في مشهد تكرّر مؤخرًا بشكل يدعو للقلق، انتشر فيديو صادم على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر اعتداء صاحب شقة على سيدة مسنّة وأبنائها، وطردهم بالقوة من مسكنهم الذي يقيمون فيه منذ أكثر من 20 عامًا، وسط صرخات واستغاثات تم تجاهلها من الجميع، بما في ذلك الحكومة والقانون.

 

السيدة، التي ظهرت في حالة انهيار تام، تم سحبها بالقوة من داخل شقتها، فيما حاول أبناؤها الدفاع عنها، لكن دون جدوى أمام سطوة "المالك" ومن استعان بهم من بلطجية، في مشهد عبّر عنه كثيرون بأنه "نهاية الدولة المدنية" و"غياب كامل للردع القانوني".
 

 

البلطجة تزداد.. والقانون يتفرج

 

هذه الواقعة لم تعد استثناءً، بل باتت جزءًا من ظاهرة خطيرة تتوسع في مختلف الأحياء المصرية، حيث يستغل بعض ملاك العقارات فجوة قانونية في التعامل مع الإيجارات القديمة، فيلجأون لاستخدام العنف والضغط والتهديد بدلاً من احترام الإجراءات القانونية.

 

وفي خلفية هذا المشهد، لا يمكن نسيان ما حدث منذ أيام لرجل مسنّ آخر، حيث أظهر مقطع فيديو شخصًا يصفع رجلًا مسنًا على وجهه داخل منزله، فقط لأنه رفض إخلاء شقته التي يستأجرها بعقد قديم. مشاهد من هذا النوع تنتشر بوتيرة متسارعة دون أي تحرك جاد من وزارة الداخلية أو البرلمان.
 

 

قانون الإيجار القديم: المأساة المعلّقة منذ عقود

 

جذور هذه الكارثة تعود إلى قانون الإيجار القديم، الذي بات يثير جدلًا واسعًا بين المالكين والمستأجرين. ومع تجاهل الحكومات المتعاقبة لحسم الملف بطريقة عادلة ومتدرجة تحفظ حقوق الطرفين، لجأ بعض الملاك إلى البلطجة كوسيلة غير قانونية لتصفية العلاقة الإيجارية.

 

في المقابل، المستأجرون — ومعظمهم من الطبقة المتوسطة أو كبار السن — لا يملكون القدرة على الدفاع عن أنفسهم قانونيًا أو ماليًا. وهم اليوم يُطردون من مساكنهم تحت التهديد، في ظل صمت حكومي وتراخي برلماني.

 

الحكومة تدفع نحو قانون إيجار جديد... دون ضمانات

 

ورغم هذه الفوضى، تمضي الحكومة في الدفع بقانون إيجار جديد يُفرض على النشاط التجاري والسكني، وسط كوارث قانونية واضحة.

 

على سبيل المثال، تشترط بعض الجهات الحكومية اليوم أن يكون عقد الإيجار خمس سنوات على الأقل قبل منح رخصة تشغيل لعيادة، أو معمل، أو مكتب خدمات.

 

وهذا الشرط التعجيزي يُقصي آلاف الشباب من فرص العمل والاستثمار، ويُكرّس لتحكّم المالك في السوق بالكامل.

 

استغاثات من الفنانين.. لا أحد يسمع

 

ولم تسلم حتى الطبقة الفنية والإعلامية من تداعيات هذا القانون، حيث ناشدت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد، والفنانة عايدة عبد العزيز (التي أدت دور والدة الرئيس في أحد الأعمال الفنية)، الجهات المسؤولة بالتدخل، بعد أن وجدت بعض الأسر الفنية نفسها مهددة بالطرد من مساكنها القديمة، بسبب قوانين الإيجار الجديدة، أو عنف ملاك الشقق.

 

وتؤكد هذه الأصوات أن ما يحدث ليس نزاعًا على أسعار أو عقود، بل صراع على الكرامة، وحق العيش في أمان. فمن غير المقبول أن يُعامل المواطنون بهذه الوحشية، ويُهان كبار السن في عقر دارهم، فقط لأنهم لا يملكون ما يشتري سكوت المالك.

 

أين الحكومة؟ وأين القانون؟

 

كل هذا يحدث في ظل صمت مريب من الجهات التشريعية والتنفيذية. فبدلاً من إصدار قانون عادل ومتوازن يُراعي حق السكن وحق الملكية، نُترك لمشهد فوضوي يحكمه من يملك المال والبلطجة.

 

القانون المصري واضح، ويجرّم اقتحام العقارات دون حكم قضائي، ويُجرّم الإيذاء الجسدي، لكن يبدو أن تطبيق القانون بات خاضعًا للضغط، لا للمبدأ.

 

ملف لا يحتمل الانتظار

 

الوقائع تتوالى، والانتهاكات تتكرر، والضحايا يتساقطون. ما يحدث ليس خلافًا قانونيًا، بل فوضى عقارية واجتماعية تُهدد السلم الأهلي.

 

فإذا لم تتدخل الدولة بحسم لوقف هذه الممارسات، وإعادة النظر في قوانين الإيجار بشكل متوازن وإنساني، فإننا مقبلون على فوضى سكنية حقيقية، لن تنفع معها حملات "أحسن ناس" ولا شعارات "حياة كريمة".