في مشهد لا يخلو من المفارقة، أثار الإعلامي نشأت الديهي موجة واسعة من السخرية والغضب حين نقل عن بعض الأوروبيين وصفهم للسيسي بلقب "حكيم الشرق الأوسط". بينما تسعى وسائل الإعلام الرسمية لترويج صورة الزعيم الرشيد، يعاني المصريون من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة، جعلت من هذه التصريحات مادة للسخرية لا الإشادة.
فكيف يمكن الحديث عن "الحكمة" في ظل مشاريع فاشلة باعتراف رأس الدولة، وانهيار اقتصادي متسارع، وتدهور في الخدمات الأساسية، وتراجع حاد في وضع مصر الإقليمي والدولي؟
ردود ساخرة ونقد سياسي لاذع
تعليقات السياسيين والنشطاء لم تتأخر؛ البرلماني السابق محمد أنور السادات وصف التصريح بـ"المزحة السوداء"، مؤكدًا أن السياسات الحالية عمّقت الفقر وقسّمت المجتمع.
فيما قال الصحفي خالد البلشي إن السيسي "لم يقدم مكسبًا ملموسًا واحدًا للشعب"، مستشهدًا بمشروع مدينة الأثاث في دمياط الذي اعتبره نموذجًا للفشل المؤسسي والبيروقراطي.
أما الناشط خالد داوود فغرّد: "حكمته ظهرت في التنازل عن مياه النيل، وتحويل مصر إلى دولة مديونة عاجزة عن حماية مواطنيها أو توفير فرص العمل."
مدينة الأثاث بدمياط: مشروع بمليارات انتهى إلى العزوف والإغلاق
أُطلق المشروع عام 2017 على مساحة 331 فدانًا برأسمال يقدّر بـ3.6 مليار جنيه (أكثر من 230 مليون دولار). ورغم الضجة الإعلامية، لم يُشغّل سوى 240 ورشة فقط من أصل 1348، بنسبة تشغيل لا تتجاوز 20%، فيما أُغلقت مئات الورش بسبب تعثر أصحابها ماليًا، وغياب الدعم الفني والتسويقي.
السيسي نفسه اعترف في مؤتمر رسمي بأن المشروع فشل لأنه "لم يراع طبيعة الحرفيين"، وهي شهادة دامغة على سوء التخطيط وضعف الرؤية.
المليون ونصف فدان: "فنكوش" بلا بنية تحتية
أُعلن المشروع كخطوة نحو "النهضة الزراعية" بتكلفة تجاوزت 60 مليار جنيه، لكن تقارير عديدة رصدت مشكلات كبيرة في التنفيذ، من غياب البنية التحتية إلى الاعتماد المفرط على المياه الجوفية، وضعف الدعم للمزارعين.
عدد من القرى النموذجية بقي مهجورًا، وتوقفت مراحل التوزيع، فيما لم يتحقق أي من وعود خلق مجتمعات تنموية حقيقية.
سد النهضة: "حكمة" أدت إلى ضياع نهر
يُعد توقيع اتفاق المبادئ في 2015 أحد أبرز إخفاقات إدارة السيسي، إذ خسر فيه الجانب المصري أوراق ضغط قانونية قوية، وفتح الباب أمام إثيوبيا للمضي قدمًا في الملء والتشغيل دون موافقة القاهرة.
ورغم الترويج لضبط النفس و"الحكمة"، يرى خبراء أن ما جرى لم يكن سوى تفريط استراتيجي في أهم مصدر حياة لمصر، وتهديد مباشر للأمن المائي لأكثر من 100 مليون مواطن.
مشاريع دعائية تلتهم المليارات
لم تقف الإخفاقات عند مدينة الأثاث أو مشروع الفدان، بل امتدت إلى تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية، والمونوريل، ومشاريع طرق وكباري تُنفذ دون دراسات جدوى علنية.
بينما يُروَّج إعلاميًا لهذه المشاريع كـ"رؤية حكيمة"، تظهر الأرقام واقعًا مغايرًا: ديون خارجية تخطت 160 مليار دولار، تضخم يتجاوز 40%، احتياطي نقدي متآكل، وفجوة ضخمة في الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.
#حكيم الشرق: سخرية شعبية بلا توقف
تحوّل وسم #حكيم الشرق إلى بوتقة للسخرية الشعبية، حيث تداول الآلاف تعليقات تنتقد سياسات النظام، وتسخر من "الحكمة" في ظل الفشل المتكرر.
نُشرت صور لمدارس متهالكة، ومنازل بلا مياه، ومواطنين يصطفون أمام مكاتب التموين، فيما يُضخ المليارات في مشاريع فخمة لا تخدم إلا النخبة السياسية والاقتصادية.
وأخيرًا عندما تسخر الحقائق من الألقاب
ما بين اللقب الممنوح إعلاميًا، والواقع المعيش، تتجلى الفجوة العميقة بين السلطة والمجتمع.
الحكمة لا تُمنح بل تُقاس بنتائج على الأرض، وبحسب هذه النتائج، لم تكن مشروعات السيسي سوى "فنكوشيات" باهظة، حوّلت مصر إلى دولة مثقلة بالديون، فاقدة للسيادة في ملفات حيوية كالمياه والزراعة، وعاجزة عن تلبية أبسط حقوق مواطنيها.
في نهاية المطاف، تذكّر السخرية من لقب "حكيم الشرق الأوسط" بحقيقة واحدة: الشعوب لا تُخدع طويلاً، ومرايا الإعلام تنكسر دومًا أمام مرآة الواقع

