لم يعد تصديق عبد الفتاح السيسي على قانون "التصرف في أملاك الدولة" مجرد إجراء تشريعي روتيني، بل هو إعلان صريح عن بدء مرحلة جديدة من التفريط الممنهج في أصول مصر وممتلكات شعبها.
القانون الذي يفتح الباب لبيع الأراضي والعقارات المملوكة للدولة ليس سوى خطوة جديدة في مسلسل طويل، هدفه سد فجوة العجز المالي الهائل الذي صنعه نظام السيسي بسياساته الفاشلة، بدءاً من التوسع الجنوني في القروض، مروراً بالمشروعات غير المنتجة، وصولاً إلى التعويم المتكرر للجنيه الذي سحق الطبقة الوسطى.
وبذلك يظهر أن السيسي لا يرى أمامه سوى طريق واحد: بيع مصر قطعة قطعة ليبقى نظامه واقفاً.
القانون يحمل مخاطر كارثية لا يمكن تجاهلها:
- إضفاء الشرعية على البيع: بعد أن كانت عمليات البيع والخصخصة تثير الجدل والرفض الشعبي، صار القانون غطاءً قانونياً يبرر كل شيء.
- نهب الأصول الوطنية: ما كان ملكاً عاماً يتحول فجأة إلى سلعة في يد رجال أعمال مقربين أو شركات أجنبية.
- تدمير العدالة الاجتماعية: في بلد لا يجد فيه المواطن شقة يسكنها، سيُباع أفضل المواقع لمن يملك المال، بينما يزداد الفقراء تهميشاً.
- غياب الرقابة: في ظل برلمان شكلي يصفق لكل قرار، تصبح الثروة الوطنية رهينة توقيع من الرئيس.
السيسي يهرب من فشله بالبيع
من الواضح أن السيسي يستخدم القانون كأداة للهروب من أزمته الاقتصادية الطاحنة.
فعلى مدار عشر سنوات، أغرق مصر في الديون لبناء عاصمة إدارية وصروح إسمنتية لا تعود على المواطن بأي نفع حقيقي.
ومع انهيار الجنيه وفشل كل وعود "الإصلاح"، لم يبق أمامه سوى بيع أملاك الدولة لتوفير بعض الدولارات التي يشتري بها وقتاً إضافياً لنظامه.
لكن الحقيقة أن هذا المسار ليس حلاً، بل جريمة اقتصادية، لأن ما يُباع اليوم لا يمكن استرداده غداً. إنها محاولة يائسة لترقيع الفشل، لا أكثر.
وسط القاهرة… نحو "داون تاون" السيسي
الأخطر هو ما يترتب على هذا القانون من إعادة تشكيل لوجه القاهرة.
فمنذ سنوات، تتعرض المقابر التاريخية في الإمام الشافعي للهدم، وتُزال مبانٍ تراثية من قلب العاصمة، بحجة التطوير.
لكن التطوير هنا ليس سوى تمهيد لبيع وسط القاهرة وتحويله إلى "داون تاون" على طريقة دبي: أبراج زجاجية فاخرة ومجمعات استثمارية.
السيسي يريد أن ينقل مؤسسات الدولة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ليفرغ قلب القاهرة من قيمته الإدارية والسياسية، ويجعله ساحة مفتوحة للشركات العقارية.
النتيجة: محو قرن ونصف من تاريخ القاهرة الخديوية المصنفة تراثاً عالمياً في اليونسكو، مقابل حفنة من الصفقات التي يستفيد منها رجال أعمال محددون.
من بيع الأرض إلى بيع التاريخ
المسألة لم تعد مجرد بيع أراضٍ حكومية غير مستغلة، بل وصلت إلى بيع التاريخ نفسه. وسط القاهرة ليس عقارات فقط، بل هو ذاكرة وطنية وثقافة وهوية.
وحين يُهدم هذا كله لصالح أبراج زجاجية ومراكز تجارية، فهذا يعني أن مصر تُفرَّغ من روحها لصالح نموذج استهلاكي عقيم لا يمت للواقع الاجتماعي أو الثقافي بصلة. السيسي هنا لا يبيع الأرض فقط، بل يبيع الماضي والمستقبل معاً.
السيسي يسرق مصر علناً
وأخيرا فإن قانون التصرف في أملاك الدولة هو الوجه الآخر لفشل السيسي الكامل. فبعد أن عجز عن إدارة الاقتصاد، وأغرق البلاد في الديون، لم يجد سوى بيع أملاك المصريين ليغطي عجزه.
وما يجري في وسط القاهرة من هدم للتراث وتحويله إلى "مشاريع عقارية" ليس تطويراً كما يدّعي النظام، بل سطو منظم على ذاكرة الوطن.
التاريخ سيكتب أن السيسي لم يكتفِ بقمع الحريات وتجويع الشعب، بل مضى ليبيع أملاكه ويهدم تراثه ويشوّه هويته.
إنها جريمة كبرى بحق مصر، جريمة لن تُغتفر، لأن من يبيع الأرض يبيع الشعب معها.