مصطفى عبد السلام
رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"
عادت صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر إلى الواجهة هذه الأيام، في ظل خلط أوراق ملحوظ، ومزاعم تتحدث عن تلكؤ حكومة نتنياهو في تمرير الاتفاقية المتعلقة بالصفقة، ومعها طُرِحت عشرات الأسئلة بشأن مصير الصفقة التي أُبرِمت في أغسطس/آب الماضي بقيمة 35 مليار دولار، وتقضي بإمداد دولة الاحتلال القاهرة بالغاز الطبيعي حتى العام 2040.
أول الأسئلة: هل حقاً تواجه الصفقة المثيرة للجدل عقبات تحول دون تنفيذها، أم أن هذه لعبة تمارسها علينا دولة الاحتلال لإظهار أن هناك توتراً حقيقياً في العلاقة بين تل أبيب والقاهرة، وأن تل أبيب تعاقب القاهرة على موقفها من حرب غزة؟
وهل صحيح أن صفقة الغاز تحولت إلى ورقة ضغط إسرائيلي ضد مصر، وإلى مصدر توتر جديد بين الجانبين، مع محاولات تل أبيب استغلالها كورقة ضغط سياسية واقتصادية لليّ ذراع القاهرة، ودفعها نحو قبول خطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو الأمر الذي ترفضه مصر بشكل قاطع؟
وهل صحيح أن إسرائيل قررت بالفعل تجميد أكبر صفقة غاز في تاريخها؟ خاصة مع إطلاق وزير الطاقة إيلي كوهين تصريحات قال فيها إن وزارته لن تصادق في الوقت الراهن على الاتفاقية، وإن الظروف السياسية الراهنة لا تسمح بإتمام الصفقة، وزعم وجود قضايا عالقة تتعلق بالتسعير المحلي والمصالح الوطنية، وهل تل أبيب لديها رفاهية التضحية بـ 35 مليار دولار قيمة الصفقة، وهي الأموال التي تمكنها من سد كلفة الحرب الضخمة على غزة وعلاج عجز الموازنة العامة ودفع الرواتب والأجور للموظفين وبناء مستشفيات ومدارس وترميم البنى التحتية المهدمة؟
هذه الأسئلة وغيرها طُرِحت بقوة هذه الأيام وصاحبتها تطورات عدة ملفتة، منها ما تردد عن إلغاء وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، زيارته المقررة إلى تل أبيب ولمدة ستة أيام، بعد أن رفض نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين المصادقة على اتفاق تصدير الغاز إلى مصر
سبق هذا التطور مباشرة خفض إسرائيل صادرات الغاز لمصر الشهر الماضي ولمدة 12 يوماً، حيث هوت واردات الغاز لنحو الثلث منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول وحتى بداية الشهر الجاري، بحجة إجراء أعمال صيانة في حقل تمار، وأن مصر طلبت من الموردين توفير شحنتي غاز مسال إضافيتين لتعويض تراجع كميات الغاز الإسرائيلي. وقبلها أوقفت تل أبيب إمدادات الغاز إلى مصر أكثر من مرة، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي أثناء حرب خاطفة مع إيران، ووقتها توقف الإنتاج في حقل ليفياثان خشية استهدافه من الصواريخ الإيرانية، وهو الأمر الذي انعكس سلباً على أنشطة المصانع وشركات إنتاج الكهرباء المصرية المعتمدة على الغاز.
صاحب التطورين السابقين أيضاً حديث عن ضغوط مكثفة تجريها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تل أبيب لتمرير صفقة الغاز لمصر، وأن شركة شيفرون الأميركية، التي تدير الحقل المورد للغاز إلى مصر شاركت في تلك الضغوط.
في مقابل تلك التطورات وغيرها رأينا رياحاً معاكسة من القاهرة، منها مثلاً حديث عن بدء مصر إنشاء خط أنابيب غاز جديد داخل سيناء يتم عبره نقل الكميات الإضافية من الغاز الإسرائيلي حتى عام 2040، وتُقدّر الكلفة بنحو 400 مليون دولار. كما تردد أن البنك الأهلي المصري، أكبر بنك مملوك للدولة، يعتزم إقراض شركة "غاز شرق المتوسط" 300 مليون دولار لتمويل إنشاء الخط الجديد.
وبغض النظر عن العامل الأخير وفي ظل تلك التطورات السابقة فإن السؤال: هل تتحرك القاهرة للحصول على احتياجاتها من الطاقة بعيداً عن غاز تل أبيب وموافقة الحكومة المتطرفة بها، أم تراهن على نجاح الضغوط الأميركية والأوروبية التي تُمارَس حالياً على حكومة نتنياهو في محاولة لدفعها نحو تمرير صفقة الغاز مع مصر؟

