بعد عامين من حرب الإبادة على غزة، وقبيل ساعات من اكتمال تنفيذ صفقة تبادل الأسرى التي وُقعت برعاية أمريكية ومصرية-قطرية، يخيّم على المشهد الإسرائيلي توتر غير مسبوق.
فبينما تتحدث الحكومة الإسرائيلية عن "إنجاز وطني" باستعادة الرهائن، تدق أجهزة الأمن ناقوس الخطر مما تسميه "اليوم التالي" للصفقة، والذي قد يشهد اندلاع انتفاضة واسعة داخل السجون الإسرائيلية، هي الأعنف منذ عقود.
صفقة لا تفرغ السجون
صباح السبت 11 أكتوبر 2025، بدأت إسرائيل تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة عبر نقل مئات الأسرى الفلسطينيين من سجون متعددة إلى خمسة مراكز رئيسية، استعداداً للإفراج عنهم خلال الساعات التالية.
ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت، تشمل القوائم نحو 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد، إضافة إلى نحو 1700 معتقل من غزة تم احتجازهم بعد السابع من أكتوبر 2023.
لكن هذه الأرقام، رغم ضخامتها، لا تعني "إفراغ السجون"، كما يدّعي اليمين الإسرائيلي. فبعد تنفيذ الصفقة سيبقى قرابة 10000 أسير أمني فلسطيني خلف القضبان من أصل نحو 12 ألفاً، وهو رقم يُبقي الضغط الأمني على حاله.
المسؤولون في مصلحة السجون يرون أن هذا الواقع سيجعل الاتفاق الحالي بمثابة "ساعة رملية مقلوبة" قد تنفجر في أي لحظة.
قنبلة الإحباط الموقوتة
في تقرير للصحيفة نفسها، نقلت تصريحات لغوندر ريغيف دحروج، رئيس جناح التخطيط في مصلحة السجون، قال فيها: "من كان يعتقد أن اسمه سيكون ضمن الصفقة سيفهم أن فرصته انتهت، وسيتحول الأمل إلى إحباط".
هذا التحول النفسي من الترقب إلى اليأس يمثل، بحسب الأجهزة الأمنية، الشرارة المحتملة لتمرد جماعي.
على مدار العامين الماضيين، كانت التوقعات بصفقة تبادل كبرى تشكل صمام أمان يحافظ على قدر من الهدوء في السجون المكتظة.
غير أن انتهاء الصفقة من دون شمول آلاف الأسرى الذين انتظروا دورهم طويلاً قد يبدد هذا الهدوء.
"عندما يدركون أن الحرية لن تأتي، سيشعر كثيرون بأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وهنا يكمن الخطر الحقيقي"، يضيف دحروج.
ويُذكر أن أكثر من ثلث الأسرى الباقين من الشخصيات التنظيمية والقيادية داخل الفصائل الفلسطينية، ما يزيد احتمالات توحدهم في مواجهة سلطات الاحتلال داخل السجون.
اكتظاظ خانق وظروف قاسية
تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن نسبة الإشغال في السجون الأمنية وصلت إلى 145%، ما يعني أن آلاف الأسرى ينامون على الأرض دون أسِرّة، في ظل تدهور الخدمات الصحية والغذائية.
ويُسمح بهذا الوضع بموجب "حالة الطوارئ الكلية" التي أعلنتها حكومة الاحتلال مع بداية الحرب على غزة.
هذا الاكتظاظ، إلى جانب انعدام الأفق السياسي، يخلق بيئة قابلة للاشتعال في أي لحظة.
فكل إضراب عن الطعام أو احتجاج داخل أحد السجون يمكن أن يتحول إلى مواجهة شاملة تتسع لتشمل معظم المعتقلات، خاصة في ظل ارتباط التنظيمات الفلسطينية ببعضها عبر قنوات اتصال داخلية دقيقة نجحت في تجاوز الرقابة الإسرائيلية.
استنفار أمني شامل
منذ عام ونصف، ومع تولي المفوض كوبي يعقوبي قيادة مصلحة السجون، بدأ تنفيذ خطة طوارئ بعنوان "اليوم التالي"، تهدف إلى منع أي تمرد محتمل.
وتتضمن الخطة مضاعفة قوات وحدة النخبة "متسادا"، وإنشاء وحدات تدخل سريع جديدة تُعرف باسم "كتار" داخل الأقسام الحساسة. كما تم توسيع جهاز المخابرات الداخلية للسجون وتجنيد مئات العناصر الجدد من الجيش والشرطة.
وتؤكد مصادر أمنية إسرائيلية أن هذه الاستعدادات لا تعني الاطمئنان الكامل. فكما قال أحد المسؤولين لموقع واللا: "خلف الأبواب هناك هدوء، لكنه هدوء يسبق العاصفة. نحن نستعد لسيناريوهات لم نر مثلها منذ الانتفاضة الثانية".
معركة جديدة في قلب المعتقلات
رغم أن الصفقة تمثل في نظر الحكومة الإسرائيلية خطوة نحو التهدئة، فإنها من وجهة نظر الأمن الداخلي "شرارة حرب مؤجلة".
فإسرائيل تدرك أن السيطرة على السجون تشكل ركناً أساسياً في إدارة الصراع، وأن أي انفجار هناك ستكون له تداعيات سياسية وشعبية في الضفة وغزة على السواء.
من جهة أخرى، ترى فصائل المقاومة أن استمرار احتجاز آلاف الأسرى بعد الصفقة يمثل خرقاً لروح الاتفاق ويبرر استمرار الضغط الميداني والإعلامي.
وبذلك، تتحول السجون إلى جبهة جديدة من جبهات المواجهة، يتقاطع فيها الأمني بالسياسي والإنساني.
وفي النهاية فإن صفقة التبادل التي هلّل لها الإعلام الإسرائيلي كـ"نصر إنساني"، تبدو في حقيقتها قنبلة داخلية تهدد بالانفجار في وجه المؤسسة الأمنية.
فاليوم التالي للصفقة لا يحمل بالضرورة هدوءاً، بل قد يفتح فصلاً جديداً من الصراع، عنوانه هذه المرة: الانتفاضة خلف القضبان.