في اليوم الثالث والخمسين لـ"الهدنة الهشّة" في قطاع غزة، تتواصل خروقات جيش الاحتلال بوتيرة يومية تعكس واقعاً مغايراً لأي تهدئة مزعومة. فالقصف المدفعي والجوي، وإطلاق النار على المدنيين، ونسف المنازل، باتت مشهداً ثابتاً في القطاع المنكوب، ما أسفر عن سقوط ثلاثة شهداء جدد، تزامناً مع تصاعد التقارير الحقوقية التي توثّق تحوّل الجرائم الإسرائيلية إلى "سياسة تشغيلية" دائمة.
خروقات لا تتوقف.. وشهداء جدد رغم الهدنة
أفادت مصادر محلية باستشهاد المواطن شاكر عاطف العواودة في مخيم البريج وسط القطاع، إثر استهداف مباشر من قوات الاحتلال في محيط "بلوك 12".
وفي خان يونس، أعلن مجمع ناصر الطبي استشهاد المصوّر الصحفي محمود وادي بعد استهدافه بصاروخ أطلقته طائرة مسيّرة إسرائيلية خلال تغطيته الميدانية.
كما أكّد المستشفى المعمداني استشهاد فلسطيني ثالث بنيران الاحتلال في حي الزيتون جنوب شرقي غزة.
وتزامناً مع سقوط الشهداء، نفّذت طائرات الاحتلال فجر الثلاثاء غارات كثيفة على مخيم جباليا شمال القطاع، بينما فجّرت القوات البرية منازل سكنية في المناطق الشرقية لمدينة غزة، مستخدمة مدرعات وروبوتات عسكرية مفخخة لتفجير الأبنية، خصوصاً في الشجاعية والشعف.
طائرات "كواد كابتر" المُسيّرة أطلقت قنابل على منازل مدنيين شرق غزة، ضمن سياسة توصف ميدانياً بأنها "استهداف مباشر للمناطق المأهولة".
وفي رفح وخان يونس، كثّفت المدفعية قصفها على مناطق واسعة، بينما شهدت البريج إطلاق نار متواصل من الآليات العسكرية، ما اضطر عشرات العائلات للنزوح من جديد.
الدفاع المدني: إنقاذ عشرات المحاصرين وسط نيران الاحتلال
قالت طواقم "الدفاع المدني" في غزة إنها تمكنت من إجلاء عشرات الأسر التي حاصرتها دبابات الاحتلال في حي التفاح شرقي مدينة غزة، حيث جرت عمليات الإنقاذ تحت نيران مكثّفة.
كما تم إخلاء 5 إصابات بينهم سيدتان وطفلان، بعد انهيار أجزاء من منازل نتيجة القصف.
تقرير حقوقي ضخم: 2025 عام ترسّخ الجرائم كسياسة يومية
كشف تقرير مشترك لـ12 منظمة حقوقية إسرائيلية أن العام 2025 سجّل نقطة تحوّل غير مسبوقة في عنف الاحتلال وتوسّع انتهاكاته، مشيراً إلى أنّ ما كان يُعد سابقاً “استثناءً” أصبح خلال العامين الأخيرين سياسة تشغيلية ثابتة.
أبرز ما توصل إليه التقرير:
1. تصاعد القتل الجماعي
أكثر من 36 ألف شهيد حتى مايو 2024.
ارتفاع العدد إلى 67,173 شهيداً حتى أكتوبر 2025، بينهم: 20 ألف طفل، و10 آلاف امرأة، وهناك 10 آلاف جثة ما زالت تحت الأنقاض
170 ألف جريح في أقل من عامين.
2. التهجير واسع النطاق
مليون مهجّر داخلي عام 2024.
1.9 مليون مهجّر عام 2025 (90% من سكان غزة).
تهجير متكرر لنفس العائلات مع انهيار أحياء كاملة وبنى تحتية حيوية.
3. التجويع كأداة حرب
تسجيل 13 ألف طفل يعانون سوء تغذية حاد في يوليو 2025.
إعلان المجاعة رسمياً في أغسطس.
وفاة 461 شخصاً بسبب الجوع بينهم 157 طفلاً.
2,306 شهيداً و16,929 جريحاً أثناء محاولات الحصول على الطعام قرب مراكز التوزيع.
4. استخدام المدنيين كدروع بشرية
ظاهرة آخذة بالاتساع، تشمل تقييد مدنيين وتعصيب أعينهم واحتجازهم في مناطق عمليات.
5. عنف المستوطنين والاعتقال الإداري
1,200 اعتداء خلال 2023–2024.
ترحيل 44 تجمعاً رعويًا بالكامل عام 2025.
ارتفاع المعتقلين الإداريين إلى 3,577 معتقلاً.
استشهاد 98 أسيراً بسبب التعذيب والإهمال الطبي.
6. استهداف التراث والآثار
تدمير مواقع رئيسية في غزة والضفة، وتحويل مواقع أثرية إلى أدوات للسيطرة المكانية والسياسية.
التقرير خلص إلى أنّ إسرائيل باتت "دولة تعمل بلا ضوابط" وأن غياب آلية تحقيق مستقلة يجعل التدهور "غير قابل للعكس".
“يونيسف”: البرد والعطش يقتلان سكان غزة رغم إعلان الهدنة
أكّد ممثل “يونيسف” في فلسطين أن الأطفال يعيشون في ظروف “بالغة القسوة”، وأن البرد القارس يزيد معاناتهم مع عدم توفر الغذاء والمأوى، ومن ذلك:
90 % من محطات المياه دمّرها الاحتلال.
سياسة "التعطيش" أدت إلى شلل قطاع المياه بالكامل.
تلوث مياه الشرب يهدد بانتشار الكوليرا وأمراض قاتلة.
وقف إطلاق النار لم يوقف الإبادة ولا معاناة مئات الآلاف من السكان.
وقد أسفرت الإبادة منذ أكتوبر 2023 عن أكثر من 240 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود، إلى جانب الدمار الشامل وتهجير مئات الآلاف.
العواصف الأخيرة: الخيمة.. "الملاذ الوحيد" الذي لا يصمد أمام الرياح
العواصف التي ضربت القطاع كشفت هشاشة خيام الإيواء التي أصبحت الملجأ الوحيد لعشرات الآلاف من النازحين.
مشاهد من الميدان:
• عبد الهادي أحمد – خيمة ممزقة تؤوي 14 فرداً
يقضي ساعات النهار في محاولة إغلاق الثقوب بقطعة قماش: “لو ما عملناش كدا هنغرق… الخيمة ما بقتش تصلح لشيء.”
• سامح عبد الناصر – سقف كامل اقتلعته الرياح
“نعرف إنها لا تحمينا.. لكن ما فيش بديل.”
• محمود عايش – خيمة تنهار عند أول عاصفة
“استيقظنا ووجدنا أنفسنا في العراء.. نريد مأوى ينهي هذه المعاناة.”
وتشير أرقام أممية إلى أن الاحتلال يمنع دخول عشرات آلاف الأطنان من المساعدات، بما فيها مواد الإيواء، بينما آلاف العائلات تواجه المطر والبرد دون حماية.

