أعلنت إسبانيا وإيطاليا أمس تحركًا عمليًا لحماية أسطول مدني دولي يحاول كسر الحصار البحري المفروض على غزة، بعد تعرض القوافل لهجوم بطائرات مسيرة قبالة سواحل اليونان. تصريحات رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز ووزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو، فضلاً عن موقف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وضعت أوروبا في قلب مواجهة جديدة بين الدافع الإنساني وخطر التصارع الأمني.

بدأ التصعيد بإعلان وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو أمام البرلمان أن بلاده سترسل سفينة ثانية تابعة للبحرية لمرافقة أسطول المساعدات الدولية الذي يحاول إيصال المساعدات إلى غزة، في خطوة جاءت بعد إعلان إسبانيا إرسال سفينة حربية عسكرية لحماية الأسطول. بدوره، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز إنه سينضم إلى إيطاليا في إرسال سفينة حربية لحماية الأسطول الدولي، وذلك عقب تعرضه لهجوم بطائرات مسيرة قبالة سواحل اليونان.

سانتشيز أوضح خلال مؤتمر صحافي في نيويورك، حيث يحضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن مواطني 45 دولة يشاركون في الرحلة "لإيصال الغذاء إلى سكان غزة وللتعبير عن التضامن مع معاناتهم". وأضاف أن "حكومة إسبانيا تؤكد ضرورة احترام القانون الدولي، واحترام حق مواطنينا في الإبحار عبر البحر المتوسط وسط ظروف آمنة"، وتابع متعهدًا: "غداً سنرسل سفينة حربية من قرطاجنة محملة بكل الموارد اللازمة، في حال تطلب الأمر مساعدة الأسطول أو تنفيذ عملية إنقاذ".

 

أسطول الصمود العالمي، الذي يضم نحو 50 قاربًا مدنيًا، يمثل محاولة مدنية واسعة لكسر الحصار البحري على غزة، ويشارك فيه ناشطون ومحامون وزعيمة من حركة المناخ العالمية، الناشطة السويدية جريتا تونبري. وقالت ماريكايتي ستاسينو، المتحدثة باسم حملة "مسيرة إلى غزة - اليونان" (جزء من الأسطول)، إن القوارب تعرّضت لهجوم من 12 طائرة مسيرة في المياه الدولية على بعد 65 كيلومتراً من جزيرة جافدوس اليونانية. تونبري بدورها نقلت عبر اتصال من السفينة أنها تشهد تحليق الطائرات المسيرة فوق القوافل "كل ليلة"، مؤكدة أن "هذه المهمة تتعلق بغزة، لا بنا"، وأن الأخطار التي قد تواجههم لا تضاهي ما يعانيه الفلسطينيون يوميًا.

إزاء اتهامات الأسطول التي حمّلت إسرائيل وحلفاءها مسؤولية "الانفجارات والطائرات المسيرة المجهولة والتشويش على الاتصالات"، امتنعت تل أبيب عن الجواب الصريح حول دورها في هذه الهجمات، لكنها جددت عبر وزارة خارجيتها الدعوة إلى أن تنزل القوارب مساعداتها في ميناء إسرائيلي وتترك مهمة نقلها للسلطات الإسرائيلية، محذرة من "عواقب" حال استمرار محاولات دخول منطقة هي تصفها بـ"منطقة قتال نشط". البيان الإسرائيلي شدد: "لن تسمح إسرائيل للقوارب بدخول منطقة قتال نشط، ولن تسمح بأي خرق للحصار البحري القانوني".

بالمقابل، اقترحت إيطاليا، عبر رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني، حلًا بديلًا عمليًا؛ دعت الأسطول إلى تسليم إمداداته الإغاثية إلى قبرص أو إلى البطريركية اللاتينية في القدس التي تتولى بدورها إيصالها إلى غزة، معتبرة أن هذه الوسيلة قد تقلل من المخاطر بعد تعرض الأسطول لهجوم الطائرات المسيرة. ميلوني قالت أمام الصحافيين في نيويورك إن اقتراحها "يبدو أنه يحظى بدعم حكومتي قبرص وإسرائيل، وبالطبع الحكومة الإيطالية"، وأن روما "تنتظر ردًا من منظمي الأسطول". كما وصفت المبادرة الأصلية بأنها "غير مبررة وخطرة وغير مسؤولة"، داعية القائمين على الحملة إلى قبول الخطة لتفادي مزيد من الخطر.

في المقابل، أكّد منظمو الأسطول أن الهجوم أثر فعليًا في 11 قاربًا، وأنهم "لن يستسلموا للترهيب وسيواصلون الإبحار". موقفهم هذا يُظهر عزيمة مدنية دولية على التحدي، لكنّه أيضًا يضع سؤالًا حاسمًا أمام أوروبا: هل الأولوية للالتزام الإنساني المباشر في كسر حصار مدني، أم للحلول التعاقدية التي تمر عبر وساطات ودول ثالثة لتفادي مواجهة عسكرية مباشرة؟

قرار إسبانيا وإيطاليا بإرسال سفن حربية لحماية المدنيين يُعدّ تصعيدًا دوليًا واضحًا، ويعكس أن الأزمة تجاوزت حدود النشاط المدني لتصبح اختبارًا لقدرة القوى الأوروبية على حماية مبادرات مدنية إنسانية ضمن بحار تشهد توترًا متناميًا. والمشهد يبقى مشدودًا حتى رد منظمي الأسطول على عرض التسليم إلى قبرص أو البطريركية، وحتّى يتضح دور إسرائيل على ضوء اتهامات القوافل بالوقوف وراء هجمات الطائرات المسيرة.