تشهد مدن المغرب حالة غليان غير مسبوقة مع دخول احتجاجات حركة "جيل زد 212" مرحلة الذروة، وسط دعوات جديدة للنزول إلى الشارع اليوم الجمعة، في تحدٍّ صارخ للتحذيرات الحكومية وللإغلاق الأمني المكثف الذي فرضته السلطات على الميادين والشوارع الرئيسية. الحركة الشبابية، التي فجّرت موجة احتجاجات واسعة منذ نهاية سبتمبر، تواصل رفع سقف مطالبها، في وقت تسعى الحكومة إلى امتصاص الغضب دون تقديم حلول جذرية.
دعوات الجمعة: نحو يوم ذروة جديد
أطلقت صفحات تابعة لـ"جيل زد" على مواقع التواصل دعوات واسعة للنزول اليوم الجمعة تحت شعار: "لا عودة للوراء". المنظمون دعوا إلى تركيز التظاهر في الأحياء الشعبية والساحات الثانوية لتجنب الطوق الأمني في الميادين المركزية.
التحدي الأكبر للحكومة يتمثل في أن الدعوات لاقت تجاوبًا واسعًا، حيث أكد ناشطون أن الاحتجاجات ستتواصل حتى تحقيق مطالب الحركة، وعلى رأسها: تحسين الخدمات الاجتماعية، مكافحة البطالة، والحد من غلاء المعيشة.
رفض الاستماع للوزراء: فقدان الثقة يتعمق
في الأيام الماضية، حاول عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين توجيه رسائل عبر الإعلام بضرورة "التهدئة" و"الاستماع إلى صوت العقل"، لكن هذه التصريحات قوبلت برفض قاطع من شباب "جيل زد".
ورغم التصعيد، أظهرت الاحتجاجات رفضًا قاطعًا لمطالب الوزراء أو حتى محاولة الحوار المباشر، حيث أكد المتظاهرون أن مطالبهم لا تتوقف عند الإصلاحات الجزئية، وأنهم لن يرضوا بأقل من تغيير شامل لنظام الحكم والمساس بمصالح الفاسدين، رغم التهديدات الأمنية باستخدام القوة المفرطة مقابل تصعيد المواجهة.
الموقف الحكومي والردود الأمنية
أعلنت الحكومة المغربية حالة الطوارئ، وأغلقت العديد من الشوارع الحيوية عبر العاصمة، مع تعزيز انتشار قوات الأمن بشكل غير مسبوق، بهدف فرض السيطرة وفض التظاهرات بالقوة إن لزم الأمر. وبحسب مصدر مسؤول في وزارة الداخلية، فإن الأجهزة الأمنية أبلغت بأنها ستستخدم كل الوسائل القانونية لإعادة النظام، مما أدى إلى توتر شديد في المشهد العام، مع تصاعد الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أُطلق نداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعو لوقف التصعيد، لكن الدعوات لم تُجدِ نفعًا، حيث استمر المتظاهرون في تحدي الحظر، متحدين قرار الحكومة، ومصرين على مطالبهم.
الإصابات، الاعتقالات، والوفيات
وفقًا لمصادر حقوقية وطبية، سجلت المستشفيات في المناطق التي شهدت الاشتباكات إصابات بالغة وصلت نحو 150 حالة، من بينها حالات اختناق، إصابات برصاص حي، وكسور جراء التدافع والاعتداءات من قبل قوات الأمن على المتظاهرين.
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر حقوقية عن اعتقال مئات الأشخاص، بينهم قيادات شبابية وناشطون، حيث أُطلق سراح بعضهم بعد ساعات، فيما لا تزال أعداد من المحتجزين رهن التوقيف والتحقيق.
وفيما يتعلق بالوفيات، توفي أحد المتظاهرين في الرباط بعد إصابة مباشرة برصاصة حي، في حين تم تسجيل عدة حالات وفاة أخرى جراء حالات الاختناق، مما يثير المخاوف الرسمية والحقوقية من تصاعد وتيرة العنف والوفيات في الأيام القادمة إذا استمرت الاشتباكات على هذا النحو.
تحليل وتوقعات
بفعل استمرار الاحتجاجات رغم الحصار والتعامل الأمني العنيف، يبدو أن المشهد المغربي يتجه نحو تصعيد أمني وثوري، خاصة في ظل عدم استجابة السلطات لمطالب الحركة الشبابية التي تؤكد أنها لا تزال متمسكة بحقوقها، وأنها لن ترضى بأي حلول جزئية لا تضمن تغييرات جذرية.
من ناحية أخرى، تتهدد الأزمة الاقتصادية والسياسية البلاد، خاصة مع استمرار التصعيد وارتفاع عدد الإصابات والوفيات، وهو ما قد يدفع الحكومة لمراجعة مواقفها والتفاوض مع المحتجين من أجل وضع حد للأزمة قبل أن تتدهور الأمور بشكل غير قابل للسيطرة.
تعيش المملكة المغربية لحظة فارقة مع بلوغ احتجاجات "جيل زد" ذروتها. فبين حكومة تلجأ إلى الإغلاق الأمني والتخويف، وشباب يرفع شعار "لا خوف بعد اليوم"، يقف الشارع على مفترق طرق حاسم. ومع دعوات الجمعة، يترقب الجميع ما إذا كانت المواجهة ستتوسع لتتحول إلى حركة اجتماعية شاملة، أم أن السلطة ستضطر في النهاية إلى تقديم تنازلات سياسية واقتصادية لتجنب انفجار أكبر قد يعصف بالاستقرار.