في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة تحت شعار "بناء مجتمعات شاملة"، تُحيي حكومة الانقلاب في مصر هذه المناسبة بطريقتها المعتادة: بيانات رنانة، مؤتمرات "شو إعلامي"، وتصريحات للمسؤولين تتغنى بـ"الجمهورية الجديدة".
الدكتورة إيمان كريم، المشرف على المجلس القومي لذوي الإعاقة، تتحدث عن "اهتمام بالغ" و"تمكين غير مسبوق"، لكن نظرة واحدة إلى أرض الواقع تكفي لكشف زيف هذه الادعاءات. فبينما يتحدث المسؤولون عن الدمج والمساواة، يعيش ملايين من ذوي الإعاقة في مصر جحيمًا يوميًا من الإهمال، والبيروقراطية، وسرقة حقوقهم المشروعة بالقانون، في ظل نظام لا يرى فيهم سوى "ديكور" لتجميل صورته أمام المنظمات الدولية، أو "أرقام" في كشوف المتسولين للدعم.
بطاقة "الخدمات المتكاملة": رحلة عذاب لا تنتهي
أكبر دليل على فشل المنظومة هو مهزلة "بطاقة الخدمات المتكاملة". فبدلاً من أن تكون أداة لتسهيل حياة المعاق، تحولت إلى "صك عذاب" لا يناله إلا من يملك "واسطة" أو قدرة على تحمل طوابير الذل والفساد الإداري. النظام يتشدق بـ"ميكنة الخدمات"، بينما الواقع يشهد سقوط "السيستم" المستمر، وتعقيد إجراءات الكشف الطبي، ورفض آلاف الطلبات المستحقة بحجج واهية لتوفير النفقات.
تعديلات القانون الأخيرة التي أقرها نظام السيسي لم تكن لتوسيع مظلة الحماية، بل لتقليصها وحرمان فئات واسعة من حقها في الدعم، مما دفع الكثيرين لليأس، كما ورد في شهادات حية لنشطاء أكدوا أن التعديلات الجديدة "قفلت الباب في وش الغلابة" وحولت حياتهم إلى سلسلة من الاستغاثات.
وهم "الدمج" في سوق العمل والتعليم
تتحدث الحكومة عن "دمج ذوي الإعاقة في سوق العمل"، لكن الأرقام تفضح الكذب. نسبة الـ5% توظيف في القطاع الحكومي والخاص لا تزال حبرًا على ورق في معظم المؤسسات. الشباب من ذوي الإعاقة يواجهون تمييزًا فجًا، ويتم إقصاؤهم من الوظائف بدعوى "عدم اللياقة"، أو يتم تعيينهم بشكل صوري "استيفاءً للأوراق" وبرواتب مهينة لا تكفي ثمن المواصلات، دون أي دمج حقيقي أو مهام فعلية.
أما في التعليم، فالمدارس "الدامجة" التي يتفاخر بها النظام تفتقر لأبسط مقومات التأهيل؛ فلا مناهج مواءمة، ولا مدرسين مدربين، ولا حتى تجهيزات هندسية تسمح بحركة الكراسي المتحركة. "الدمج" في قاموس الانقلاب يعني فقط وضع الطالب المعاق في فصل عادي وتركه يواجه مصيره من التنمر والإهمال التعليمي.
"حياة كريمة".. شعار للاستهلاك المحلي
تزعم المشرف العام على المجلس أن استراتيجية الدولة تهدف لتوفير "حياة كريمة"، لكن أين الكرامة في ظل ارتفاع جنوني لأسعار الأجهزة التعويضية والأدوية، ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية؟ ذوو الإعاقة هم الفئة الأكثر تضررًا من السياسات الاقتصادية الطاحنة للنظام، فهم يدفعون ثمن الغلاء من أجسادهم وصحتهم.
حتى المبادرات الرئاسية مثل "قادرون باختلاف" تحولت إلى مهرجانات سنوية لتلميع صورة السيسي شخصيًا، حيث يتم استحضار بعض النماذج الناجحة لالتقاط الصور، بينما يُترك السواد الأعظم من المعاقين يصارعون الفقر والمرض في القرى والعشوائيات بعيدًا عن عدسات الكاميرات.
مجالس "الصمت" القومية
المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يُفترض أن يكون "صوت" هذه الفئة والمدافع عن حقوقها، تحول في عهد الانقلاب إلى "بوق" للسلطة. بدلاً من مساءلة الحكومة عن تقصيرها، ينشغل المجلس بإصدار بيانات الشكر والمدح للقيادة السياسية، مبررًا الفشل ومجملًا القبيح. لقد أصبح المجلس جزءًا من المشكلة لا الحل، متواطئًا بصمته عن الانتهاكات الحقوقية وعن تقليص الخدمات، ومنفصلاً تمامًا عن معاناة الشارع.
خاتمة: حقوق مسلوبة وعدالة غائبة
إن الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة في مصر هو "احتفال بطعم المرارة". فالحقوق لا تُمنح بقرارات جمهورية تُنشر في الجريدة الرسمية، بل تُنتزع عبر سياسات حقيقية تضع الإنسان – مهما كانت قدراته – في قلب الاهتمام. لكن نظام العسكر، الذي لا يقيم وزنًا للأصحاء، لن يهتم بالمعاقين إلا بقدر ما يخدمون دعايته السياسية. سيبقى ذوو الإعاقة في مصر "مواطنين مع وقف التنفيذ"، يدفعون ثمن عجز الدولة وفسادها، حتى تتحرر البلاد من عقلية "الجباية" و"الشو"، وتعود لتكون وطناً يتسع للجميع.

