تمثيل مشروط في مشهد انتخابي محكوم

 

في خضم التحضيرات لانتخابات مجلس النواب المصري 2025، أعلنت "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" أسماء مرشحيها ضمن ما يسمى بـ"القائمة الوطنية من أجل مصر"، وهو تحالف سياسي تُديره مؤسسات قريبة من النظام. ورغم الضجة الإعلامية المصاحبة، أثار التشكيل موجة من الانتقادات، كان أبرزها تعليق الكاتب الصحفي أنور الهواري، الذي وصف نواب التنسيقية بأنهم "نواب اللقمة الطرية" — تعبير سياسي ساخر يكشف ما وراء هذه التشكيلات من هندسة وإخضاع، لا علاقة له بالتمثيل الشعبي الحقيقي.

 

الهواري: هؤلاء لا يمثلون إلا السلطة

 

في عدة منشورات متعاقبة، هاجم الهواري فكرة صناعة برلمان بـ"الريموت كنترول"، معتبراً أن نواب التنسيقية ليسوا سوى واجهة جديدة لنظام قديم من الاستتباع السياسي، وأكد أن غياب الحريات وانعدام المنافسة الحقيقية يُفرغ البرلمان من جوهره كمؤسسة رقابية وتشريعية.

 

وقال الهواري إن "المشكلة ليست في الشباب أو في الأحزاب، بل في الطريقة التي تُدار بها العملية السياسية برمتها، حيث تُغيب الإرادة الشعبية وتُفرض الأسماء من فوق". وأضاف: "في ظل القهر السياسي والتضييق الأمني، من الطبيعي أن تتحول الانتخابات إلى طقس شكلي، والنواب إلى ديكور سلطوي".

 

تنسيقية شباب الأحزاب: غطاء سياسي بملامح أمنية

 

تتكون تنسيقية شباب الأحزاب من مرشحين ينتمون إلى طيف واسع من الأحزاب مثل حزب الوفد، حماة الوطن، مستقبل وطن، وحزب العدل، لكن في الواقع تمثل هذه الكيانات طيفاً واحداً: الطيف الموالي للنظام.

 

يتم اختيار الأسماء وفق معايير تتعلق بالولاء والانضباط السياسي أكثر من الكفاءة أو التمثيل الشعبي. وقد أُفرغت التنسيقية تدريجياً من الأصوات المستقلة أو ذات الرأي المخالف، وباتت منصة لإعادة تدوير النخب المرتبطة بالأجهزة، ضمن ما يسميه البعض "ديمقراطية الشكل بلا مضمون".

 

خلفية النظام الانتخابي وتميم المشهد مسبقًا

 

انتخابات 2025 شهدت استكمالًا لنهج الهندسة السياسية، حيث جرى اعتماد نظام مزدوج (قائمة وفردي)، لكن القوائم الوطنية حُسمت مسبقًا لصالح قوى موالية، بينما جرت ملاحقة رموز المعارضة أو استبعادهم إداريًا أو أمنيًا.

 

في المقابل، شهدت بعض الدوائر الفردية مظاهر من المال السياسي وشراء الأصوات، بما يعكس هشاشة العملية الديمقراطية وتحكم السلطة التنفيذية في مخرجات المؤسسة التشريعية، لتصبح مجرد أداة لتمرير السياسات دون رقابة حقيقية.

 

"نواب اللقمة الطرية": بين الولاء والترويض السياسي

 

يصف مراقبون هؤلاء النواب بأنهم "سياسيون لينون"، يسهل تطويعهم وتوجيههم. لا يعارضون، لا يسألون، ولا يخرجون عن النص. تتلخص مهمتهم في التصفيق، وتجميل قرارات الحكومة، والدفاع عن السلطة في مواجهة أي نقد.

 

يُنظر إليهم كامتداد لجهاز تنفيذي أكبر، حيث لا تمايز بين الحكومة والبرلمان، بل تواطؤ يؤدي إلى تهميش أي إصلاح سياسي جاد.

 

تعبير "اللقمة الطرية" الذي استخدمه الهواري ليس فقط توصيفًا ساخرًا، بل تشخيص دقيق لنواب بلا استقلال ولا مشروع، اختيروا لأنهم لن يخلقوا وجع رأس لصانع القرار.

 

تأثير الظاهرة على الحياة السياسية

 

وجود مجلس بهذا التشكيل والوظيفة له انعكاسات خطيرة على المشهد العام:

 

- فقدان الثقة الشعبية: البرلمان بات عاجزًا عن تمثيل الشعب، مما يدفع شرائح واسعة للعزوف عن المشاركة السياسية.

 

- إضعاف دور الرقابة: لا توجد مساءلة حقيقية أو معارضة داخل المجلس، مما يُفلت يد الحكومة من أي رقابة.

 

- تشويه مفهوم التعددية: الأحزاب تُستخدم كواجهة شكلية لتزيين المشهد، بينما تُحاصر القوى الحقيقية أو تُقصى تمامًا.

 

- إدامة النظام القائم: يتحوّل البرلمان من سلطة مستقلة إلى أداة لتمرير القوانين التي تُعزز القبضة الأمنية وتُضعف الحقوق الاجتماعية والسياسية.


وأخسرًا ديكور بلا روح

 

مجلس النواب القادم، وفقًا للتركيبة التي تتحكم بها السلطة عبر تنسيقية شباب الأحزاب و"القائمة الوطنية"، يُعيد إنتاج برلمان لا يُراقب ولا يُشرّع لمصلحة الناس، بل يشرّع لبقاء الوضع القائم. وصف الهواري لـ"نواب اللقمة الطرية" يكشف انحدار الدور البرلماني من مؤسسة دستورية مستقلة إلى كيان تابع، يفتقر لأي قدرة على التغيير أو الضغط أو حتى التعبير.

 

في النهاية، البرلمان المهيمن عليه بالهندسة الأمنية ليس سوى مرآة لنظام يرفض المنافسة، ويستبدل التمثيل الحقيقي بنسخ مكررة من الولاء المضمون. أما الشعب، فسيظل خارج اللعبة، يدفع الثمن وحده... بلا صوت.