تحولت منطقة محور جمال عبد الناصر في التجمع الخامس بالقاهرة، من مشروع تطويري كان من المفترض أن يسهل الحركة المرورية ويعزز التنمية، إلى نموذج صارخ لسوء التخطيط والفشل الإداري الذي يكلف المواطنين حياتهم اليومية ويعطل مصالحهم.
الكباري في منطقة غير ملائمة
قام المسؤولون بإنشاء كباري ضخمة على المحور، رغم أن المنطقة التي تمتد موازية لمحور التسعين كانت تعتبر منطقة فارغة، وكان من الممكن استثمار موارد البنية التحتية في مشاريع أخرى كالقطار الكهربائي (المونوريل) الذي يعالج أزمة التنقل بشكل أفضل وأقل كلفة. الغريب أن تنفيذ الكباري جاء بلا دراسات مرورية حقيقية تدعم الفكرة أو تبرر ضخامتها، بل تم تنفيذ المشروع لأن "المشروع يجب أن يُنفذ" بغض النظر عن تأثيره الفعلي.
الاختناقات المرورية والحوادث اليومية
أسوأ ما حدث بعد إنشاء الكباري، هو أن الاختناقات المرورية ازدادت بشكل كبير على المحور، خصوصًا مع وجود محلات تجارية تحت الكباري أصبح لها تأثير سلبي على الحركة، حيث يتوقف الناس أمام هذه المحلات، ما يؤدي إلى زحمة خانقة وحالات تصادم شبه يومية.
هذه المناطق التي يفترض أن تكون خطرًا أقل على السائقين أصبحت عكس ذلك تمامًا.
إدارة كارثية ومقاربة الشكل على الجوهر
الخلل الإداري واضح في استجابة الجهات المعنية لإدارة الأزمة، حيث تم تشكيل لجان خاصة لحل الكوارث المرورية الناتجة عن المشروع نفسه، ما يعكس غياب رؤية واضحة منذ البداية. حصل التنفيذ برمته بدون تنسيق أو دراسة شاملة، وأصبحت تلك اللجان محاولةً للإنقاذ بعد فوات الأوان.
والمفترض في مشاريع الطرق والكباري والأنفاق أن تكون وسيلة لتحسين وتسهيل حياة المواطنين، لكن السيطرة على الملف في هذه الحالة كانت ضعيفة للغاية، حيث تحولت المشاريع إلى مجرد تنفيذ مادي بلا دراسات متعمقة أو تخطيط استراتيجي حقيقي.
هذا التسيب أدى إلى ظهور مشاكل متكررة، أهمها:
- إنشاء طرق وإشارات مرورية غير ملائمة.
- ضعف التنسيق مع المشاريع المجاورة ومنها شبكات النقل الأخرى.
- عدم مراعاة الواقع السكاني والحركي الفعلي لمنطقة التجمع.
تشويه بيئي وحضري
لم تقتصر أضرار الكباري على أزمة المرور فقط، بل طالت المشهد الحضري، حيث أفسدت هذه الكباري التصميم العمراني للمنطقة، مما أضر بالمظهر الجمالي للنطاق السكني والتجاري في التجمع، وزادت من التلوث البيئي نتيجة الازدحام المروري المستمر.
تكاليف باهظة ونتائج مخيبة
كمية الأموال التي أنفقت على هذه الكباري بالمليارات تعتبر ضخمة، إلا أنها لم تقدم الحلول المرجوة. هذه الأموال لو وزعت بشكل أكثر حكمة على مشاريع نقل حيوي ومستدام، ربما كانت ستحقق نتائج أفضل بكثير، وتخفف من معاناة السكان بدلًا من تعميق المشكلات.
ختاما فمشروع محور جمال عبد الناصر يمثل تحذيرًا شديد اللهجة لمن يعتقد أن مجرد بناء الكباري والمشاريع الكبرى كفيل بتحسين حياة المواطن دون تخطيط واضح واستراتيجية مدروسة. الحالة التي وصل إليها محور التجمع الخامس من ازدحام يومي وحوادث متكررة وتأثير سلبي على المظهر العام للمدينة، ليست إلا نتيجة طبيعية لغياب الوعي الإداري والفني في تنفيذ مشاريع البنية التحتية.
يجب أن يعي القائمون على هذه المشروعات أن التقصير في التخطيط والتنفيذ لا يضر بالأنظمة فقط، بل يضر بحياة الناس، وأن إعادة النظر في طرق إدارة هذه الملفات هو الطريق الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم.