في سقوط جديد لأقنعة السيادة الوطنية المزعومة، تحول الدور المصري في ملف الطاقة من "مركز إقليمي" واعد – كما روج إعلام النظام لسنوات – إلى مجرد "محطة تسييل" و"سمسار" يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي.

 

فبدلاً من أن تقود مصر سوق الغاز بإنتاجها، باتت حكومة الانقلاب تقتات على "عمولة" تسييل وتمرير غاز العدو إلى أوروبا، في صفقة "دليفري" مهينة تهدف فقط إلى توفير حفنة من الدولارات لسداد ديون الشركات الأجنبية المتراكمة، والتي عجزت خزانة "الجباية" عن سدادها من موارد الدولة الذاتية.

 

"إيجاس" في خدمة تل أبيب: تسييل الغاز المسروق

 

التصريحات الحكومية الأخيرة عن تجهيز "إيجاس" لشحنات غاز مسال لتصديرها "لصالح إسرائيل" خلال ديسمبر الجاري تكشف المستور. مصر هنا لا تصدر غازها الوطني (الذي يعاني عجزاً أصلاً)، بل تقوم بدور "الخادم اللوجستي"؛ تستقبل الغاز القادم من حقول الاحتلال (المسروقة من فلسطين)، وتقوم بتسييله في مصانع إدكو ودمياط، ثم شحنه إلى أوروبا نيابة عن إسرائيل.

 

هذا الدور الوظيفي يضع البنية التحتية المصرية – التي دفع الشعب دم قلبه لإنشائها – تحت تصرف اقتصاد الاحتلال، ليحقق الأخير أرباحاً مليارية من التصدير، بينما تكتفي مصر بـ "فتات" رسوم الإسالة والعبور، لتسد بها ثقوب ديونها التي لا تنتهي. إنها شراكة "العار" التي تجعل من مرافق مصر السيادية مجرد ترس في ماكينة الأرباح الإسرائيلية.

 

تسديد الديون من "جيب" الاحتلال

 

المسؤول الحكومي لم يخجل من الاعتراف بأن العائدات ستُستخدم "فوراً" لسداد مستحقات الشركات الأجنبية. هذا الاعتراف هو إعلان إفلاس سياسي واقتصادي؛ فالحكومة تقول بلسان حالها: "نحن عاجزون عن سداد ديوننا من إنتاجنا، ولذلك سنعمل كـ (مقاولة باطن) عند إسرائيل لنوفر العملة الصعبة".

 

لقد رهن النظام قراره الاقتصادي للخارج، وبات استرضاء الشركاء الأجانب (لسداد الـ 750 مليون دولار المستهدفة) أهم من الكرامة الوطنية. فبدلاً من جدولة الديون أو تعزيز الإنتاج المحلي، يختار النظام الطريق الأسهل والأكثر خزيًا: التربح من خدمة أجندة الاحتلال التصديرية، ليتحول الغاز الإسرائيلي إلى طوق النجاة الوحيد لاقتصاد العسكر المتهالك.

 

أكذوبة "الاكتفاء" والواقع المرير

 

بينما تعمل مصانع الإسالة المصرية بكامل طاقتها لخدمة شحنات إسرائيل، يعيش المواطن المصري واقعاً مريراً من انقطاع الكهرباء ونقص إمدادات الغاز للمصانع المحلية. النظام يتباهى بـ "فائض قدرات التسييل"، لكنه لا يملك غازاً لتسييله!

 

لقد انخفض الإنتاج المحلي بشكل مخيف (4.2 مليار قدم مكعبة) مقارنة بالاستهلاك، مما جعل مصر تعتمد كلياً على الغاز الإسرائيلي ليس فقط للتسييل، بل حتى لسد جزء من العجز المحلي أحيانًا. هذه التبعية المطلقة جعلت "محبس الغاز" في يد تل أبيب؛ إن فتحته انتعشت الكهرباء والصادرات، وإن أغلقته (كما حدث في بداية حرب غزة) غرقت مصر في الظلام. أي "أمن قومي" هذا الذي يضع رقبته في يد عدوه؟

 

مصر "ممر" لثروات العدو

 

إن ما يحدث هو تحويل مصر من دولة رائدة إلى مجرد "ممر" و"خلفية لوجستية" لخدمة طموحات إسرائيل في أن تصبح مورد الغاز الأول لأوروبا. حكومة السيسي، بفسادها وفشلها، لم تكتفِ بإغراق البلاد في الديون، بل جعلت الحل الوحيد للخروج من هذه الديون هو المزيد من الارتماء في أحضان الاحتلال.

 

هذه الشحنات التي ستخرج من موانئ مصر في ديسمبر لا تحمل غازاً فقط، بل تحمل شهادة وفاة للسيادة الاقتصادية المصرية، وتأكيداً على أن هذا النظام لا يمانع في أن يكون "عامل توصيل" لدى الاحتلال، طالما أن "البقشيش" يكفي لسداد قسط من الديون ويضمن بقاءه في السلطة يوماً آخر.