وصف الإعلام الغربي سلسلة الاستقالات في هولندا بأنها "تطور أذهل المراقبين في الشرق الأوسط"، و"تحول تاريخي ومثير للجدل" في السياسة العسكرية الإقليمية. المواجهة السياسية تنحصر بين ضغط الرأي العام، وتضعضع الحكومة، وعجز عن اتخاذ موقف يتناسب مع حجم الأزمة في غزة.
 

دعوات للمعاقبة... بلا استجابة
في أعقاب تقارير عن المجاعة المتفشية – التي وصفها خبراء الأمم المتحدة بأنها "من صنع البشر" – وتوسّع إسرائيل في الاعتداءات، تقدّم وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، بطلب لمواصلة فرض عقوبات ضد إسرائيل، من بينها حظر واردات من المستوطنات، وإلغاء تصاريح تصدير عسكرية.
لكن الحليفين الرئيسيين في الحكومة (حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية VVD، و"حركة المزارعين - المواطنين" BBB) رفضا التقدم في هذا الاتجاه.

في 22 أغسطس 2025، أعلن فيلدكامب استقالته بعد فشله في كسب تأييد مجلس الوزراء، قائلًا:

"أنا غير قادر على اتخاذ إجراءات إضافية ذات مغزى."

 

استقالة جماعية تؤزّم الحكومة
لم تكن استقالة فيلدكامب منفردة؛ إذ تبعتها استقالات ثمانية وزراء وكتّاب دولة من حزب "العقد الاجتماعي الجديد" (NSC) الذي ينتمي إليه.
جاء هذا التحرك الجماعي تضامنًا تامًا مع فيلدكامب، وتمردًا صارخًا على سياسة الحكومة الحالية.

من بين المستقيلين:

  • إيدي فان هيجوم – نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاجتماعية
  • جوديت أوتيرمارك – وزيرة الداخلية
  • إبو برينز – وزير التعليم
  • دانييلا يانسن – وزيرة الصحة

بالإضافة إلى أربعة كتّاب دولة:

  • تِيون سترويكن (الحماية القانونية)
  • تجيبي فان أوستنبرغن (الضرائب)
  • ساندرا بالمين (الإعانات)
  • هانكه بورما (التجارة الخارجية)

 

غلاف سياسي هشّ أمام غضب شعبي متصاعد
أثّرت هذه الاستقالات بشدة على الاستقرار السياسي للحكومة المؤقتة، التي كانت بالفعل في موقف ضعف بعد انهيار الحكومة في يونيو الماضي إثر انسحاب جناح حزب "الحرية" بقيادة اليميني المتشدد غيرت فيلدرز.
وقد تعرّض أداء الحكومة لهزة حقيقية، خاصة في ظل الانتخابات المقبلة المقررة في أكتوبر.

في الوقت ذاته، شهدت هولندا خلال شهري مايو ويونيو احتجاجات "الخط الأحمر"، حيث خرج عشرات الآلاف رافعين شعارات تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل، وسط غضب شعبي متزايد تجاه صمت السلطات أمام ما يُوصف بأنه "إبادة جماعية" و"جرائم حرب" تُرتكب في غزة.
 

الخط الأحمر: نهاية الصمت الرسمي؟
إذا كانت هذه الاستقالات الجماعية هي الإشارة الأولى على تراجع الدعم الرسمي لإسرائيل، فهي أيضًا دليل على أن الرأي العام — بقيادة حركة شعبية غير مسبوقة — لم يعُد يقبل بالمزيد من الصمت أو التواطؤ.

إن إعلان وزير الخارجية استقالته لأنه "غير قادر على اتخاذ موقف ميداني حقيقي"، يُعدّ بمثابة استنفار سياسي داخلي، له آثار جيوسياسية لا يُستهان بها.