عند حوالي 10.1٪. هذا الواقع يُلقي بظلاله على مصداقية الشعارات الحكومية التي تبدو بعيدة عن هموم المواطن اليومي.
ارتفاع الأسعار.. دستور تأكيد أن النمو لا يشمل الجميع
رغم تصريحات الحكومة التي تُعلن أن الاقتصاد «يشهد انفراجة» و«بوادر استقرار»، إلا أن الأرقام الفعلية تكشف أن المواطن العادي لا يزال تحت ضغط ارتفاع مستمر للأسعار. الجهاز المركزي أرجع زيادة التضخم الشهري إلى ارتفاع أسعار عدد من السلع والخدمات الأساسية:
مجموعة الخضروات ارتفعت بنسبة 12.9٪، الأعلى بين المجموعات الأساسية.
- الألبان والجبن والبيض قفزت بنسبة 1.9٪.
- الحبوب والخبز بنسبة 0.3٪، اللحوم والدواجن 0.2٪.
- بينما انخفضت الفاكهة بنسبة 10.6٪ فقط، وهو إنجاز شكلي أمام ترحيل العبء الاقتصادي إلى باقي السلع.
هذه الأرقام تؤكد أن النمو الاقتصادي لا يتوزع بالتساوي، وأن ارتفاع الأسعار يحول «النمو» إلى عنوان دعائي لا يعكس الواقع المعاش.
الفقراء أول من يدفع.. البُنية التشريعية والسياسات المرتبطة
تصريحات رسمية تُروّج لتوسع خدمات الرفاه وجذب الاستثمارات، فيما المواطن البسيط يُحاصره تضخم ثابت يرتبط غالبًا بقرارات حكومية مباشرة – مثل رفع أسعار الوقود أو تعديل الإيجارات. وقد أشار خبر وكالة Reuters إلى أن رفع أسعار الوقود بنسبة نحو 12 ٪ في أكتوبر ساهم في ارتفاع التضخم الشهري.
في هذا السياق، تُطرح التساؤلات حول مدى قدرة المواطن على الاستفادة من «النمو»، في حين أن سياسات الدعم والاستثمار تُركّز غالبًا على المشاريع الكبرى دون حماية كافية للفئات المهمّشة.
من التسويق إلى الواقع المعاشي: أي تغيير؟
ما يلفت الانتباه هو أن بعض القطاعات التي تُعلن الحكومة أنها انتصرت فيها، مثل الصناعة أو السياحة، تغيب عن الحصص التي يشعر بها المواطن العادي في مطبخ منزله أو سوق الخضروات. ففي حين يتم الإعلان عن نمو الاقتصاد أو تدفقات استثمارية، يظل «رفع سعر الخضروات» أمرًا مفصليًا في راتب العامل أو دخل الأسرة.
كما أن ارتفاع الإيجارات بنسبة 0.7٪ وصيانة المسكن 0.3٪ – بحسب الأرقام – رغم كونها أقل من بعض السلع الأساسية، تُعد تأكيدًا على أن «النمو» لم يتخطَ بعد حدّ العيش، فيما المواطنين ما زالوا يكافحون لضمان «الاستقرار» لا «الرفاه».
الطموح المنشود لا يُبنى على إحصائيات فقط
إذا كان الهدف الرسمي هو «تعافي الاقتصاد»، فإن التعافي الحقيقي لا يُقاس فقط بنسب النمو، بل بمدى انخفاض معاناة المواطن في متجره أو منزله. إن إعلان ارتفاع أسعار المستهلكين بينما تُعد الحكومة نفسها منجزات، يشكّل تناقضًا صارخًا بين الخطاب والدلالة الحيّة على الأرض.
المطلوب إذًا ليس مزيدًا من البيانات أو التصريحات، بل سياسات تُعيد الشعور بالعدالة الاقتصادية، وترافُق النمو مع تحسين القدرة الشرائية، وضمان توزيع عادل للثروات وسط استثمارات تُترجم فعليًا إلى حياة أفضل للطبقات العاملة والفقيرة. وحتى ذلك الحين، فإن «النمو» الرسمي سيبقى شعارًا لا ينعكس في دعم ملموس للناس.

