بينما وقف مصطفى مدبولي ووزير التعليم المزوِّر محمد عبداللطيف، بالأمس أمام عدسات الكاميرات في مدرسة فاطمة الزهراء بمحافظة المنوفية، متحدثَين بفخر عن "تطور المنظومة التعليمية وجودة المدارس"، كان طلاب مدرسة جزيرة داود في نفس المحافظة يشقون طريقهم إلى فصولهم عبر المراكب الصغيرة، عابرين برك المياه والطين. مشهدان متناقضان في المكان ذاته: الأول مصمم بعناية ليظهر إنجازًا حكوميًا أمام الرأي العام، والثاني يعكس الواقع القاسي الذي يعيشه التلاميذ يوميًا.
طلاب "جزيرة داود": معاناة يومية للوصول إلى المدرسة
في قرية جزيرة داود، التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية، يبدأ يوم الدراسة على نحو غير مألوف. بدلاً من الحافلات أو السير على الأقدام، يضطر الطلاب إلى استخدام مراكب خشبية صغيرة لعبور برك المياه التي تغمر الطرقات، خصوصًا مع بداية موسم الأمطار.
يصف الأهالي المشهد بمرارة: "أولادنا بيدخلوا المدرسة بعد ما يقطعوا طريق مليان مية وطين.. وبنخاف عليهم من الغرق كل يوم." الصور المتداولة على فيسبوك تُظهر أطفالًا صغارًا، يحملون حقائبهم على ظهورهم، يعتلون المراكب وكأنهم في رحلة نهرية لا في طريق إلى التعليم.
هذه المعاناة اليومية تعكس هشاشة البنية التحتية، وغياب حلول عملية لنقل الطلاب بأمان إلى مدارسهم.
بروباجندا رسمية في "فاطمة الزهراء"
في المقابل، حظيت مدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية بزيارة رفيعة المستوى من رئيس الوزراء ووزير التعليم، اللذين تحدثا عن "جودة التعليم" و"تطوير المدارس".
أثناء الزيارة، ظهر المسؤولون وهم يتجولون بين الفصول النظيفة والمجهزة، وسط طلاب يرتدون الزي المدرسي بانتظام. الصور الرسمية التي بثتها وسائل الإعلام الحكومية رسمت صورة مثالية عن التعليم في مصر، وكأن المدارس كلها في مستوى فاطمة الزهراء.
غير أن هذه الصورة، بحسب أولياء الأمور والمعلمين في قرى مثل جزيرة داود، لا تعكس الحقيقة، بل تشكل جزءًا من بروباجندا متكررة تهدف إلى إيهام الناس بأن التعليم بخير، بينما الواقع مغاير تمامًا.
خداع مكشوف للرأي العام
الازدواجية بين المدرستين تكشف بوضوح سياسة "الواجهة" التي يتبعها المسؤولون: يتم تجهيز مدرسة معينة بشكل استثنائي، لتكون نموذجًا يُعرض أمام الكاميرات، فيما تُترك بقية المدارس تعاني الإهمال ونقص الإمكانيات.
أحد الأهالي علّق على فيسبوك قائلاً: "الوزراء جايين يشوفوا مدرسة معمولة مخصوص عشان يضحكوا علينا. طب ما يجوا يشوفوا ولادنا وهما راكبين مراكب عشان يوصلوا مدرستهم؟ ده التعليم اللي بيتفاخروا بيه!"
هذا التعليق يلخص شعور المواطنين بالخذلان من المسؤولين الذين يتحدثون عن التطوير بينما يواجه أطفالهم مخاطر يومية للوصول إلى الفصول.
دعاية أم تطوير حقيقي؟
يطرح هذا المشهد سؤالًا أساسيًا: هل التطوير الذي تتحدث عنه الحكومة حقيقي وشامل، أم أنه مجرد دعاية إعلامية تستهدف تحسين الصورة أمام الداخل والخارج؟
إذا كان هناك تطوير فعلي، فلماذا لم يشمل مدارس مثل جزيرة داود؟
ولماذا لا يتم توفير حلول عاجلة، مثل سيارات لنقل الطلاب أو إنشاء جسور لعبور المياه؟
ولماذا يُترك الأطفال لمخاطر الغرق بينما يعلن المسؤولون عن نجاحات "شكلية"؟
هذا التناقض يفضح غياب الرؤية الشاملة، ويؤكد أن الإصلاحات المعلنة ما هي إلا إصلاحات انتقائية، تُسلّط الأضواء على حالات فردية بينما تبقى أغلب المدارس في حالة يرثى لها.
انعكاسات اجتماعية ونفسية
المفارقة لا تتعلق فقط بالبنية التحتية أو وسيلة انتقال الطلاب، بل بكرامتهم وشعورهم تجاه الدولة. كيف يمكن لتلاميذ جزيرة داود أن يثقوا في تصريحات المسؤولين عن "التطوير والجودة"، بينما واقعهم اليومي يحوّل رحلة التعليم إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
الطلاب أنفسهم يشعرون أن الحكومة تتجاهلهم. يقول أحدهم: "نفسنا نروح المدرسة زي باقي الأطفال من غير ما نركب مراكب أو نتعطل في الطين." هذا الشعور يولّد إحباطًا، ويؤثر على صورة التعليم في أذهانهم، وربما على رغبتهم في الاستمرار.
وتظهر قصة طلاب جزيرة داود كيف يمكن لصورة واحدة على فيسبوك أن تفضح ما تحاول بروباجندا حكومية إخفاءه. ففي حين يلتقط المسؤولون الصور في مدرسة مُجهزة بعناية، يواجه تلاميذ آخرون خطر الغرق كل صباح.
التعليم ليس شعارات ولا صورًا أمام الكاميرات، بل حق أساسي يجب أن يُمارس بكرامة وأمان. والواقع في المنوفية يثبت أن المسؤولين، بدلًا من مواجهة المشكلات الحقيقية، يكتفون بترتيب مشاهد استعراضية لتمرير رسائل زائفة.
ويبقى السؤال: متى سيتوقف هذا الخداع، ومتى تصبح كل مدارس مصر في مستوى يليق بأبناء الوطن، لا مجرد واجهة لتلميع الصورة أمام الشعب والعالم؟