في الوقت الذي تواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية عدوانها على قطاع غزة منذ أكثر من 709 يوم، تتفاقم معاناة الجرحى والمرضى داخل المستشفيات المحاصرة، حيث لم يعد التحدي مقتصراً على قصف الطائرات أو رصاص القناصة، بل امتد إلى معركة صامتة يخوضها الأطباء ضد الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية، في ظل منع الاحتلال إدخال الأدوية اللازمة، ما يضع الكوادر الطبية أمام قرارات قاسية تُنهي حياة أطراف المرضى من أجل الحفاظ على حياتهم.
الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، كشف في تصريحات للجزيرة أن المشهد الصحي دخل مرحلة بالغة الخطورة، إذ لم يعد أمام الأطباء سوى خيارين أحلاهما مر: إما بتر الأطراف الملوثة بالميكروبات المقاومة أو فقدان حياة المصاب كلياً.
وأوضح أن الاحتلال يواصل تشديده للحصار الطبي عبر منع دخول المضادات الحيوية الأساسية، وهو ما جعل المستشفيات عاجزة عن مواجهة أخطر موجة من الالتهابات المقاومة للأدوية.
ويصف البرش هذا الواقع بأنه جزء من سياسة ممنهجة لإبادة المنظومة الصحية في غزة، مؤكداً أن ظهور وانتشار الميكروبات المقاومة يعني أن القطاع الصحي بات في “مرحلة اللاعودة”.
ويضيف أن الاحتلال لا يكتفي بالقصف المباشر للمدنيين والمرافق الطبية، بل يمارس “جريمة إبادة متكاملة الأركان” عبر الخنق الصحي والدوائي، ما يضاعف من أعداد الضحايا ويزيد من حدة المأساة الإنسانية.
أرقام دامية لضحايا العدوان
وبحسب وزارة الصحة، فقد أسفرت عملية الاحتلال الأخيرة المسماة “عربات جدعون 2”، التي انطلقت في 13 أغسطس الماضي، عن استشهاد 1891 فلسطينياً، بينهم 482 طفلاً و174 امرأة و75 من كبار السن، أي أن نحو 38% من الضحايا ينتمون للفئات الأكثر ضعفاً. هذه الأرقام، وفق البرش، تعكس استهدافاً مباشراً لشرائح المجتمع غير القادرة على حماية نفسها، بما يؤكد الطابع الانتقامي للحملة العسكرية.
المجاعة.. وجه آخر للموت
ولا تقف المأساة عند حدود الجرحى أو ضحايا القصف، بل تمتد إلى كارثة الجوع التي أعلنتها الأمم المتحدة رسمياً في 22 أغسطس الماضي، كأول حالة مجاعة يتم تسجيلها في تاريخ الشرق الأوسط.
وأشار البرش إلى أن 420 فلسطينياً قضوا جوعاً حتى الآن، بينهم 145 طفلاً، نتيجة الحصار الذي يمنع دخول المواد الغذائية الأساسية، في مشهد يُظهر حجم الانهيار الإنساني الذي يعيشه القطاع.
صمت دولي يفاقم الجريمة
وانتقد مدير الصحة ما وصفه بـ “تواطؤ الصمت الدولي” إزاء الجرائم الموثقة بالصوت والصورة، معتبراً أن عجز المؤسسات الدولية عن التحرك الفعّال يُعد ضوءاً أخضر لمواصلة الاحتلال جرائمه.
وأوضح أن قادة إسرائيل يصرحون علناً بمخططاتهم لتهجير سكان غزة قسرياً، في خرق صارخ للقوانين الدولية واتفاقيات جنيف التي تجرّم العقوبات الجماعية والتهجير القسري.