يشهد مشروع "بيت الوطن" الذي أطلقته حكومة الانقلاب لتوفير أراض وسكن للمصريين بالخارج أزمات متفاقمة، تخلفها شكاوى متزايدة وغضب في أوساط المغتربين الذين يرون أن الحكومة والنظام العقاري فتحا الباب لـ"نصب" مالي ضخم على مدار سنوات، بلغت قيمة مبيعات المشروع نحو 10 مليار دولار أمريكي. ما يفترض أن يكون حلماً للاستقرار يتحول اليوم إلى أزمة فقدان ثقة وانعدام عدالة، وسط تأخر في استرداد الأموال، بحث عن مصالح الشركات المنفذة، وضياع مدخرات المغتربين وطاقاتهم.
تورط الحكومة والشركة المنفذة
أعلنت وزارة الإسكان مؤخراً أن سبب تعطل مواعيد تسليم الأراضي ووحدات السكن وتحقيق أموال الحاجزين يعود لشركة تنفيذ المشروع، ما يمثل محاولة للهروب من المسؤولية المباشرة تجاه آلاف المغتربين الذين دفعوا مقدمات كبيرة دون تحصيل أي أرباح أو تقدم ملموس. هذه الوقائع تثير الشكوك حول جدية الحكومة في إدارة المشروع ومصالح المستثمرين المرتبطة به، مما دفع المغتربين والشركات الوسيطة إلى التهديد بمقاطعة الإعلانات القادمة للمشروع وإعادة النظر في التعامل مع هيئات الدولة.
ضياع مدخرات المغتربين واسترداد المقدمات بدون فوائد
يواجه كثير من المغتربين، الذين حولوا مدخرات حياتهم ومدخراتهم بالدولار، عدم استرداد مقدمات الحجز في مشروع "بيت الوطن" كاملة، أو أنها تُرد بدون أي تعويض عن الفوائد أو الخسائر الناتجة عن التضخم والانتظار الطويل، مما يضاعف من حجم الخسائر المالية. كما أن البطء في الإجراءات والتعنت في استرجاع الأموال ورد بالعلاج بآليات معقدة عبر البريد الإلكتروني والاشتراطات الإدارية، يضع الحاجزين في مأزق حقيقي مع تهديد واضح بضياع أموالهم وشقق عمرهم التي حلموا بها.
أزمة ثقة واتهامات بصفقات مشبوهة
عبر العديد من المغتربين عن استيائهم من عدم شفافية عمليات التخصيص، وتحويلات الأراضي، وطرح "أراضي بواقي" أقل تميزاً من المرحلة الأساسية، فضلاً عن اتهامات لشركات عقارية بالاحتكار والاستحواذ على كميات كبيرة من الأراضي وبيعها بأسعار مضاعفة للسوق، مما يفاقم من أزمة الثقة ويجعل المغتربين يشعرون وكأنهم ضحايا عملية نصب منظمة.
وأحد المغتربين قال: "هل كانت غلطتنا أننا حولنا أموالنا بالدولار؟ لو استثمرتها في الذهب الآن لزاد المبلغ وليس النزول، بينما دولتنا ترد بالمقدمات بلا أرباح ولا تقدير لمعاناتنا"، في إشارة واضحة إلى الوجع النفسي والاقتصادي الناجم عن تقصير الجهات الرسمية.
المطالب الحقيقية للمغتربين
يصر المغتربون على أن مطلبهم واضح وبسيط: توفير أراضٍ حقيقية مميزة في المدن المرغوبة كالقاهرة الجديدة، وليس مجرد أراضٍ نائية أو أراضي "بواقي" طرحها المشروع في الطرح التكميلي. كما يطالبون بتعويض عادل عن الفترة الطويلة التي انتظروا فيها بدون أي مقابل يستحقون عليه، مع التعجيل في إجراءات الاسترداد وليس وضعهم في دوامة بيروقراطية تعطل حقوقهم.
ويهدد بعض الحاجزين بمقاطعة المراحل القادمة من الطرح ووقف تحويلاتهم لمصر، مما يشكل تهديداً لواردات الدولة من العملة الصعبة ويضع ضغطاً حقيقياً على سمعة المشروع لدى المصريين في الخارج.
وفي النهاية فمشروع "بيت الوطن" كان من المفترض أن يكون جسر أمل للمغتربين المصريين لتحقيق حلم السكن والعودة إلى أرض الوطن، لكنه تحول إلى نموذج فشل إداري، حيث الحكومة تدير الملف بدون شفافية كافية، وتؤجل المسؤولية إلى الشركات المنفذة، بينما المغتربون يدفعون الثمن بعشرات المليارات من الدولارات وضياع طموحاتهم وشقا عمرهم.
هذا الواقع المؤلم يتطلب إعادة هيكلة شاملة للمشروع بمحاسبة كل جهة مقصرة، وتسريع الإجراءات المالية والقانونية، وإعادة الثقة بالنظام العقاري الحكومي، لتكون البداية حقيقية في منح المغتربين حقهم المشروع في الاستقرار، وليس وقوداً لمزيد من الأزمات الاجتماعية والمالية.