في حادثة مثيرة للقلق، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن تحطم طائرتين عسكريتين أميركيتين في بحر الصين الجنوبي، خلال فترة زمنية لم تتجاوز النصف ساعة، وذلك تزامنًا مع جولة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عدد من دول آسيا، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب الحادث، وخلفياته السياسية، وإمكانية وجود ارتباط بينه وبين التوترات المتصاعدة في المنطقة.
الحادث الذي وُصف بأنه "نادر وخطير"، وقع في واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم جيوسياسيًا، إذ يشهد بحر الصين الجنوبي منذ سنوات صراعًا خفيًا بين الولايات المتحدة والصين حول النفوذ، وحقوق الملاحة، والسيادة على الجزر الاصطناعية التي بنتها بكين في المياه المتنازع عليها.
تفاصيل الحادث: ما الذي حدث؟
بحسب المعلومات الأولية التي نشرتها وسائل إعلام أميركية نقلاً عن مسؤولين عسكريين، فإن الطائرتين كانتا في مهمتين منفصلتين، لكنهما وقعتا في المنطقة نفسها تقريبًا، بالقرب من مجموعة جزر سبراتلي المتنازع عليها، والتي تسيطر عليها الصين جزئيًا.
الطائرة الأولى، وهي من طراز F/A-18 Super Hornet، أقلعت من حاملة الطائرات USS Ronald Reagan، وسقطت في المياه بعد عطل فني مفاجئ، نجا الطيار بعد قذفه من الطائرة.
الطائرة الثانية، وهي مروحية MH-60 Seahawk، تحطمت خلال مهمة استطلاع قريبة من موقع الحادث الأول، وأصيب أفراد الطاقم بجروح، وتم إنقاذهم لاحقًا.
البنتاغون أعلن فتح تحقيق عاجل في الحادثين، دون الإشارة إلى احتمال وجود عمل عدائي، لكنه لم يستبعد "احتمالات فنية أو بيئية معقدة".
توقيتٌ لافت.. وزيارة تحمل رسائل سياسية
ما يضفي مزيدًا من الحساسية على الحادث هو تزامنه مع زيارة ترامب إلى آسيا، حيث يلتقي قادة اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، ويُتوقع أن يُطلق خلالها مواقف تصعيدية تجاه الصين، في ظل استمرار خطابه السياسي الذي يتبنى نهجًا متشددًا ضد بكين، خصوصًا في ملفات التجارة والجيش.
وبينما تصف وسائل إعلام أميركية الحادثين بأنهما مجرد "مصادفة مأساوية"، لا يمكن تجاهل حساسية الموقع والتوقيت، حيث سبق وأن اتهمت واشنطن الصين بمحاولات اعتراض طائراتها في هذه المنطقة، كما اشتكت بكين مرارًا من "الاستفزازات العسكرية الأميركية قرب سواحلها".
البحر المتنازع عليه: برميل بارود في انتظار شرارة
يمثل بحر الصين الجنوبي نقطة احتكاك مزمنة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تمر من خلاله ثلث التجارة البحرية العالمية، وتتنازع عليه عدة دول في المنطقة، بينما تسعى واشنطن لتأكيد "حرية الملاحة"، وتتهم الصين بعسكرة الجزر وتحويلها إلى قواعد عسكرية.
ووقوع حادثين جويين في هذا البحر، بفارق دقائق، يعزز القلق من حوادث قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب. فحتى لو كانت الأسباب فنية، فإن مناورات الأساطيل العسكرية في منطقة كهذه تعني أن أي خطأ – أو سوء فهم – قد يتحول إلى أزمة كبرى.
تساؤلات لا إجابات واضحة لها بعد
لا يزال الغموض يحيط بأسباب الحادثين. هل هو خلل في التنسيق الجوي؟ هل هناك تدخل خارجي؟ أم أنه محض سوء حظ؟
البنتاغون لا يزال يلتزم الحذر في التصريحات، بينما يترقب العالم نتائج التحقيقات، وسط تحليلات ترى في الحادث مؤشرًا على مدى هشاشة الوضع العسكري في بحر الصين الجنوبي.
أما ترامب، فلم يُدلِ بتصريح مباشر حول الحادث، لكنه لمح، في كلمته بطوكيو، إلى أن "الولايات المتحدة لن تتراجع عن حماية مصالحها الحيوية"، في إشارة واضحة إلى بحر الصين الجنوبي.
حادث عرضي أم إنذار مبكر؟
تحطم طائرتين أميركيتين خلال نصف ساعة، وفي واحدة من أكثر النقاط توترًا في العالم، يضع الإدارة الأميركية – الحالية والسابقة – أمام تحدي تفسير الحدث، دون إشعال فتيل أزمة دولية.
وبينما ينتظر المراقبون نتائج التحقيقات، يبقى السؤال الأهم: هل ما حدث حادث معزول، أم إشارة تحذير مبكرة لما قد تؤول إليه الصراعات المتنامية في شرق آسيا؟

